هناك سؤال يُطْرَحُ اليوم على كل قادة العالم بمن فيهم العرب تُحدِّد إجابته طبيعة العلاقات بين البشر، هو: هل الأسرى الفلسطينيون عموما، والمضربون عن الطعام خصوصا منذ شهر، إرهابيون؟، وبالتأكيد ستأتى الإجابة من قادة الدولة العبرية ومن ولاها وأيدها( كثير من العجم وثلة من العرب، وقلة من الفلسطينيين) بالقول: إن أولئك الأسرى بمن فيهم الأطفال والذين اشتعل رُؤوسم شيبا إرهابيون، وتلك الصفة تطلق منذ 1948 على كل الشعب الفلسطيني، سواء اعترف بدولة إسرائيل ما قبل حدود 1967، او ما بعدها، أو حتى لو رحل جميعه، وترك الأرض بما عليها وما فيها، أو تخلّى عن العرض وأيّد تهديم المسجد الأقصي. هذا الوصف للفلسطينيين فى حقيقة الأمر ليس موقفاً عدائياًّ من إسرائيل تجاه الأسرى فحسب، ولكنه بشكل أو بآخر موقف عالمي، يشارك فيه الأقربون، تماما مثلما يُعمّقه الخلاف الفلسطينى اليوم على خلفيّة دويلة لا تزال فى علم الغيب، كل الدلائل تؤكد أنها لن تقوم حتى لو قدم الفلسطينيون مزيدا من التنازلات، أو أقام كل العرب علاقة مع دولة الكيان، أو تدخلت أمريكا بقيادة ترامب وروسيا بقيادة بوتين لتؤيد حل الدولتين، وهذا امر طبيعي، لأن الحرية تتطلب تضحيات، وكذلك استعادة الأوطان، والعرب اليوم يضيع منهم ما بين أيديهم، فكيف لنا أن ننتظر منهم تحرير فلسطين؟!. قضية الأسرى الفلسطينيين اليوم، ليست تقريرا إخباريا للاستهلاك، ولا هى متابعة لمأساة من يصنعون حدثاً بطولياًّ جهادياًّ على غرار ما قاموا به سابقا قبل أَسْرهم، ولا هى تنشيط لذاكرة خرّبتها سنوات النسيان من رفاق الدرب وأخوة المصير والإيمان والإنسانية، ليست كل هذا.. إنما هى تجربة تتميّز بالديمومة والاستمرارية، وهى جهاد بكل ما تحمله الكلمة من معني، تُعَمِّق كُنْه الوجود والبقاء فى أرض فلسطين، وهى بالتالى ليست ذات صلة بالإرهاب العالمي، بل على العكس من ذلك يواجه أصحابها ارهاباً مؤسساً معترفاً به، ومبرراُّ من طرف القوى المؤثرة على الصعيدين العالمى والإقليمي، وربما لهذا السبب لم يشكل قضية مدرجة على جدول أعمال المنظمات الدولية، كما لم يتم التركيز عليه بقدر حجم المعاناة من المنظمات المهتمة بقضايا حقوق الإنسان. لاشك أن عدم الاهتمام بقضية الأسرى الفلسطينيين يعود إلى عدة أسباب، منها: طول أمد النضال الفلسطيني، وانهزام العرب اليوم، والخوف من ضياع الدولة القطرية، وتكالب الأمم، وحروب الفتنة فى معظم الدول العربية، وتفشِّى ظاهرة الإرهاب، وخوف القادة من الاقصاء أو الابعاد أو المحاكمة أو القتل، وانتشار الفساد السياسى والمالي، وأمراض أخرى كثيرة، لكن هذه الأسباب جميعها وغيرها إذا نظر إليها من زاوية المحافظة على الحد الأدنى من الحياة نراها مبررا لدعم الأسري، ذلك لأنه فى ظل غياب قضايا جوهرية مشتركة بين العرب، تقربهم أو تجعل منهم قوة ولو شكليَّة قادرة عن الدفاع، يصبح الدفاع عن أسرى فلسطين قضيَّة وجود بالأساس. وإذا سلَّمنا بمشروعيَّة الفكرة السابقة، فإن مروان البرغوثى ومن معه، يعتبرون قادة فى سياق النضال الوطني، ويدعمون بإضرابهم العمل السياسى الفلسطينى والعربي، صحيح أن بعضا من القادة العرب لا يهمه كثيرا مسألة النضال من السجون، لسببين، الأول: أن سجون بلدانهم أسوأ من السجون الإسرائيلية كما تكشف التقارير الإخبارية والتسريبات الأمنية، وهذا يعنى أنه لا يمكن الدفاع عن حقوق الأسرى الفلسطينيين، ما دامت السجون العربية على درجة عالية من السوء، والسبب الثاني: أنه لا يوجد فى ثقافة النضال العربى ما يؤكد أهمية توظيف الجسد لما ترنو إليه الروح من علو وكرامة وحرية، بدليل أن هناك كثيراً ممن حرقوا أنفسهم فى أكثر من دولة عربية خلال الشهورالقليلة الماضية، ولم يكترث لمصيرهم أحد، وحتى وسائل الإعلام تناولتهم من منظور إخبارى لايحتاج إلى المتابعة والتعليق والاهتمام. الأوضاع العربية الراهنة على ما فيها من سوء وخيبات ومصائب وقتل ومظالم يمكن تغييرها من خلال التركيز على القيم الكبري، ومنها قيمة الجهاد والنضال، على النحو الذى كرّمنا به الأسرى الفلسطينيين، وهم سيكونون شهداء علينا يوم القيامة، كما هم شهداء علينا اليوم، والأكثر من هذا أنه بجهادهم يمكن لنا أن نحارب الإرهاب العالمي، بدءا من الاحتلال الإسرائيلي، ذلك لأن الأمن القومى هو فى الأساس أمن الأفراد والعلاقات المشتركة بينهم، ليس هذا فقط، بل إنه على المستويين السياسى والإعلامي، يتيح لنا الأسرى الفلسطينيون فرصة الثورة على اتهام العرب والمسلمين بالإرهاب، لأن نضالهم يؤكد للعالم لو وجد من يدعمه أن الإرهاب الحالى هو نتاج وميراث تاريخ للإرهاب الدولى فى الماضى والحاضر. أيام الشدة هذه هى الكاشفة عن مسار حركة العرب فى تدافعهم الوجودى وكاشفة أيضا عن كذب ومغالطات كثير من قوى اليسار واليمين فى دولنا العربية، ومعاتبة لمن تخلوا عن بعدهم القومي، والأكثر من هذا معبّرة عن مطامح جماعات دينية سياسية وإرهابية اختارت أن تكون فى صف القوى الباطشة بأمتنا، وبأعمالها الإرهابية زادت من عُمْق مأساتنا، ودعّمت إسرائيل لتصبح الدولة الأكثر أمناً واستقراراً فى المنطقة، ولولا إضراب الأسرى الفلسطينيين ما أدرك العالم طبيعة تلك الدولة لجهة المظالم والقمع والبطش. على العرب ألا ينسوا أن القضية الفلسطينية هى مرجعية لكل ما هم فيه، ومنذ قيام الثورة المصرية عام 1952 إلى احتلال العراق العام 2003، وما قبلهما وما بعدها من حروب آخرها ما يحدث فى سوريا واليمن وليبيا لا تزال فلسطين هى الخلفية لكل ما يحدث، وستظل إلى يوم الدين، لذا علينا أن نعتبر قضية الأسرى مدخلا لأى تفاوض مستقبلى بخصوص فلسطين، سواء أكان انتصارا أو انهزاما، مع الإقرار بأن اولئك الذين يدافعون عن أنفسهم وعن أهلهم وشعبهم ووطنهم وأمتهم من خلال الإضراب على الطعام، هم الطريق إلى النصر ولو طال الطريق والزمن. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;