حققت المرأة المصرية فى الفترة الأخيرة عدة مكاسب، فقد شغلت فى التشكيل الوزارى الأخير ثمانية مناصب وزارية، وصدرت منذ أيام الحركة القضائية متضمنة ترقية 27 قاضية الى درجة رئيس محكمة استئناف وهى أعلى درجات السلك القضائي، وشغلت المرأة ايضا منصب المحافظ، ورأست عدة هيئات عامة خدمية واقتصادية واجتماعية مثل رئاستها مصلحة الضرائب العقارية. وتشكل الأسر التى تعولها امرأة ثلث اجمالى الأسر المصرية. ومع ذلك فإن المرأة المصرية تستحق أكثر وأن يكون دورها فى المجتمع أكبر فهى نموذج نادر للمرأة قلما يتكرر فى الشعوب الاخرى، لأنها تقوم بأدوار متعددة فى المجتمع، فهى تعمل فى وظيفة بالحكومة أو القطاع العام أو القطاع الخاص وعندما تعود لبيتها تقوم بدورها كربة بيت ترعى ابناءها وتعد لهم الطعام وتتابع مذاكرتهم بل وتصحبهم الى اماكن النشاط الرياضى او الاجتماعى الذى يقومون به وهى بهذه الادوار المتعددة تتحمل العبء الاكبر فى المجتمع، وقد لمست هذا بنفسى مع الاقارب والاصدقاء والجيران بل فى اسرتى ايضا، حيث توفى ابى سنة 1947 بعد مواجهة شرسة مع البدراوى باشا عاشور فى انتخابات مجلس النواب وانا فى الحادية عشرة من عمرى اكبر اخوتى الخمسة الذين كان اصغرهم عمره سنة واحدة وتعاونت جدتى لأبى وأمى فى رعايتنا والانفاق علينا مع اصرارهما وهما اميتان على مواصلة تعليمنا الى اعلى درجات التعليم وعشنا حياة قاسية واجهنا فيها العديد من المصاعب وكان لهذا اثره على شخصياتنا فلم نكن قادرين رغم حبنا الشديد لبعضنا على ان نفصح عن مشاعر الحب التى يكنها كل واحد منا للآخر الى ان التحقت بالتعليم الجامعى وقررت ان اعمل للإنفاق على الأسرة وتحمل مسئولياتى فى رعايتها وعندها قررت الزواج وتقدمت لخطبة فتاة من اسرة ميسورة الحال تعيش حياة مستقرة وهانئة ساعدت أبناءها على ان يعبروا لبعضهم عن حب كل منهم للآخر وكانت مناداة الآخرين (بحبيبي) مسألة عادية وعندما تزوجنا قبلت العيش مع هذه الاسرة الكبيرة العدد كواحدة منهم ولم تنازع على تولى مسئولية الاسرة بل قاست معنا مصاعب الحياة، حيث لم يكن مرتبى يكفى لآخر الشهر وكنا نضطر للاقتراض لنكمل الشهر, ومع ذلك فان زوجتى لم تتذمر ولم تنقل الى اسرتها ما تعانيه معى من صعوبات الحياة، ليس هذا فقط فان ظروفى اضطرتنى للغياب عن المنزل فى دورات تثقيفية لأعضاء منظمة الشباب لمرات عديدة ولم تتذمر بل انهمكت فى تربية ابنتنا الوحيدة وساعدت فى اعمال المنزل وتزايدت تدريجيا مسئولياتها مع الاسرة الى ان تولت مسئولية الاسرة بالكامل وامتد دورها ليشمل دائرة اوسع من الاقارب واستضافتهم فى بيتها اذا تطلب الامر ذلك، مما ساعد على توطيد علاقاتها بهم وتقديرهم لموقفها منهم، بل انها أصبحت قدوة ونموذجا يهتدون به ومرجعية يستشيرونها فى امورهم الخاصة وأصبح بيتنا جاذبا للكثيرين منهم لمشاركتنا مناسبات عائلية عديدة، ولم تكتف بهذه الادوار بل انها اقدمت فى فترة صعبة من حياتنا على شراء ماكينة تريكو للمساعدة فى ميزانية الأسرة التى لم يكن دخلى يكفيها وكان لها الفضل الاكبر فى تفرغى للعمل العام وانهماكى فى العمل السياسى سواء فى تأسيس منظمة الشباب وبعدها تأسيس حزب التجمع لسنوات طويلة ومؤخرا تأسيس حزب التحالف والمشاركة فى اعمال بحثية عديدة وفى سفريات للخارج للمشاركة فى مؤتمرات سياسية او ندوات علمية او دراسة تجارب حزبية. وهكذا فان زوجتى فتحية العشرى تمثل نموذجا للمرأة المصرية التى تقوم بأدوار متعددة وتتحمل مسئوليات كبيرة فى اسرتها وهى بهذا تعتبر تجسيدا لما تملكه المرأة المصرية من قدرات وما تقوم به من أنشطة سواء داخل الاسرة او خارجها والتى تستحق اكثر مما تحقق لها من اوضاع فى المجتمع ومن مكاسب تعطيها دورا اكبر وإذا كانت زوجتى المتعلمة قد فعلت هذا كله فان جدتى لأب وأمى وهما اميتان قد قامتا بدور بالغ الاهمية عندما كنا صغارا لتمكيننا من مواصلة الحياة والتعلم الى آخر نفس فى حياتهما. ورغم أن زوجتى لم تسمع منى صراحة مدى حبى لها من قبل إلا أننى أعبر صراحة لها الآن عن حبى وتقديرى لدورها خاصة بعد اصابتى بجلطة فى المخ ترتب عليها شلل فى الجانب الايمن من جسمى عجزت معه عن ان اقوم بكثير من الاعمال وخاصة ارتداء ملابسى فتقوم هى باختيار البدلة والكرافتة والجورب والحذاء فى الوان متناسقة لأخرج من بيتى إلى نشاطى العام فى ابهى صورة بفضلها وأعيش حياتى لا ينقصنى شيء بفضل مساعدتها لى وحرصها على ان اكون فى افضل صورة امام الآخرين. لمزيد من مقالات عبد الغفار شكر