سبق العدوان الأمريكى الأخير على سوريا بدقائق عشاء بمنتجع نيويورك الفاخر جمع بين الرئيس الصينى والأمريكي، وقبل سنوات توقع زبنغيو برجينسكى المستشار السابق للأمن القومى الأمريكى فى كتابه الشهير «رقعة الشطرنج الكبري» أن يؤدى الاتحاد بين الصين القوية اقتصاديًا وروسيا القوية عسكريًا -أى تحالف قارة أوراسيا القديمة- إلى سيطرتهما على الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، ولهذا دعا لتفكيك ومحاصرة هذه القوة قبل اكتمالها بإحاطتها بالمشاكل والأزمات والقواعد العسكرية، واعتُبرت «الثورات» العربية وتوظيف الإسلام السياسى جزءًا أساسيًا من تلك الإستراتيجية الأمريكية لخلط الأوراق أمام التحالف الصينى الروسى بل واختراقه من العمق، لذلك تصدر الروس والصينيون محور الممانعة والمقاومة فى الملف السوري، وترامب الذى يهوى الاستعراض قصد أن يتزامن الهجوم مع العشاء، ليضفى شيئًا من الإثارة على الصراع الدائر بين المحورين على حساب الأرض والثروات والدم والوجود العربي. لكل منهما حساباته ومصالحه والتفاصيل كثيرة حول رغبة قوى فى استعادة حضورها واستدراك ما فاتها ومساع أخرى فى تعويض فشلها وخسائرها وإصرار البعض فى خلط الأوراق فلا تخرج التسوية النهائية بتوقيع مريح من القوى المنافسة..الخ، لكن تظل ما يُطلق عليها «المعارضة» هى شاغلنا الأول، استعداد قوى وتنظيمات وشخصيات وأحزاب عربية للتعاون مع الخارج بهدف الوصول للسلطة نظرًا لعجزها عن التغيير بقواها الذاتية.. تلك هى الإجابة عن سؤال العجز والشلل العربى تجاه العدوان الأمريكى الأخير على سوريا، والغزو الذى سبقه للعراق، وكذلك العدوان على أى دولة عربية أخرى مجددًا، وانتظروا المزيد إذا سكتم ومررتم وباركتم العدوان كما حدث سابقًا. أعطت المطامع الخارجية هذه التنظيمات قبلة الحياة بتزويدها بالمال والسلاح ومُنحت من الدوافع والآمال ما تتجرأ به على دولها، بعد أن كادت تضمحل وتضعف ذاتيًا، وتوظيف جماعات الإسلام السياسى وأسلوب إدارة التقاتل الداخلى بين أطراف الصراع الطائفي، يساويه فى النتائج أسلوب التدخل المباشر وضرب الدول والمؤسسات وهدم الجيوش، فكلاهما يحدث الفراغ الاستراتيجى الذى تتشوق له المنظمات الإرهابية، وصولًا لدويلات عربية مفتتة ومحطمة على كل المستويات، وتلك هى المحصلة الأمثل بالنسبة لإسرائيل. «كيميا» خسفت بتيار كان مرشحًا للصدارة عقب نكسة يونيو 67م فى حال نجح فى خلق صيغة توافقية مع التيارات السياسية والفكرية على الساحة العربية المجروحة والمكلومة، ليسهم فى النضال الوطنى والإسلامى والعربى فى مساراته الواضحة، لكنهم انحرفوا بمفهوم النضال والمقاومة وصار «جهادهم» اليوم ضد ليبيا العربية ومصر العربية وسوريا العربية، وقادة هذا التيار هم أول من رحبوا مع «إسرائيل» والغرب بضرب القاعدة الجوية بحمص، أى بعدوان غربى على دولة عربية مهما كان الخلاف مع نظامها السياسي-!. السؤال الأهم الذى يحتاج لدراسة مفصلة هو: لماذا إيران قوية هكذا ونافذة إقليميًا وقادرة على التعاطى بندية فى صراعات بهذا الحجم، بالمقارنة مع ضعف وعجز أكثر من عشرين دولة عربية، وبالرغم من أن إيران لديها إسلام سياسى فى نسخته الشيعية أكثر دموية وتطرفًا؟. لأن الإسلام السياسى الشيعى تشكل كمكون ضمن مكونات وأركان المشروع القومى الإيرانى وداعمًا له، وعبرت النخب الإسلامية الإيرانية ولا تزال عن دولة قومية كذلك التيار الدينى فى إسرائيل-، بينما نظيرتها العربية عبرت وتعبر عن نزوع معاد للوطنية المصرية والقومية العربية، فسهل شراؤها من الجميع لضرب وتمزيق وتدمير العرب. إسقاط النظام السورى هو أهم مخططات الغرب لتغيير قواعد اللعبة فى المنطقة بأكملها لصالح المحور الغربي، وقادة الإسلام السياسى الذين اجتمعوا مع أجهزة استخبارات غربية ودبلوماسيين بالسفارات لتنسيق العمل من أجل إسقاط الأنظمة العربية فى العراقوسوريا ومصر وليبيا، لا يفرقون بين العلاقات والتحالفات التى تنشأ بين الدول، والأخرى المندرجة فى بند الخيانة التى تعقد بين قوى خارجية وكيانات وأحزاب وتنظيمات بهدف الاستقواء لمواجهة طرف سياسى فى بلادها. فى كلمته التاريخية طالب مندوب روسيا الاتحادية فى مجلس الأمن بريطانيا بالتوقف عن محاولات الوقيعة بين روسيا والعرب، لافتًا بلهجة صارمة أن العرب لا ينسون أبدًا النفاق البريطاني. لنذكر فقط أن التدخل الروسى منذ اتفاق نزع الأسلحة الكيميائية فى سوريا كان بمثابة طوق نجاة للإدارة الأمريكية السابقة بعد فشل أمريكا فى إقناع حلفائها الأوروبيين -خاصة بريطانيا وبعد فشلها فى الحصول على دعم الكونجرس عام 2013م للقيام بهجوم عسكرى مباشر ضد الجيش السوري. بالفعل إنه النفاق البريطانى عندما يهلل مندوب بريطانيا للعدوان الأمريكى الأخير، فى حين رفض البرلمان البريطانى سابقًا المشاركة فى هجوم من هذا القبيل حيث فضل النواب البريطانيون عدم التورط فى حرب جديدة فى الشرق الأوسط حتى بعد استخدام الأسلحة الكيميائية عام 2013م فى الغوطة وخان العسل. الطفلة مريم قالت ل «نيويورك تايمز» إنها رأت انفجار القنبلة فى المبنى الذى تسيطر عليه المعارضة فى إدلب، وبعد ذلك انتشر غاز غريب، والحقيقة التى نُقلت عن خبراء مختصين هى أن القنابل الكيماوية لا تخترق السقف، فمختلف القنابل الكيماوية تنفجر فى الجو على ارتفاع من 50 إلى 200 متر، وتنشر مواد سامة على الهدف وتتحول إلى ضباب فوق المنطقة التى تم ضربها. صواريخ كروز التى هطلت على مطار الشعيرات وسحقته، يريدها الإسلام السياسى على سوريا بأكملها، معتقدين كالبلهاء أن الولاياتالمتحدة بعد أن تجلسهم على كراسى الحكم ستعطيهم البلد على طبق من فضة يقررون فيها ما يشاءون. لمزيد من مقالات هشام النجار;