أعادنى العدوان الثلاثى «الأمريكى البريطانى الفرنسى» على سوريا، صبيحة السبت الماضى 14 أبريل الحالي، بحجة استعمالها للسلاح الكيماوى فى دُومَا، إلى مطالعة ما واجهته مصر منذ 62 سنة خلت، وتحديدا فى 1956، من عدوان شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولكل من الدول الثلاث دوافعها وأسبابها، وعرف بعدة أسماء، منها: «العدوان الثلاثي، وحرب السويس، وأزمة السويس.. إلخ»، وقد انتهيتُ إلى نتيجة مفادها: أن العدوانين، الحالى على سوريا، والماضى على مصر، يشتركان فى أمرين هامين: الأول: الوقوف ضد استقلال الإرادة العربية، والحيلولة دون خروجها من المآزق الكبرى حتى لو كان ذلك على سبيل التوقع، الأمر الثاني: أن الروس فى الحالتين كانوا حليفا استراتيجيا للعرب أو لبعضهم، سواء عندما كانوا قوة بحجم الإمبرطورية، الاتحاد السوفيتي، فى عهد الزعيم جمال عبد الناصر، أو حين عادوا من بعيد ليقضوا على أحادية القطب عالميا بقوة دولتهم الفاعلة اليوم، روسيا الاتحادية، فى زمن الرئيس بشار الأسد. لاشكَّ أن الأسباب والدوافع مختلفة فى العُدْوَانَيْن، لكن الهدف واحد، وهو القضاء على أى دور لأمتنا لجهة تحقيق الانتصار أو استقلال الإرادة، ما يعنى أن العدوان الثلاثى على سوريا اليوم والذى يطلق عليها تحويرا وخوفا وتبريراً اسم الضربات لا يتعلق باستعمال الكيماوى ضد الشعب السوري، كما تروج كثير من الدول الغربية، وبعض من يساندها من الدول العربية، لسببين، أولهما: لأن التاريخ القريب والبعيد يشهد على أن الدول الثلاث المعتدية استعملت السلاح النووى فى دول أخري، ولا تزال ماثلة أمامنا مأساة هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين نتيجة القنابل الأمريكية، والتجارب النووية الفرنسية فى صحراء الجزائر، مثلما لا تزال مناطق شتى من مصر والعراق وليبيا واليمن شاهدة على جرائم الدول الغربية، ماضياً وحاضراً. وثانيهما: أن الدول الثلاث المعتدية يمكن النظر إليها ضمن قوى إقليمية أخرى مثل: إسرائيل وتركيا وإيران، ومع دول أخرى مساندة لها فى التحالف الظاهر والخفي، يضاف إلى ذلك الجماعات الإرهابية والميليشيات المساندة للنظام السوري، ومع هؤلاء جميعهم الوجود العسكرى الروسي، وهى تشكل جيوشا مقاتلة على الأرض السورية، أوزار حَرْبِها ووقودها الأرواح السورية، ما يعنى أن تلك القوى جميعها لا تختلف حول قتل السوريين، والشرط الوحيد أن يكون بعيدا عن استعمال السلاح الكيمياوى من الجيش الحكومي، لكن مسموحا باستخدامه من الجماعات الإرهابية، والمأساة هنا: أن المعارضة السورية وبعض الأنظمة العربية والأحزاب الداعمة لها، وقعا فى فخ القبول بالقتل اليومي، معتقدين بإسقاط النظام عبر إتباعهما لسياسة الدول ذات المصالح فى المنطقة، وتحديداً فى سوريا. إذنً، الاعتداء الثلاثى ضد سوريا على خلفية استعمالها السلاح الكيماوي، ليس دفاعاً عن الشعب السوري، وحقيقته كما أشارت إلى ذلك بعض وسائل الإعلام أن عسكريين وعناصر استخباراتية أمريكية وبريطانية وفرنسية وإسرائيلية كانت تُشٍرِف وتُدِير وتُوَجِّه الجماعات الإرهابية فى دوما قد تمّ القضاء عليها فى أنفاق تحت الأرض، وترجح تلك المصادر أن تكون القوات الروسية والسورية قد استعملت الكيماوى فى تلك العملية، لكن الدول الغربية لا تملك الجرأة للاعتراف بوجود عناصر منها داعمة للجماعات الإرهابية، ومنها: جيش الإسلام، كما أنها تخشى توجيه الاتهام لروسيا، مع معرفتها القاطعة بمشاركتها فى القضاء على رجالها المنتشرين والداعمين للجماعات الإرهابية، وخاصة عناصر بريطانية، كما جاء فى تصريح وزير الخارجية الروسى «اتهم فيه بريطانيا والخوذ البيضاء ب«فبركة» الهجوم الكيماوى فى دوما». الحرب فى سوريا هى صراع الآن بين القوى الكبري، ونحن العرب لم نعد قادرين حتى على التنديد، وحالة الخوف من انهيار جبهاتنا الداخلية، وغياب الثقة بيننا، وصراعنا الدموى من أجل السلطة، وإحياء تحالفاتنا القديمة على شاكلة انقسامنا بين الفرس والروم بأساليب عصرية هى اليوم أهون وأسوأ مما كنا عليه فى الماضي.. كل ذلك أوجد نوعا من الهستيريا الجماعية فى غياب الحكم الرشيد، والمفزع فى كل هذا اعتقاد بعض القادة العرب، أنهم بالتضحية بسوريا يمكن أن يحموا أوطانهم، وهذا ضرب من الوهم، لأن الدول العربية أصبحت لها قوة وحضورا حين دافعت وناصرت القضايا العربية الكبري، عندها تمكَّنت من تغيير جغرافية المنطقة وتاريخها، وأثَّرت فى مسار الأحداث الكبرى على المستوى الدولي. وإذا كان العدوان الثلاثى على مصر قد جاء على خلفيّة نضالنا من أجل قضايا كبري، ارتبطت بالزعامة المصرية ممثلة فى جمال عبد الناصر، منها: استقلال الإرادة العربية، ورفض التبعية والتكتلات الدولية، وتحقيق منجزات على الأرض عبر تأميم قناة السويس وبناء السد العالي، ودعم الثورات العربية، مثل ثورة الجزائر، والسير نحو وحدة عربية، كانت بدايته بانطلاق تحالف مصرى سعودي، فى مواجهة تحالفات كبري.. فإن العدوان الثلاثى على سوريا اليوم يأتى مُحمَّلاً بتثبيت التقسيم والتفكك والهوان العربى العام، وهو عدوان لا يحقق للشعب السورى إلا مزيدا من الاقتتال والتبعية فى ظل ملامح تشى بانبعاث قناعات إيمانية مليئة بها كتب التراث، ولكن مع هذا كله لا يزال الأمل قائما، مادام الجيش السورى يقاتل بثبات على مدى سبع سنوات عجاف من أجل بقاء الدولة السورية.. تلك الدولة التى يسعى كثيرون لإنهاء وجودها، بما يخدم المصالح الضيقة لبعض السياسيين السوريين، وبما يحقق مصالح واسعة وكبيرة لروسيا وأمريكا والغرب عموما، وإسرائيل وإيران وتركيا، وأيضا بما قد يجعل العرب عددا وعدة وعتادا فى خدمة تلك المصالح. لمزيد من مقالات ◀ خالد عمر بن ققه