أربع ساعات كافية لأصبح شخصية جديدة لا أعلم عنها شيئا، ولكن بمجرد أن يخترق نخاعها جسدى ويتفاعل مع دمى أتوحد معها وأنفذ أوامرها فى الانطلاق بحرية، ولن يستغرق الأمر طويلا حتى يبدو على التغيير بعد انتهاء عملية التفاعلات الكيمائية، التى تتم بعد نقل نخاع المتبرع إلى جسدى، وأعود الى بيتى محملة بشخصية جديدة. تبدأ الأعراض على شاكلة فيلم القناع لجيم كارى وكأن الشخصية تتلبسنى، فأتلوى من عدم الراحة ولا يمكنى تحديد أو وصف ماذا يحدث بداخلى، وكل ما أعلمه هو أنى لا أشعر بالراحة، شعور بالغثيان والقىء، دوخة وتقلب مزاج ودقات قلب متلاحقة، أشعر كأن دمائى تطارد ذلك الشخص الغريب ولا تمنحه فرصة التعرف عليها، تعتبره ضيفا ثقيلا، ترفض حتى أن تعطيه واجب الضيافة لتؤسره بكرمها ثم تدفعه للرحيل، تأبى أن تتنازل وتشكره وترفض خدماته بكل أدب قائلة (عايشين كويسين مستغنين عن خدماتك). يستمر هذا الصراع أربع ساعات على الأكثر، ولا أعلم تحديدا من الذى يتدخل للتفاوض وفض النزاع، وأيضا لا يمكننى البت فى هوية الفائز إلا فى اليوم التالى، فإذا شعرت بالتحسن والطاقة أدركت أن هذا الضيف الغريب هو الأقوى والمسيطر، والغريب أنى أحمد الله على خسارتى، لأنها تعنى تعافيا وانتصارا على مرض الذئبة الحمراء، التى تستوطن دمائى وتجعله فظا نابذا للآخرين لافظا للمغتربين. أما إذا انتصرت دمائى، فأنا فى الدرك الأعظم من الألم والخلل النفسى والاضطراب الجسدى والوظيفى لبعض الأجهزة وعلى رأسهم الكلى والجهاز التنفسى، ولا تحتسب فى علاجى هذه الجرعة الخاسرة رغم استيفائها لجميع الشروط ومطابقتها لفصيلتى، ولكن خسارتها تعنى أن هذه الشخصية تعانى ألما وهما وهوانا، وقد منحتنى خلاصة مشاكلها واضطراباتها مع نخاعها، عندئذ لا مفر من استيعابها بكل عيوبها فقد فات الآوان، ولابد من احتواء مثالبها كما احتضن ايجابياتها. فأيا كان ما يحدث بداخلى من تفاعلات خاسرة أو فائزة فالمحصلة فى النهاية أنى أحصل على خلاصة الطيبة والرحمة من ارواح جميلة، جاءتنى طوعا للتبرع، دفعها الله فى طريقى لأنه أحبها وأراد لها خيرا، لتقدم رحمتها وإنسانيتها لمريضه لم تعرفها، فقط يسخر لها روحه بأمر من الله وحده لكى ينقذ حياتها، وتكفينى تلك المشاعر تغذى روحى وأستمد منها الحياة والأمل والدفء من يد الله ومساندة قلوب رحيمة حتى وإن كانت بائسة وتحمل من هموم الحياة جبالا، فأظن أن الله يقاضيها عنى بتلك الهموم، فهنيئا لنا معا بحب الله. لمزيد من مقالات ناهد السيد