الإدارة المتميزة هى لب أى تطور حضاري، وهذا يستدعى بالتبعية كيفية اختيار القيادات الإدارية ذات الكفاءة القادرة على تحمل المسئولية، خاصة فى هذه المرحلة الفارقة التى تمر بها البلاد، ومن هنا جاء حرص رئيس الجمهورية على أهمية اختيار القيادات عندما أشار فى كلمته إلى أن «الدول الناجحة لديها منظومة تفرز الاكفاء وتدفع بهم إلى مواقع القيادة..» فإذا كان اختيار القيادات الإدارية فى مختلف المؤسسات يمثل أهمية كبرى ويعتبر مفتاح النجاح فى أى مشروع ، فإن اختيار القيادات التربوية أبعد أثراً و أكثر تعقيداً، حيث يعتبر التعليم ومؤسساته من الاستراتيجيات القومية الكبرى لشعوب العالم المختلفة المتقدم منها والنامى على السواء، ولايقل عن حيوية الاستراتيجية العسكرية. فإذا كانت إدارة المؤسسات العسكرية هى المسئولة عن الأمن فى الوقت الحاضر، فإن المؤسسات التربوية هى المسئولة عن الأمن فى المستقبل، فالخدمات المتوقعة من المؤسسات التعليمية والخدمات المفروض أن تقدمها هذه المؤسسات ترتبط ارتباطا وثيقا بتكوين المواطن الصالح الواعى الذى يمتلك قدرا من العلم والمعرفة والقدرة على التغيير وهى كلها ضرورات ملحة بالنسبة لرفاهية المجتمع وتقدمه وأمن مستقبله. وهذا يعنى أن مسئوليات إدارة المؤسسات التربوية بكل مستوياتها (مديرية إدارة تعليمية مدرسة) تفوق ميادين الإدارة الأخرى بما فيها الأمنية، فالتربية مجهود كبير مشترك يتصل بجماهير عريضة، وإذا كانت المنظمات تختلف فيما بينها من حيث درجة الفنية والتعقيد فالإدارة التعليمية تتضمن تعقيداً يفوق أى إدارة اخرى من حيث الوظائف والفاعليات وارتباطها بالقوة السياسية الاجتماعية، وقبل كل ذلك المنظور الجماهيرى، ولذلك فإن إدارة المؤسسات التعليمية فى مصر ليس بالأمر الهين حيث يتعامل المسئول مع حاجات معقدة بل متعارضة بين المعلمين واولياء الامور والطلاب يواجه بقدر كبير من الاحتكاكات المباشرة بين المعلمين وبين التلاميذ وبين هؤلاء والآباء والأبناء، وهى علاقات تتضمن تفاعلا معقدا يحدث يومياً، وإذا كان الجميع يتفق على أن تطوير التعليم يبدأ بالمعلم ثم المنهج ثم المدرسة، فأنا أرى أن تطوير التعليم يبدأ من الإدارة التربوية، فالإدارة المتميزة هى لب أى تطور تربوى وتحسين التعليم يبدأ من خلال تحسين كفاءة الإدارة التعليمية والإدارة المدرسية وتطوير معايير واضحة لأختيار القيادات التربوية التعليمية. التى يجب أن تكون على درجة عالية من المعرفة المتخصصة والمعرفة العامة والصفات الشخصية المميزة للقيادة ، ومدى إدراك الشخص المتقدم مسئوليات وظيفته التى تمكنه من ترك بصمات فى إداراته . أقول هذا بمناسبة، بدء الإعداد للعام الدراسى الجديد على المستوى الإدارى، بمعنى اختيار القيادات التربوية «التعليمية» سواء كان ذلك على مستوى المديريات أو الإدارات التعليمية أو المدارس، وعادة ما ينظر إلى هذه الخطوة على أنها مجرد عملية روتينية للترقيات، على الرغم من الإعلان عنها على هيئة مسابقات وفق معايير عامة، تتم فيها مقابلات شخصية، وتقديم أوراق بحثية، ولكن عادة لا تؤخذ هذه الأمور بجدية كافية بل إن اختيار القيادات التربوية على جميع مستوياتها فى غالب الأحيان تتسم بالنمطية والتقليدية. حيث تكون معظم الأماكن قد تم تسكينها بالفعل وهذه اعلانات شكلية، أو تقتصر التعيينات على فئة محددة وهى الفئة التى أتى دورها فى الترقية، بصرف النظر عن الكفاءة والاستحقاق . وهنا أتساءل هل يدرك المتقدمون لشغل هذه المناصب المسئولية الملقاة على عاتقهم، وفى مقدمتها مسئوليتهم نحو المجتمع والوطن، ومسئوليتهم نحو الطلاب واولياء الأمور ومسئوليتهم نحو المهنة، هل يدركون أن المناصب الإدارية فى مجال التربية شأن آخر، وأن الادارة التعليمية لها خصائصها المتميزة (التى سبق الاشارة إليها) التى يتحمل فيها رجل الإدارة مسئوليات تتساوى فى أهميتها مع مسئوليات قادة الجيش، وأن الفشل فى تحسين واصلاح الإدارة وعدم وجود رؤية وخطة استراتيجية للقيادات يؤدى إلى سيطرة صغار الموظفين والمتملقين على كثير من الأمور و يؤدى ذلك إلى الصراع بين المرءوسين مما يؤثر سلباً على العملية التعليمية. ولذلك فالمسئولية هنا تقع على عاتق القائمين على اختيار القيادات التربوية «التعليمية»، ومدى إدراكهم أهمية هذه المناصب، وهنا أضم صوتى الى سيادة رئيس الجمهورية فى تساؤله عن كيفية اختيار القيادات المناسبة لتولى المسئولية «هل هذه المنظومة متوافرة عندنا وما مدى كفاءتها فى الاختيار»؟؟ لقد آن الأوان لتغيير نظرتنا الى المناصب الإدارية سواء بالنسبة للمتقدمين للمناصب القيادية أو القائمين على اختيار القيادات ويجب أن نعلم أن الدقة فى اختيار القيادات التربوية والتدقيق فى الوصول للعناصر الصالحة المميزة بالمقومات الموضوعية، شرط اساسى لنجاح اى جهد للإصلاح التربوى والخطوة الاولى فى طريق التقدم . لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرؤوف رمضان