هذا هو زمن اللا معقول الذى تعانى منه أمتنا العربية تحت رايات الفوضى وصيحات الاحتجاج التى أصبحت عنوانا مزيفا لمطالب التغيير والإصلاح باتجاه الديمقراطية ورفض الاستبداد بينما هى فى حقيقتها توفر الأسباب والذرائع لاستدعاء الانضباط الغائب بعد أن تحول المشهد العام إلى ما يشبه الرقص المجنون نتيجة تداخل الأمور وتشابك التعاريف وانفتاح الساحة السياسية على مصراعيها لمن تأهل ومن لم يتأهل فكانت النتيجة - كما رأينا على مدى السنوات الأربع الأخيرة - اندلاع معارك من غير أساس بهدف إشغال الناس وإثارة التناقضات وتغذية ثقافة وسلوكيات التراشق وتبادل الاتهامات. فى زمن اللا معقول جرت استباحة فاضحة لكل شيء ورأينا كيف أصبحت كلمة ناشط سياسى مرادفا للاستهتار والتطاول دون ضابط ولا رابط بعد أن غابت المعايير فليس كل من يرفع لافتة أو يقود مظاهرة أو يدعو لاعتصام يمكن تصنيفه كناشط سياسى مثلما ليس كل من يكتب فى صحيفة أو يتحدث عبر الميكروفون أو الشاشة أو يعتلى أى منبر من منابر الخطاب العام يصبح بالضرورة زعيما سياسيا وإنما الناشط والزعيم السياسى هو من يقبله الناس على هذا الأساس ويمنحوه تفويضا بذلك من أرضية الثقة فيه والاقتناع به. فى زمن اللا معقول بلغت الاستباحة لساحة العمل السياسى والحزبى والمجتمعى حدا غير مقبول والدليل على ذلك هو اتساع مساحة الضجر المجتمعى من تفاهات تظهر على الشاشات ومن سخافات تحتويها المقالات حيث لا رصيد ولا قدرة لأولئك الذين جرى تعويمهم ليتصدروا المشهد سوى امتلاكهم القدرة على الكلام المشبوه لحساب من يوفرون لهم سبل التسلل إلى الصحف والشاشات للتلاعب بالأدمغة والمشاعر والمعتقدات! وفى اعتقادى أنه قد آن الأوان لكى تفيق الأمة من غفلتها وذلك لا يتحقق إلا من خلال إرادة سياسية وإرادة مجتمعية باتجاه إعادة الاعتبار للفكر الصحيح والثقافة المستنيرة بدلا من استمرار حالة الصمت واللامبالاة تجاه حالة الخواء الفكرى والفراغ السياسى الذى استشرى فى جسد الأمة وسمح للجهلاء والمغرورين أن يكون لهم صوت مسموع ومؤثر فى هذا الزمن الأغبر! خير الكلام: لا يصدق الوصف حتى يصدق النظر ! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله