يُؤرِّقُنى سؤال «الذات العربية الجماعية»، القائل: ماذا بَقِيَ من حرب العاشر من رمضان (حرب السادس من أكتوبر)؟، ويأتى السؤال فى الغالب مَصْحُوباً بقراءة الحاضر حيث الانهزامية فى أقصى مداها أمام الآخر، وأمام الذات، وعلى خلفيَّة كل هذا يتم التَّرويج لتشكيك البعض فى نتائج تلك الحرب المظفرة والجامعة، والمزينة لصورتنا على المستوى الدولى بما حملته من اصرار على التغيير والإرادة، ولذلك نحن مدينون للمشاركين فى تلك الحرب رجالا ونساء من عسكريين ومدنيين، الأحياء منهم والشهداء على الصمود فى وجه الهزات الكبرى خلال 45 سنة الماضية أى منذ 1973. إذا نظرنا لتلك الحرب من حيث هى ميراث عربى دون نفى وطنيَّتها فى الجانبين المصرى والسورى باعتبارهما الطَّرفين المَعْنيَّيْن بتلك الحرب مباشرة، فيمكن القول: «إن العجز عن توظيف ذلك الميراث أو الاستثمار فيه لمواجهة مشكلاتنا الراهنة، خاصة المتعلّقة بإدارة الصراع مع إسرائيل ومع القوى الدوليَّة الدَّاعمة لها، أو الأخرى التى تناصبنا العداء وتتدخّل فى شئوننا يجعل التصنيف على مستوى صناعة القرار يُميّز بين نوعين من العرب، عرب حرب العاشر من رمضان، وعرب زمن الحروب الداخلية، والتى يمكن أن نسميهم أيضا عرب الشتاء الدموي. وإذا سلمنا بالتصنيف السابق، فإنه سيجعل مقولة إن حرب العاشر من رمضان هى آخر حروب العرب مع إسرائيل غير صحيحة، لأنه هكذا أيضا قيل بعد هزائمنا السابقة فى حروب 1948، 1956، 1967، وهى جميعها فرضت علينا، وتراكمت نتائجها الإنهزامية إلى أن جاءت حرب العاشر من رمضان، فغيرت من مسار حركة التاريخ بالنسبة للدور العربي، ولا شك أن حروبنا الأهلية اليوم فى أكثر من بلد عربى تجعل من احتمال العودة إلى تكتل عربى مثلما فى حرب أكتوبر أمراً بعيدا، بل هناك من يراه من قادتنا ومن قادة العالم أيضا أمرا مستحيلاً، لكن أحداث التاريخ العربى تقول غير هذا، بل إنها تؤكد مقاومة العرب على مرّ التاريخ، فآمالهم فى التحرر والنهوض تتغلب فى النهاية على أوجاعهم وعثراتهم، بل إنهم أثبوا قدرتهم على الانتصار على قوى استعمارية عاتية، عمّرت فى أوطاننا قرونا، ثم خرجت بالقوة مدحورة، وها هى تعود اليوم لا لغفلة مناّ ولكن لأن الأعداء كُثْرٌ، ولأن فينا من هم مَياَّلُين لهم. نحن اليوم فى حاجة إلى روح «حرب العاشر من رمضان» الجماعية، لحماية دولنا منفردة ومجتمعة، ولحماية شعوبنا أيضا، فمن خلالها يمكن جمع العراقيّين حول مشروع وطنى واحد يزول فيه الصراع المذهبي، وعبرها ننقذ سوريا من حرب طال آجلها، وقضت على البشر والتاريخ والآثار، وباستعادتها تنتهى الشكوك والظنون وحتى الحقائق، الخاصة بتحالفات عربية مع قوى خارجية لحماية مصالحها. وباختصار فإن تلك الروح تجعلنا نٌطوّع مؤسساتنا وقراراتنا وإعلامنا لصالح حرب من نوع آخر، سيكون الدافع إليها تحرير فلسطين، لا المناورة عليها أو تسليمها، أو تقديمها بديلا لبقاء الدولة الوطنية أو نظامها الحاكم، فى ذروة تحالفات أو اتفاقات وهمية لم تستفد من تجارب التاريخ منذ 1917 إلى الآن. الدعوة إلى عودة روح حرب العاشر من رمضان لا تندرج ضمن خطاب إعلامى يسترجع تلك الحرب، تفاخراً بها وانتماءً لها بعد حلول ذكراها الخامسة والأربعين لأن بعضاً ممن أسهم بشكل مباشر لم يعد يذكر تلك الروح إما لعجز أو لحسابات سياسية، أو لأن أمواج التغيير أكبر من أن يواجهها، وإن كان هناك من يحترق كل يوم لأنه لم ينسها، ولم تتبدّل مواقفه، خاصة عائلات وأبناء أبطالها، الذين منهم من قضى نحبه، ومنهم ينتظر. إذن الدعوة إلى عودة تلك الروح فى نظرى هدف استراتيجى علينا تحقيقه، ولكن أنّى لنا ذلك ووضعنا مذر، وبأسنا بيننا شديد، والأمم تتكالب علينا بما فيها من يدَّعُون أُخوَّتنا فى الدين، وشراكتنا فى التاريخ والعيش معنا فى فضاء جغرافى واحد؟.. رغم هذا كله فإن روح حرب العاشر من رمضان الجماعية يمكن إعادتها، لكن لن يتم ذلك إلا بنوع الصراحة والشفافية، وهنا لابد من ذكر ثلاث قضايا عربية كبرى لابد من الحسم فيها: أولها: بما أن التاريخ أثبت أن مصر هى التى تقرر الحرب والسلام من أجل قضايا هذه الأمة، فلابد من دعمها فى حربها على الإرهاب، والأكثر من هذا استعادة دورها القيادى على المستوى القومي، وثانيها: الكف عن خذلان سوريا والتحالف مع كل قوى الشر ضدها، وثالثها: ألا يكون العرب بديلاً عن الفلسطينيين فى تحرير أرضهم أو التفاوض باسمهم، مع الاستمرارية فى دعمهم، هذا حتى لا تضيع فلسطين كاملة ومعها الجولان.. القضايا الثلاث السابقة متداخلة، وبها تعود روح حرب العاشر من رمضان، وبها نتوحَّد مثلما كُناَّ فى يوم السبت منذ 45 سنة، وليس كالذى مرّ أمس الأول. لمزيد من مقالات ◀ خالد عمر بن ققه