الاتهام بتكفير المسلم، هو رأس الخطايا، التى ارتكبتها حركات التكفير، التى تبرر لها شن الحرب على المسلمين وعلى الأنظمة الحاكمة، إذ ليس بعد الكفر ذنب، وهى متى نسبت الكفر إلى حاكم أو نظام أو شعب أو مذهب وهو ماتفعله مع خصومها فى الفكر الدينى أو النظام السياسي، فإنها فى معتقدها، استحلت الدماء، ووجب عليها قتالهم، لأنها تطبق الشريعة، وتذود عن الدين، فهؤلاء الكفرة القريبون منها أمروا بقتالهم. وهذا الفكر التكفيرى الذى رموا به بنى دينهم وجلدتهم ممن يقيمون الفرائض، ويجهرون بالشهادة، ويعلون كلمة لاإله الاالله، تجعلهم يصولون به على خصومهم ويشنون عليهم حربا لا هوادة فيها، ويقتلونهم بكل ماتصل إليه أيديهم، من أسلحة بيضاء أو مسدسات أو قنابل أو سيارات مفخخة.. الخ. وتذهب هذه الحركات إلى وجوب تكفير من هم على غير الاسلام وفق تفسيرهم، ويبدأون بتكفير الحاكم، فهو لايحكم بما أنزل الله، مما يدمغه بالكفر. لأنه يسمح للأحزاب غير الإسلامية بالاعلان عن مبادئها، ودعوة الجمهور لتأييدها، وهو بذلك لا يمتثل لحكم الله بقتل أصحاب هذه الأحزاب غير الإسلامية، وهذا حكم بغير ما أنزل الله. ولاعبرة عند الجماعات التكفيرية بأن التكفير يرمى به من خرج عن عقيدة الإسلام، لأن الاعتقاد عندهم مداره على القلب الذى لايعلم مافيه سوى الله.وبرأيهم يكفى للحكم على كفر هذه الأنظمة، أنها لاتطبق شرع الله، وتسن قوانين تخالف الإسلام. وهذه الحركات المتأسلمة هى امتداد لخوارج العصر الأول، الذين اشتطوا فى تكفير المسلمين، وقالوا بتكفير على وعثمان وطلحة والزبير وعائشة واصحاب الجمل، وبتكفير معاوية والحكمين وتكفير أصحاب الذنوب من هذه الأمة. وقد كفروا الامام على لما قبل التحكيم فى خلافه مع معاوية وقالوا لم حكمت الرجال: لاحكم الا الله، ويذهبون كذلك إلى تكفير المسلمين، لأن ظاهرهم يوحى بالخروج عن الدين، فهم يكفرون بالطاغوت، وهو شرط لدخول الإسلام. كما أن المسلمين رضوا بأن يحكموا بغير ما انزل الله عن طريق انتخاب نواب عنهم يتولون سلطة التشريع، وهذا كفر بواح، لأنهم قبلوا أن يشرع لهم هؤلاء النواب، وهذا شرك بالله تعالى لأنه هو المشرع، فلا يجوز أن يشاركه غيره أمر التشريع، بل يذهبون إلى وجوب البراءة منهم، لأن من يعلم بحقيقة لا إله الا الله، فإنه يكفر من يفعل ذلك، ويتبرأ منهم. وهم يغتالون أمة الإسلام فى عقيدتها فيكفرونها، ويختصمون فهمها للشريعة، ويدينون موقفها تجاه الحاكم بسبب أنه أعمل عقله فى النظام السياسي، ونظر مع أهل الفكر لتطبيق الشوري، فى مفهومها المتطور، بإنشاء الأحزاب أو اشراك الشعب فى شئون السياسة واختيار نوابه فى المجالس النيابية لتقنين المستجدات تبعا للتطورات التى أفرزها العصر الحديث مما يمنع استبداد الحاكم ومراقبة الحكومة، وهو مؤدى الديمقراطية التى تعد فى جوهرها تطبيقا حديثا لنظام الشورى. فهم يعتبرون أن الشعب مشارك للحاكم فى الحكم بغير ما أنزل الله، وهو كفر بواح لايجوز السكوت عليه ولا الرضا به. ومراد هذه الحركات المتأسلمة أن يتحول الشعب إلى اعتناق منهجها الفكرى فى التشدد أو التطرف، وحمله على اتباعه قسرا وجبرا، والاستيلاء على الحكم، والتغلغل فى مفاصل الدولة، وقلب نظام الحكم والولاء والبراء من الحكومات الإسلامية المعاصرة، فهى حكومات كافرة مارقة عن الدين، خارجة عن الملة، فيجب قتال حكامها، وخلعهم عن السلطة، وتنصيب قادتهم على أزمة الحكم، وفرض فكرهم المتسم بالغلو أو التطرف على الناس بزعم أنهم يعيدونهم إلى الإسلام الذى سلبه منهم هؤلاء الحكام الكفرة. وكان الأولى بهذه الحركات دعوة المسلمين إلى الهداية وتصحيح سلوكهم بانتهاج الحكمة والموعظة الحسنة وتنفيرهم من المعاصي، وبيان أثرها السيئ على الفرد والمجتمع والحرص على رضا الله تعالى ومثوبته، بدلا من التكفير والقهر والبطش الذى نشروه فى كل مكان. وكان حريا بهم أن يتبصروا نهى النصوص فى القرآن عن الغلو. وفى السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم إياكم والغلو فى الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو فى الدين. إن الفكر الدموى لهذه الحركات التكفيرية، تورط فى الشطط الذى خشى منه الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، فيما روى عن حذيفة: إن أخوف ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن، حتى إذا رئيت بهجته عليه وكان ردءا للإسلام انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك، قلت يانبى الله، أيهما أولى بالشرك: الرامى أو المرمي، قال: بل الرامي. لقد دمغ فكر هذه الجماعات، الدين الحنيف بسوءات ومثالب يتناقلها أعداء الإسلام عبر السماوات المفتوحة، فوصف الإسلام بالفاشية، والمسلمين بالارهاب، نتيجة لهذه الغوغائية الفكرية لحركات تتحدث باسم الإسلام، وتحتكر تمثيله وتختطفه من المؤسسة الدينية الوسطية التى تناهض هذا الشطط والاعوجاج فى فهم الإسلام. لمزيد من مقالات د.محمد الشحات الجندى