أول كلامى سلام ايام فى حضنك أنام. الإنسانية هنا .. يا مصر يا أمنا.. حروف شيخ الشعراء «فؤاد حداد»، كيف وجدت طريقها الى سطح لوحات «هيام عبد الباقى»؟!، لكنها ليست تلك الحروف فقط التى تسللت بين ثنايا الأشكال والخطوط والالوان في لوحاتها، لتحتل مكانه مميزة، شكلا ومعنى وحضورا وتأثير، وكأن الفنانة الشابة تكتب نفسها، مرة باللون الذي يشابه لون الارض والطين، ومرة الحروف التي تشي بالمعاني، وليس فؤاد حداد هو الوحيد الذى احتفت بمعانى كلماته «هيام»، بل حلقت رباعيات الفيلسوف الفنان صلاح جاهين ضمن نسيج لوحاتها لتعكس فسيفساء ملونه لمشاهد تتجاوز الواقع بقليل، إلي فضاء الواقعية السحرية. جاء معرض «هيام عبد الباقي» بجاليري (آرت لاونج)، لثير الدهشة والتساؤلات بل والحيرة، سواء عن اسرار تقنية وصناعة لوحاتها المعروضة، او عن تلك الطاقة الهائلة التي استطاعت من خلالها ان تجعل من لوحاتها ملعبا لسرد الحكايات علي نحو غير مسبوق. فقد استخدمت تقنية طرق الحذف من علي مسطح اللوحة، علي عكس المعروف والسائد بان التصوير و(الرسم الملون)، هو الاضافة والمزج والتراكيب، وذلك لدرجة ان المشاهد لا يستطيع الوصول الي اسلوب معالجة العمل وطريقة التلوين من فرط القدرة علي الصياغة اللونية. كما تجاوزت هيام الحد فى السرد لدرجة انها التقت مع فن المنمنمات ذلك اللون الخاص من فن التصوير، الذى يُعرف باسم التزاويق، وطوَّره الفنانُ المسلمُ الذى ورث أصوله من الحضارت السابقة على الإسلام ، خاصةً الحضارات الهندية والفارسية. وعلي الرغم من الدراما التي تعكسها «هيام»، في لوحاتها الا ان تفاصيلها الكثيرة تدعو الي البهجة، والتفكير فى ماضي وحنين الي ذكريات متنوعة فى الغالب تثير الشجن، والألفة، والود والرغبة فى البوح والكلام والحديث، والحوار. يلتقي اسلوب «هيام»، مع تيار الواقعية السحرية أو العجائبية تلك التقنية التي غلبت على كثير من الأعمال الروائية في الأدب الألماني منذ مطلع الخمسينيات وأدب أمريكا اللاتينية بعد ذلك, ثم وجدت طريقها إلى بعض الأعمال في آداب اللغات الأخرى. و تقوم هذه الواقعية على أساس مزج عناصر متقابلة في سباق العمل الأدبي, فتختلط الأوهام والمحاولات والتصورات الغريبة بسياق السرد الذي يظل محتفظا بنبرة حيادية موضوعية كتلك التي تميز التقرير الواقعي. و توظف هذه التقنية عناصر فنتازية كقدرة الشخصية الواقعية على السباحة في الفضاء والتحليق في الهواء و تحريك الأجسام الساكنة بمجرد التفكير فيها أو بقوى خفية بغرض احتواء الاحداث السياسية الواقعية المتلاحقة و تصويرها بشكل يذهل القارئ ويربك حواسه فلا يستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيالي. وتستمد هذه العناصر من الخرافات والحكايات الشعبية و الأساطير وعالم الأحلام والكوابيس. وتتشابه الواقعية السحرية مع حكايات ألف ليلة و ليلة في التوظيف الفطري, مثل ما نجده في قصص الجان, والبساط السحري, ومصباح علاء الدين. لذلك فيما يبدو ان هيام عبد الباقى عثرت على مفتاح صندوق الجدة، وراحت تستخرج منه كل يوم صورة، وحكاية، وحرز، وحجاب، فقد جاءت من مكان يقع فى موضع القلب، من دلتا النيل (قرية سيدي سالم - كفر الشيخ)، معبأة بتراث طويل من حكايات الناس والارض، فقد نبتت فى أرض عطشى للماء، رغم أن الشاطئ على بعد خطوات، من أقدامها، جاءت الى الدنيا، التى رسمتها فى لوحتها، بأحساس تلقائى مصحوب بدهشة مبهجة، الدهشة هو اول ملمح يمكن ان تراه فى شخصية الشابة المتطلعة الى عالم الجمال السحرى، وربما أن الدهشة هى المكون الرئيسى فى تكوينها الفنى ايضا. عالم ساحر من الحكايات فى براح جميزة عتيقة، تتداعى علي اغصانها الحواديت فى ليال مقمرة، ولون محايد فى نسيج الفضة معدنه والذهب قوامه، هذه العناصر هى ملامح التجربة الانسانية وابداع الفنانة الحالمة هيام عبد الباقى،عالم تمزج فيه بين الخيال والواقع فى آن , فتختلط الأوهام و المحاولات و التصورات الغريبة بسياق السرد الذي يظل محتفظا بنبرة حيادية موضوعية كتلك التي تميز التقرير الواقعي، حتي تلتقى مع تيار الواقعية السحرية، عبر مشتركات، اولها الرغبة الملحة فى احداث تقنية جديدة، على طريق التفرد، واطلاق كوامن الخيال، والغرائبية، ومزج الواقع برؤي ميتافزيقية. تلتقى تصورات هيام مع الواقعية السحرية، ليس فقط على المستوى البصرى بل ايضا فى شهوة السرد المسهب، على نحو يذكرنا بكتابات أديب نوبل «نجيب محفوظ»، واستطاعت ان تنقل السرد المحكى شفاهة، والرغبة فى الحكى البصرى، لتحول الاشياء والاشكال الي ما يشبه الايقونات. لدرجة انها كتبت علي صدر لوحاتها: «بقعد أحكى»، تلك اللوحات التي تدفعنا الي احساس بكر بميلاد الرسم علي جدران الكهوف، فقد رسمت اصل الاشياء، بشعور عميق يقابل صدمة رؤية بداية الموجودات فى الكون.