طالت مصر فى الأيام الأخيرة اتهامات وانتقادات شديدة من دول ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية، تنتقد حالة حقوق الإنسان فى مصر، باعتبار أن حقوق الإنسان شأن عالمى وليس داخليا محضا، وأن هذه الدول والمنظمات حريصة كل الحرص على صالح الشعب المصرى وكرامته. إن عالمية حقوق الإنسان أضحت يقينا لا ينكره إلا جاحد للكرامة الإنسانية، ومنكر للتضامن الحضارى للشعوب، لكن الاتهامات الجزافية المغرضة، والترهات الجهولة المصدمة، لا يمكن وصفها إلا بالشذوذ الفكرى، والحيف بل التجريف بالحقوق الأصيلة للدول فى حماية حقوق الإنسان ذاتها من خلال تنظيمها، والسلطات الأساسية للدول فى حماية أمن الجماعة من خلال تدخلها بواسطة الدساتير والتشريعات والقوانين واللوائح، فضلا عن القوة والإكراه والجبر والجزاء إذا تعرضت المصالح العليا للبلاد للخطر، وتهددت حياة الأمة للشرور والأضرار. بطبيعة الحال لا يتسع المقام لدحض الاتهامات المرسلة ضد السلطات المصرية فى ذلك الشأن، فنحيل القارئ لنص الفقرة الأولى من المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، حيث تنص على: «لكل إنسان الحق فى حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء وتلقى وتقديم المعلومات، وذلك دون إخلال بحق الدولة فى طلب الترخيص بنشاط مؤسسات الإذاعة والتليفزيون والسينما». ثم قيدت الفقرة الثانية من هذه المادة ممارسة تلك الحريات، بأنه يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية، وشروط وقيود، وعقوبات محددة فى القانون حسبما تقتضيه الضرورة فى مجتمع ديمقراطى، لصالح الأمن القومى، وسلامة الأراضى، وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والآداب، واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار. إن المادة المشار إليها ليست إحدى التشريعات أو القوانين المصرية، بل هى تشريعات الدول التى ما فتئت تدافع عن صحفيين وغيرهم، ضلوا الطريق وضللوا البعض من المؤلفة أم رقابهم، وممن لم يكلفوا أنفسهم طاقة البحث والتنقيب عن تشريعات الأمم الأخرى. إننا بطبيعة الحال، لا ندافع عن خلل، ولا نتماهى مع أى زلل فى إنفاذ الدستور والقانون، بيد أننا ندافع عن الحقائق الساطعة، والأدلة الدامغة من التشريعات والأحكام القضائية لهذه الدول التى لم تجد ضالتها إلا فى لى عنق الحقيقة المجردة فى مناسبات عديدة. إن القضاء الأمريكى، سواء المحاكم الفيدرالية للولايات، أو قضاء المحكمة العليا فى العاصمة الأمريكية زاخر بالأحكام القضائية التى أقرت بأن الحماية الدستورية للحق فى التعبير لا تشمل بحال من الأحوال الألفاظ البذيئة أو النابية، التى يمكن أن يكون قد استخدمها المدعون أمام هذه المحاكم المختلفة بحقهم المطلق فى التعبير عما يجول فى خاطرهم من آراء سياسية أو غير سياسية. لقد قضت المحكمة العليا الأمريكية فى قضية «تشابلنسكى ضد نيوهامشاير عام 1942»: بأن هناك بعض أنواع من التعبير ليست مشمولة بحماية حرية الكلام، مثل كلمات الشجار التى تحدث ضررا أو تميل إلى التحريض على انتهاك فورى للسلم، وأن حرية الأفراد ليست مطلقة حتى فى اختيار الألفاظ والعبارات، التى تحتل مرتبة أدنى من المصالح الاجتماعية فى النظام والقواعد الأخلاقية. إن المواثيق والقرارات الدولية، التى صدرت عن منظمة الأممالمتحدة، قد أولت الخصوصية الثقافية والدينية والاجتماعية للمجتمعات المختلفة الاعتبار والعناية، حيث تنبهت الأممالمتحدة أخيرا لظاهرة سوء استعمال الحق فى التعبير حيث قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتاريخ 28/3/2008 حظر مجاوزة الأفراد الحدود القانونية للحق فى التعبير كما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على طلب مصر ودول المؤتمر الإسلامى القرار الآتى: «تقييد حرية التعبير بما يتفق مع خصوصيات كل مجتمع والقوانين السائدة فيه». وإذا كان البعض يعتبر الفحش والتحريض على الفسق شكلا من أشكال حرية التعبير، فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فى 24 مايو 1984، قضت بأن: «سلطات الدولة هى من حيث المبدأ فى وضع أفضل من القضاء الدولى فى إصدار رأى عن المضمون الدقيق للاشتراطات الأخلاقية». لمزيد من مقالات د. أيمن سلامة