كلما تحدد موعد افتتاح المعرض يتم التأجيل بسبب الأحداث السياسية المتلاحقة، وأخيرا بقاعة راتب صديق بأتيليه القاهرة تم افتتاح معرض الفنان التشكيلى عصام طه تحت عنوان «مشاهد» حيث عرض 28 لوحة تصويرية زيتية. عصام طه أحد أبناء مدرسة «روزاليوسف» الفنية والتشكيلية والثقافية، فمنذ التحاقه بأسرة «صباح الخير» منذ أكثر من ربع قرن وهو يرتوى فنياً من كل روادها، استطاع أن يجد لنفسه أسلوبا فنيا ومعالجة تشكيلية وتحليلية جعلته صاحب بصمة وخصوصية وفردية تأكدت فى أعماله الفنية. رغم أن المدرسة الواقعية فى الفن التشكيلى هى المدرسة التى تنقل كل ما فى الواقع والطبيعة إلى عمل فنى يشبه الأصل، إلا أن الفنان أضاف إلى الواقعية الذاتية الفنية والتأثيرية فى الأسلوب الفنى التى ظهرت فى لمسات فرشاه الإيقاعية، وفى مزج الألوان بوجدانه وبشحنه إنسانيا، إنها واقعية إنسانية صادرة من القلب فامتزجت بالشاعرية. رصد مجموعة من المشاهد منها مشاهد البحر والمراكب يبدو فيها دفء الامواج وتماسكها بالبحر، ومن عشقه للمصر عبر عن قاهرة المعز بأصالتها التاريخية وشوارعها وازدحامها ومبانيها المعمارية التراثية الإسلامية، حيث أقام حوار الحضارات الذى جمع بين البشر والمكان والآصالة والتقاليد ومظاهر الأحياء الشعبية، من خلال الألوان المتماسكة المترابطة فى التعبير عن المكان، جعل المتلقى يتذكر المكان وأنه يعرفه، وأن ربما يكون المتلقى أحد الذين المتجولين فى شوارع الأزهر والحسين ويعرفك كل من تقابلهم، كما عبر عن مجموعة من البورتريهات النسائية ذات النعومة والرقة والنضارة، تلك هى اللوحات التى شكلت الشكل العام للمعرض وسماته، المرأة بالنسبة للفنان هى حكاية ليس شكل بل مجموعة من القيم منها عبر عن الغموض والصمت والسكوت الهادئ والانفعال وغيرها من الانطباعات. بطل أعمال الفنان هو الظل والضوء، الذى يوزعه على الشخصيات بحسب مكان تسليط الضوء، ولكن لأن له ذاتية تشكيلية فقد أخرج من الضوء ملامح الشخصيات وتعبيريتها، ورسم كما لو كان يصف لنا كيف تكون لحظات النور، ومن الظل بعث لمتلقى بدعوة أن يتابع خريطة تغلل الضوء فى الشخصيات بين التلامس والتماس للحزمة الضوئية على الشكل، والجديد فى توزيع الإضاءة أن مصدر الضوء فى اللوحات من الخلف، وهذه تعد حالة إبداعية ضوئية تحتاج إلى مهارة وتقنية خاصة للألوان الزيتية.
كما وضع الفنان فى ملامح الشخصيات تلميحات فلسفية ونفسية استمدها من انطباعه الحسى لكل شخصية رسمها، وجعل بين الألوان والضوء والشخصية سيناريو وتلاقى يسمع الملتقى همساته، ومن أهم البوتريهات التى ارتكز عليها الفنان فى باقى الأعمال المعروضة هى بورتريه «سارة» الابنة الكبرى للفنان عصام التى رسمها ترتدى الإيشارب الأحمر، ولأن بينهما تلاقى روح انطبع ذلك على الألوان والتكوين مما نضج الحالة الفنية بالاندماج الإيقاعى اللونى للشكل والمضمون. تميل الألوان فى اللوحات إلى استخدام الفنان للون الرمادى وشفافية الابيض كما استخدم باقى الألوان بحذر شديد خوفا من فقدان الأشكال هدوءها ونقاءها الفنى أما المشاهد الطبيعية والمراكب الشراعية فهى أعمال محدودة العدد لكنها تعد أحد مشاهد عكست وجهات النظر فى الطبيعية، من المعتاد أننا عندما نشاهد البحر نشعر بالصيف وحرارة الجو، ولكن الفنان جعل البحر وأمواجه تتلاحق بشدة معبرا عن أمواج الشتاء الدافئة التى ترسل للشاطئ حكايتها، وأخذنا الفنان عصام فى رحلة إنسانية المضمون وفنية الشكل ليعود بنا إلى الأصالة الفكرية والفنية.