هناك مسافة واسعة بين الثقافة وبين الدرجات العلمية الرفيعة بدليل أن رجلا في حجم محمود عباس العقاد عملاق الأدب العربي لم يكن يحمل سوي شهادة الابتدائية ومع ذلك كان تأثيره الثقافي والفكري أكبر بكثير من آلاف يحملون درجة الدكتوراه في الآداب والمعارف الأخري. أريد أن أقول: إن هناك من يحملون الدكتوراه, ولكنهم لا يمتون للفكر والثقافة بصلة.. وهناك من يمتهنون مهنة الإعلام ويفتقرون إلي أبسط قواعد المعرفة, والدليل علي ذلك أننا نشكو من تفاهات نراها علي شاشات التليفزيون, وسخافات نقرأها في الصحف, وجهالة وسطحية في العديد من الكتب والدوريات رغم أن القائمين بذلك متعلمون يحملون الشهادات والدرجات العلمية. ومن المؤسف أن هناك من صنعوا لأنفسهم تجمعات ديكورية.. بعضها في مقاه وبعضها في جمعيات وقد التقت إرادتهم علي إقناع أنفسهم ثم محاولة إقناع الآخرين بأنهم مثقفون بدءا من ثقافة القدرة علي الكلام ووصولا إلي قدرة التسلل إلي منابر الاعلام. بل إن الاستباحة لساحة الثقافة بلغت حد أن يقرأ أحدهم كتابا أو عدة كتب فيصاب بنرجسية الإحساس بأنه مثقف زمانه وعصره, ويبدأ في طرق أبواب الندوات والمهرجانات الثقافية التي أصبحت مفتوحة علي مصاريعها لكل من هب ودب الأمر الذي حدا بكثير من المثقفين والمفكرين الحقيقيين أن يرفضوا- بأدب- ويعتذروا- علي استحياء- عن عدم قبول الدعوات الموجهة لهم للمشاركة في الندوات الثقافية والفكرية بعد أن غابت المعايير واختلطت المفاهيم إلي حد الخلط المعيب بين الحفاظ علي التراث وبين المناداة بعدم أهمية تعلم اللغات الأجنبية والانفتاح علي الثقافات الأخري. ورحم الله أديبنا ومفكرنا الكبير الراحل الدكتور زكي مبارك الذي كان من أشد المؤيدين لانفتاحنا علي ثقافات الآخرين بشرط أن نتجنب التقليد دون تمييز وأن نبتعد عن الشكل ونهتم بالمضمون, وأن نستوعب دروس التاريخ مستندا في ذلك إلي أن الحياة الإنسانية علي طول التاريخ كانت نتاجا لتزاوج الأفكار والثقافات والحضارات..! خير الكلام: الأحجار نوعان أحدهما للبناء والآخر لقذف الناجحين! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله