غريبة تلك الأصوات التي نسمعها اليوم هنا وهناك تزايد على إرادة الأمة المصرية، وتقدح في البرلمان المصري المنتخب من قبل الأمة كلها، انتخابات نزيهة لم ترها مصر منذ عقود من الزمان بشهادة الأغراب قبل الأقارب، كفانا اعتراضا وكلاما ومزايدات وتضييع وقت وإهدار أموال هنا وهناك واستنفاد طاقات في مهاترات ومجادلات لا تسمن ولا تغني من جوع. هناك من يصادر على إرادة الأمة ويزعم أن البرلمان جاء خاليا من الشباب، ومن يزعم بأن البرلمان تجاهل المرأة والأقباط، لماذا كل هذا؟ هل منع أحد الشباب أن يترشح؟ هل منع أحد هذا أو ذاك من الترشح؟ فلو افترضنا جدلا صحة هذا الزعم أو ذاك فهل هذا البرلمان سيتمر طوال الزمان؟ إن له مدة محددة وسيُحل بعدها وتبدأ دورة برلمانية جديدة يترشح فيها من يجد نفسه كفئا لخدمة أمته شابا كان أو شيخا أو قبطيا أو امرأة. لا بد أن نستعيد ثقافة التقدم واحترام إرادة الناخبين وكفانا تسلطًا وتجبرًا فكم عانينا من تلك الثقافة البائدة، كي نخرج ببلادنا من مستنقعات الجهل والمرض والفقر ونكتب في مصافّ الأمم المتقدمة، أما أن نظل هكذا يهاجم بعضنا بعضا ونعترض على بعض فلا، لماذا لا نعمل وكل من وجد في نفسه شجاعة وقدرة على خدمة بلده فليتقدم بما لديه من اقتراح أو دراسة لمن في دائرته من أعضاء البرلمان ونخلص النية لله تعالى؛ كي يصلح الله مصرنا الغالية ويكشف عنا ما نحن فيه من هم وغم وكرب وتأخر وأزمات اقتصادية وأمنية وثقافية. لا بد من وقفة مع إعلامنا كي يعدّل من نفسه، ويترك ثقافة التطبيل لهذا أو ذاك وليعلم أن الكلمة أمانة، وأن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، ولا داعي لأن نسمع لصوت المخربين والمحرضين على سلامة وأمن بلادنا، وليتجه هذا الإعلام إلى دوره الحقيقي في بث الثقافة النزيهة والنافعة والإصلاحية في المجتمع المصري كله، فلسنا أقل من تلك المجتمعات الغربية التي تحترم مجتمعاتها، فما أحوجنا أن نحترم كلمتنا ولا نتكلم إلا بما يرضي الله تعالى. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر