بعد الحوادث الإرهابية المتعددة والمتنوعة التى تشهدها كثير من الدول العربية، ومنها تلك التى عاشتها مصر الأيام القليلة الماضي، أصبح من الضرورى طرح السؤال التالي: هل الجماعات الإرهابية، بتعدد مشاربها، ومنابتها فى الداخل والخارج، تسعى لتحل بديلا عن الأنظمة القائمة؟. والإجابة، فى نظري، أن ذلك ليس هدفها، بما فى ذلك تنظيم» داعش» الذى يسيطر على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، بل على العكس من ذلك، تود بقاء الأنظمة الراهنة، خاصة تلك النى تمارس الإرهاب مثلها، لأن بقاء تلك الأنظمة يعطى مبررا لوجود الجماعات الإرهابية، ويعمّق من مأساتنا، ولهذا لم يعد مُجديا التعويل على الأبحاث والدراسات التى ترجع أسباب ظهور الإرهاب إلى الفقر وغياب الديمقراطية، والفساد، وكذلك الحال بالنسبة للكتابات التى ترّوج لثقافة الدّم عبر تقديم مبررات ومسوغات لظهور الإرهاب فى دولنا، لأن العودة للتاريخ تكشف عن وجه مختلف لكل ما نأتى على ذكره فى خطابنا اليومى السياسي، والدعوي، والإعلامي. الإرهاب فى دولنا العربية أصبح ثقافة بديلة عن ثقافة الأمان، لذلك يعمل على تعميمها، وللإنصاف هى لا تخص ما يطلق عليه حقا أوبهتانا الجماعات الإسلامية حتى لو أدّعت تلك الجماعات ذلك، فكل منا بات يمارس الإرهاب بطريقته، بدْءا من الموظف البسيط إلى صانع القرار، ومادُمْنا قد اتخذنا من سياسة الإقصاء سبيلا، فعلينا أن ننتظر مزيدا من الآلام والأثام والدماء والضحايا. وكما هو واضح، وقياسا على تجارب عربية سابقة، فإن الإرهاب لا ينتهى وجوديا من خلال حرب تكلل بالنجاح، إنما يختفى إلى حين، ويعاود الظهور كلما سمحت الظروف بذلك، صحيح أنه ليس فى مقدوره القضاء على الدولة، ولكنه يعطل التنمية ويؤخر الدولة ويفتت شبكة العلاقات الاجتماعية، ويوجد شرخا واسعا بين مؤسسات الدولة والشعب، وباختصار هو حالة موضوعة فى الاحتياط تعول دائما فى ظهورها على الهزات التى تواجه المجتمع، ومع ذلك كله تبقى الدولة أقوى مهما حاولت قوى الشر تدميرها والقضاء عليها، حتى لو أدعت أنها تنطلق من الدين. ومن التجارب الماثلة أمامنا، ونعود إليها اليوم للتدليل على فشل الجماعات الإرهابية مهما أوتيت من قوة، حتى لو حاربت الجيش والمؤسسات التعليمية، وجعلت المناخ العام داخل الوطن متوترا لدرجة خوف الجميع من الجميع، هناك التجربتان المصرية والجزائرية، فرغم خلافها الظاهر مكانيا وزمانيا، فهما تلتقيان عند نتيجة واحدة، وهي: أن الدولة انتصرت فى النهاية. ففى التجربة المصرية، خلال سبعينيات القرن الماضي، انتصرت الدولة على الجماعات الإرهابية ليس عسكريا فقط، وإنما أديولوجيا وفكريا حتى إن بعضها أعاد المراجعة لأطروحاته فى السجون وخارجها، لذلك لا تشكل العمليات الإرهابية الراهنة مهما تكن بشاعتها انتصارا للإرهاب، مهما حاولت قوى الشر أن تجعل منه ثقافة عامة، وهو الفخ الذى سقط فيه الإعلام، بعلم أو من دونه، وهو يحاول فى مسعى جاد حينا ومزيف أحيانا أخرى لإيجاد رأى عام رافض للإرهاب، ومواجه له. وفى التجربة الجزائرية، فى ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت التكلفة أعلى مقارنة بمصر، انتصرت الدولة عسكريا على الجماعات الإرهابية، وانتصرت مجتمعيا لجهة الرفض المجتمعى الكامل لها بعد عقد من الزمن، ولكن لا نعرف لحد الآن إن كانت قد انتصرت بشكل نهائى على الفكر المتطرف، لأن الحرب هناك وضعت كثيرا من أوزارها وليس كل أوزارها ضمن عفو عام ساوى بين الضحية والجلاد، لم يكن للدولة الجزائرية خيارا غيره، خاصة وأن الجماعات الإرهابية الجزائرية فى ذلك الوقت لم تستقو ولم تستعن بالخارج، وربما يعد ذلك أحد الأسباب المباشرة لخروج الجزائر من أزمتها. ومثلما نقول إن الأنظمة العربية تكرر أخطاءها، فإن الجماعات الإرهابية فى الدول العربية تكرر أخطاءها أيضا، فمثلا هى لم تستفد من ترويع الآمنين، بل على العكس من ذلك جعلتهم يقفون إلى جانب السلطات الحاكمة، ولم تأخذ الدرس من فشلها المتكرر فى حربها المتواصلة ضد الجيوش، حيث لا توجد جماعات إرهابية انتصرت على جيش منظم إلا فى حالة حرب العصابات لتحرير الأوطان من المستعمر، ومع هذا لا تزال إلى اليوم تقوم بنفس عمليات الغدر. كما أنها لم تستفد على مستوى التنظيمات وليس الأفراد من توظيف الخارج لها ضد أوطانها، إذ فى الغاالب تنتهى إلى تابعة كليا للخارج، أو محاربة من طرفه، إضافة إلى هذا كله فإنها لم تتمكن من تحويل أغلبية العرب المسلمين عن قناعاتهم الدينية، وتفاعلهم إيجابيا مع روح الدين، بل إنها فشلت فى تصدير فهمها الخاص للدين للمسلمين غير العرب، مثلما جعلت الآخرين يفرقون بوضوح بين الدين الإسلامى وتلك الجماعات. من غير الواضح، إن كانت تلك الجماعات قد أدركت بعدها فشلها على المستويين العملياتى الإجرامى من جهة، والفكرى التنظيرى من جهة أخري، وعلى فرض أنها تعتقد بانتصارها المؤجل، فكيف لها أن تقتل من يقولون: ربنا الله..فأيّ إيمان هذا الذى يبث ثقافة الخوف فى الشعوب لخدمة أهداف ظاهرة وخفية لأعدائها؟، وما معنى أن تطرح مسألة تحرير القدس عبر قتل عناصر من الجيش المصرى فى سيناء، أو تفجير عامة الشعب المصرى وخاصته أمام جامعة القاهرة؟. إن محاربة الجيش أو محاربة مؤسسات الدولة أو عامة الشعب، تعد عملا واحدا، الهدف منه إشاعة ثقافة الخوف، وقد يكون المستقبل حاملا لا قدر الله تصفيات لعناصر النخبة المصرية على غرار ما حدث فى الجزائر، فانتبهوا يا أولى الألباب، ومع ذلك كله ف«مصر» باقية والإرهاب إلى زوال. كاتب وصحفى جزائرى لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه