كنت قد نقلت بالأمس رسالة مروة عن الرجال وكيف أنهم مخلوقات غريبة لا يعجبهم شيء ويتذمرون طوال الوقت ولا يحترمون مثابرة المرأة ولا يقدرون أعمالها التي لا تنتهي وبينما هم يتذمرون في راحتهم ويشتكون من أقل مجهود، تقوم المرأة المسكينة بكل الأعمال وهي راضية متحملة مجاهدة.. وقد تحفظت علي رسالة مروة لأنها تنقل صورة نمطية للرجل والمرأة لا ينبغي أن نقبلها دون مناقشة. وهذا النوع من الرسائل الالكترونية صار منتشرا بصورة كبيرة عبر البريد الالكتروني ونأخذه في معظم الأحيان بنوع من الهزل والسخرية، ونضحك عند قراءته كما نضحك عند قراءة النكات والقفشات.. ولكننا لا ندرك خطورة تأثير هذا النوع من التنميط الكاريكاتوري علي من يقرؤه.. فإذا صارت هذه هي صورة الرجل وأخذناها علي أنها حقيقة فسوف يكون الرجال بالفعل مخلوقات غريبة.. والأكثر سخرية هو أن السيدات اللواتي سيقررن الارتباط بهؤلاء الرجال، أو مواصلة الارتباط بهم، سوف يصبحن هن الأخريات مخلوقات غريبة لأنهن ارتضين أن يعشن مع هؤلاء الرجال. ولنحلل الأمر بدقة.. هل نستطيع القول بأن كل الرجال أو حتي معظمهم يتذمرون من العمل ويفضلون الراحة ولا يقتنعون بامرأة واحدة في حياتهم ويتابعون البرامج التليفزيونية غير مهتمين بالأبناء بل يتركون مسئوليات البيت والأبناء قاطبة للزوجة المسكينة؟ وهل كل الرجال أنانيون، وغاضبون، وموهومون علي صحتهم؟ وعلي الجانب الآخر: هل كل السيدات من الأمهات والزوجات يقمن بالتضحية من أجل الأسرة والزوج والأبناء؟ وهل يقمن بأعبائهن دون شكوي ولا تذمر؟ وهل تترك كل الزوجات أزواجهن دون أن يطلبن منهم تحمل بعض المسئوليات في المنزل ومع الأبناء؟ وإذا كانت السيدات كذلك، فهل هن بالحقيقة من الإنس أم من الملائكة؟ بالطبع يوجد رجال مضحون ومشاركون في تحمل المسئولية، وجادون في حب الأسرة ورعايتها.. ويوجد آباء طيبون وفي الوقت نفسه حازمون وقادرون علي التواصل بتوازن مع أبنائهم وبناتهم.. وإلا لما خرج للبشرية أناس طبيعيون.. وأيضا كما توجد سيدات فضليات وأمهات مثاليات - وهن كثيرات - توجد سيدات متنمرات وأمهات أنانيات وزوجات لا يتحملن أي مسئولية.. وكما يوجد رجال يتمتعون بطباع جيدة وآخرون بخصال رديئة، هكذا أيضا السيدات.. ولا توجد نتائج إحصائية عن نسبة الأفضل: الرجل أم المرأة.. أما إذا نظرنا صورة الرجل القاسي والمرأة الشهيدة، أو العكس، مثل صورة الرجل كالمسكين الذي يخاف (الحكومة) أي يخاف زوجته، والمرأة الجبارة التي تقوم بدور الرئيس القاسي في البيت، سنجد أن كلتيهما خاطئة وأن تعميمها سيتسبب في مشاكل مجتمعية خطيرة.. إذ سيصبح من التعقل تجنب الارتباط بالطرف الآخر وبناء أسرة تبدأ بالزواج ومشاركة الحياة مع زوج أو زوجة وتكبر بالتشارك في المسئوليات تجاه أبناء يقدمهم الزوجان للمجتمع كأفراد أسوياء.. وسيصبح الرجل مخلوقا غريبا بالنسبة للمرأة، كما المرأة بالنسبة للرجل.. المرأة والرجل إنسانان متكاملان، وليسا مخلوقات غريبة بالنسبة لبعضهما البعض، وينبغي إزالة الصور النمطية الخاطئة لكل منهما، واستبدالها بصور شخصية إنسانية حقيقية تختص بكل إنسان علي حدة دون إختزاله في مجرد (هو) أو (هي)..