ما كان لنا نحن العرب ولا ينبغى أن تبقى حَالنا على ما هى عليه أو تزداد سوءا، لو كّنا اتّخذنا من الصراحة مَدْخَلا لحل مشكلاتنا، ونزعنا من أنفسنا بالرشد والحكمة ذلك الوهم القائم على أن المصالح الوطنية مناقضة للمصالح القومية، وصدّرنا قرارات ومواقف مٌستندة إلى تجارب جماعية خضناها فى الماضى وأكّدت جدواها وفاعليتها مثل حرب أكتوبر المجيدة. ماذا لو اعترفنا بأخطائنا الجماعية، المُؤَسّسّة أحيانا، وما أكثرها؟، تلك الأخطاء التى أورثتنا الهمَّ والغمَّ والحَزَن، وقوّت جحافل الظلام، وجعلت مطامع الآخرين حقيقة، وافترسنا بسببها ذئاب وأسود حين سعيْنا إلى حلول قُطْرِيَّة أو فردية، فاختطفنا فى زمن التكتل والعولمة، وها نحن اليوم نحاول بيأس تجميع أِشلاء مبعثرة لجسد مشوَّه، ولًمَّ شُتات ذاكرة أمة يرحل عنها التاريخ بعيدا، لأنها تقف على المستوى السياسى على أنقاض بناء مدمر، وعلى شفا حفر من الفتن، لا منقذ منها اليوم إلا وعيا جماعيا بمخاطر الحاضر، وتبعاتها فى المستقبل القريب. ولأن الحال على النحو الذى ذكرنا أعلاه، فإننا لا نودُّ أن يستغرقنا اليأس أو حتى الوصف، ولتكن البداية من اعترافنا جميعا، أن ما يحدث فى أوطاننا العربية عبارة عن تراكم لأخطاء سياسية، ويجب أن تنتهى على الفور، خاصة وانه ليس هناك ما يحول دون الاعتراف بها أو تصحيحها، وقد يرى بعضنا، أو غالبيتنا، أنه ليس بهذ البساطة يمكن أن تحل المشكلات الكبري، ولاشك أن النوايا هنا سليمة، ويحمل أصحابها مخاوف مشروعة، لكن تجارب البشر تؤكد أن كل المشكلات قابلة للحل فى زمنى السلم والحرب، والعرب هم جزء من تلك التجارب، وفد أثبتوا فعاليَّة فى محطات معينة من تاريخهم. هنا يحق لنا أن نتساءل: ألم يئن بعد للعرب أن يتراجعوا عن أخطائهم القاتلة، فى كل من: العراق، من ذلك دعم بعضهم لقوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة لاحتلاله، حيث انطلقت الطائرات الأمريكية فى ذلك من أرض عربية، وأهمها قاعدة «العديد» فى قطر، والمساهمة فى تدميره ونهبه، ثم التخلى عنه طواعية لمدة فاقت 13 عاما، وبعض الدول العربية عوّل على انتصار موهوم فى حرب طائفية لفريق على حساب آخر، حتى ظهرت «داعش» وما حرب الموصل منّا ببعيد، فقوَّت بذلك إيران، ودعّمتها فى زحف متواصل إلى دول عربية أخري. ألا يحقُّ للعرب اليوم التدخل بشكل مباشر لوقف الحرب الأهلية فى ليبيا، والتكفير عن جريمة الناتو والتدخل العسكرى الأممى بمواقفة ودعم وتأييد من جامعة الدول العربية. أليس من الواجب على العرب جميعهم أن يدعموا الجيش العربى السورى فى حربه الدامية من أجل وحدة بلاده، بدل أن يتركوه نهبا للأتراك والإيرانيين، وتحت سيطرة عسكرية روسيَّة وأمريكية قد تعمر لعقود وأن يحولوا دون بقائه أرض هجرة لكل قوى الظلام والشر، والأكثر من هذا ان يدركوا سفاهة الدعم القطرى لتلك القوى؟، والبداية تكون بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ليس فقط لأنها دولة مؤسسة، وإنما لأن جميع الحقائق اليوم تثبت على أنها فاعل أساسى فى المعادلة، وأنها حالت دون سقوط دول عربية أخري. وعلى العرب، ان يقدموا مجتمعين، أو عبر قوات التحالف العربي، أو من خلال اليمنيين المتحاربين فى عدن وصنعاء، إجابة عن سؤال جوهري: متى تضع الحرب أوزارها فى اليمن؟، وبتأكيد أننا لن نحصل على الإجابة إلا بتدخل عربى جماعي، يرفض الاصطفاف حول هذا الفريق أو ذلك، ويهتم بكيفية الحيلولة دون وصول الإرهابيين إلى الحكم، فهناك فى اليمن، شرعنة للعمل الإرهابى لجماعات تتحالف اليوم مع نظام حاربته لسنوات، ويبدو أن الحالة اليمنية فى شقه الدموى ستكرر فى دول عربية أخري. ألم يحن للعرب ان يتخذوا موقفا من قطر لجهة تقديم علاج لمرض مزمن، يزداد خطورة يوما بعد يوم؟، ألا يبدون اليوم فى حال من العجز نتيجة للحسابات الإقليمية والدولية؟، صحيح أننا لا نطالب بطردها من جامعة الدول العربية على غرار ما واجهته سوريا، ولا أن تتدخل قوى عسكرية خارجية وتسقط النظام هناك مثلما ما قامت به قوات حلف الناتو فى ليبيا، وإنما بحسم عربى جماعي، يحقق ثلاثة أهداف، الأول: حماية قطر من تهور نظامها، والثاني: الحيلولة دون اختطافها من قوى إقليمية، والمقصود هنا تركياوإيران، والثالث: الوقوف ضد الفوضى التى أحدثتها فى علاقة العرب بباقى دول العالم. الحالة العربية الراهنة هى نتيجة أخطاء السنوات الماضية، تحديدا منذ نهاية العام 2010، أى أنها مرتبطة بالانتفاضات التى شهدتها المنطقة العربية، وبما أن التغيير المنتظر لم يحصل فإن الأولى هو الحفاظ على وحدة الدول العربية محل الحروب فى الوقت الراهن، وهي: العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، ولن يكون هذا إلا باتِّخاذ مواقف صريحة، ولا تحمل معاييرمزدوجة، بما فيها تلك التى تصدر عن الجامعة العربية.. لا بد من انتفاضة جماعية تًعِيد روح الوحدة والتحدى والمشاركة فى العمل الجماعى العربي، وتتفادى علاج الأخطاء بأخطاء أخري، ولنَجِرى تجربة أولية بإعادة سوريا إلى مقعدها فى الجامعة العربية، ربما ذلك يؤهلنا إلى علاقات عربية جديدة، ويُسْهِم فى التخلى عن سياسة الإقصاء، ويُنهى شطط وسفاهة دول عربية ميكروسكوبية تتجه بنا نحو المجهول. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;