عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس 2025 بالصاغة    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    من جلسات التدليك لمنتجعه الخاص، جيسلين ماكسويل تكشف تفاصيل مثيرة عن علاقتها بإبستين وترامب    مباراة النصر ضد الأهلي مباشر في السوبر السعودي 2025.. الموعد والقنوات والتردد    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    «عايز أشكره».. آسر ياسين يصعد على المسرح خلال حفل ويجز بمهرجان العلمين.. ما القصة؟    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    تفاصيل قطع المياه لمدة 6 ساعات في المنطقة المحصورة بين الهرم وفيصل بالجيزة    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. حسام حبيب ينفى عودته لشيرين.. 3 أفلام جديدة تقتحم شاشات السينما المصرية تباعا حتى أكتوبر.. إيرادات فيلم درويش تتجاوز ال20 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    "حضورك راقي" 11 صورة لزوجة محمد عواد والجمهور يعلق    رئيس أركان الجيش الهندي يزور الجزائر الأسبوع المقبل    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    العملاق مدحت صالح يبدأ حفله بمهرجان القلعة بأغنية "زى ما هى حبها"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خوارج العصر سقطوا في هاوية التكفير.
"القرضاوى" قبل التحول.. كيف نواجه الإرهاب؟ «المتطرفون».. جماعة مريضة تحتاج إلى علاج.. ورغم تمام العبادة فإن فساد الفكر يفسد كل شىء
نشر في الوفد يوم 26 - 12 - 2013

يقول الدكتور يوسف القرضاوى، إن الخوارج من فجر الإسلام كانوا من أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية صياماً وقياماً وتلاوة قرآن، ولكنهم أتوا من فساد الفكر ومن فساد الضمير، وزين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً، وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
كتابات الدكتور القرضاوى واجتهاداته وفتاواه كانت المصدر الرئيسى الذي استند إليه قادة الجماعة الإسلامية في تأصيل مراجعاتهم ورؤيتهم الشرعية للاعتراف بالخطأ في حمل السلاح في مواجهة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، وارتكاب أعمال العنف والإرهاب خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، فأصدروا كتبهم الأربعة التي تضمنت المراجعات لتكون بياناً لمفاهيم أسيء فهمها، وتصحيحاً لممارسات تبين خطؤها.
الكتب الأربعة حفلت بآراء الدكتور القرضاوى، التي تدين العنف والإرهاب والتحريض عليها، وتحرمه أشد التحريم، وتعتبره بابا للفتنة لا يقبل به الشرع، القرضاوى قدم هذه الرؤية مستنداً فيها إلي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
واعتبر القرضاوى أصحاب منهج العنف والإرهاب الفكرى أو الجسدى والمتشددين، خارجين ومارقين من الإسلام، كما كان الخوارج من قبل.
مواقف واجتهادات القرضاوى كانت واضحة وفاصلة في إدانة وتجريم المتشددين والمتطرفين، وساهمت في إخراج مبادرة الجماعة الإسلامية وكتب المراجعات الأربعة.
بينما مواقف القرضاوى الآن والتي انقلبت وتبدلت تصب الزيت علي النار، وتشعل المزيد من الفتنة، وتقدم داعماً معنوياً للمتطرفين والإرهابيين.. ذلك التحول الكبير والغريب الذي لا يجد له سنداً من القرآن والسنة، لا تحركه سوى مصلحة وأهداف جماعة الإخوان المسلمين، ومعركة كرسى وصراع على السلطة.
للدكتور القرضاوى كل الحق في التعبير عن انحيازاته السياسية، ولكنه لا يملك أن ينسف وسطية الإسلام واعتداله دفاعاً عن هذه الانحيازات، ولا يحق له أن يشكل مظلة داعمة لأعمال العنف والإرهاب.. لذلك نعرض اليوم للرأي العام ولكل أبناء التيارات الإسلامية موقف الدكتور القرضاوى من قضية الغلو في الدين وحكمة تحريمه ومظاهره وأسبابه، ونواصل فيما بعد عرض موقفه من قضية التكفير.
الغلو في الدين، كما يراه القرضاوى، سبباً رئيسيًا في خروج المتشددين عن إجماع الأمة، وبداية الطريق إلي استحلال دماء وأموال الأمة والمسلمين، ونشر الفتنة وتدمير الأمم والمجتمعات، وهو ما استند إليه قادة الجماعة الإسلامية في إصدار كتيب المراجعات الثانى تحت عنوان: «حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين».
مقدمة دراسة الكتيب أشارت إلي أن بدعة التكفير ظهرت في مصر في الستينيات في السجن الحربى، نتيجة لما تعرض له الإخوان المسلمون من تعذيب، وانتهت إلى خروج جماعات تكفيرية من صفوفهم تكفر الجميع حكاماً ومحكومين، بل وتكفر المجتمع بأكمله وتصمه بالجاهلية.
لذلك رغم مرور سنوات عديدة علي هذه القضايا التي طرحتها مراجعات الإسلامية استناداً لاجتهادات القرضاوى، فإنها تبدو كأنها مرتبطة باللحظة الراهنة التي تخوض فيها مصر حرباً ضد الإرهاب المتسربل بالدين، ومازالت صالحة كمنهاج لمواجهة هؤلاء المتطرفين والإرهابيين، كما أنها دعوة للقرضاوى ليتأمل اجتهاداته السابقة، ويعيد النظر في مواقفه الحالية الداعمة لاستمرار العنف والإرهاب.
الدراسة تشير في مقدمتها إلي أن أمة الإسلام لم تعان من آفة نزلت بها مثل معاناتها من آفة التكفير للمسلمين التي عششت في عقول نفر من أبنائها، وجعلتهم يكفرون المسلمين بغير مقتضى شرعى، ومن ثم أهدروا دماءهم واستحلوا أموالهم، دون أن يكون معهم دليل من الشرع أو حجة من الدين أو برهان من أقوال السلف ولم يكونوا في الوقت نفسه مؤهلين للخوض في هذه اللجة العميقة.
بدعة التكفير
وتستند الدراسة إلي حديث شهير للرسول، صلي الله عليه وسلم، في كشف بدعة التكفير الخطيرة، وذلك حينما اعترض رجل عند توزيعه للغنائم قائلاً: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل.. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ألا تقتله؟ فقال لا، دعوه فإنه سيكون له شيعة يتحمقون في الدين حتي يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية».
وتشير الدراسة إلي أن النبي صلي الله عليه وسلم كان ينظر إلي ما سيحدث لأمته من فتن وأهوال، وهو ما حدث سريعاً حيث ظهرت الخوارج بذات الأوصاف التي ذكرها الرسول صلي الله عليه وسلم، ظهر فيهم قوله صلي الله عليه وسلم: «يقرأون القرآن لا يكاد يجاوز تراقيهم»، و«يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».
وأشارت الدراسة إلي أن الرسول صلي الله عليه وسلم، حذر أمته من هؤلاء حتي لا يغتر أحد بكثرة صيامهم، ولا بعباداتهم وخشوعها، ولا صلاتهم وعمقها وكثرة سننها، مشيرة إلي أن فساد الفكر والعقيدة يفسد كل شيء، وأن فساد الاعتقاد أخطر من كل شيء، وأن من هُدِى إلي اعتقاد أهل السنة والجماعة فقد هدى إلي خير عظيم.
حرمة التكفير
وأضافت الدراسة أن الرسول صلي الله عليه وسلم حرم وحذر من تكفير المسلم لأخيه المسلم حينما قال: «ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله»، مشيرة إلي أن الأمر يزداد خطورة أن اتبع هذا القائل لأخيه يا كافر، القول بالفعل، والرمي بالكلمات كالرمى بالرصاصات، والرمى بالتهمة كالرمى بالرشاش، لأن من كفر آخر استحل دمه وماله فتهيأ بذلك ليكون قاتله وسارقه.
الغلو فى الدين
وتواصل مراجعات قادة الجماعة الإسلامية في تحديد رؤيتها الشرعية وتأصيلها الفقهى لمراجعاتها، والاستناد إلى اجتهادات الدكتور يوسف القرضاوى قبل أن تجرفه الأحداث الأخيرة، فينسي كل ما قدم عن وسطية الإسلام وتسامحه، حيث يرى الدكتور القرضاوى أن لتحريم الغلو في الدين حكمة عظيمة، أهمها أن الغلو منفر لا تحتمله طبيعة البشر العادية ولا تصبر عليه، ولو صبر عليه قليل من الناس لم يصبر عليه جمهورهم، خاصة أن الشرائع تخاطب الناس كافة، لذلك لما بعث النبي صلي الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى إلي اليمن أوصاهما بقوله: «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا»، وقال عمر رضي الله عنه: «لا تبغضوا الله إلي عباده فيكون أحدكم إماماً فيطول علي القوم الصلاة حتي يبغض إليهم ما هم فيه».
التشدد في الدين
بالإضافة إلى أن الغلو قصير العمر، والاستمرار عليه في العادة غير متيسر، فالإنسان ملول وطاقته محدودة، فإن صبر يوماً علي التشدد سئم بعد ذلك وربما انتقل من الإفراط إلي التفريط، لذلك قال الرسول صلي الله عليه وسلم «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»، أي لا يتعمق أحد في العبادة ويترك الرفق إلا عجز فيغلب، مع الالتزام الصواب بلا إفراط أو تفريط.
وواصل القرضاوى اجتهاداته التي استندت إليها دراسة الجماعة الإسلامية، مشيراً إلي أن الغلو لا يخلو من جور على حقوق يجب أن تراعي، وواجبات يجب أن تؤدى.
التعصب في الرأى
وتواصل الدراسة بعد ذلك عرضها لمظاهر الغلو في الدين، مستندة أيضاً إلي اجتهاد الدكتور الشيخ القرضاوى، والذي اعتبر أن التعصب في الرأى وعدم الاعتراف بالرأى الآخر في الأمور الاجتهادية والأمور المستحيلة، أبرز هذه المظاهر، خاصة حينما يحول البعض الأمور الاجتهادية إلي أمور مقطوعة ويقينية، ليس فيها إلا قول واحد هو قوله دون استناد إلي حجة أو برهان، ويزداد الأمر خطورة كما يرى القرضاوى حينما يراد فرض الرأي على الآخرين بالعصا الغليظة، ويصل الأمر إلي الاتهام بالابتداع أو الاستهتار بالدين أو بالكفر، ويعتبر القرضاوى أن هذا الإرهاب الفكري أشد تخويفاً وتهديداً من الإرهاب الحسى.
ومن بين مظاهر الغلو في الدين أيضاً كما يحددها القرضاوي هي إلزام جمهور الناس بما لم يلزمهم الله به، من خلال التزام التشدد مع قيام موجبات التيسير، ومحاسبته الناس علي النوافل والسنن كأنها فرائض، وعلي المكروهات كأنها محرمات.
العنف في الدعوة
وكذلك التشدد في غير موضعه والغلظة والخشونة في الأسلوب والفظاظة في الدعوة خلافاً لأوامر الله سبحانه في قوله: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي أحسن»، «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، حيث إن مجال الدعوة كما يراه القرضاوى لا يكون إلا بالحلم والعلم والحكمة، ولا مكان للعنف والخشونة فيها، معرباً عن أسفه لما يراه من قيام بعض شباب الحركات الإسلامية بالتحاور والتعامل بالغلظة مع الناس، دون تفرقة بين كبير وصغير.
سوء الظن
ويحذر القرضاوى من سوء الظن بالناس باعتباره أحد لوازم مظاهر الغلو والتشدد في الدين، مستنداً إلي قول الرسول صلي الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم»، مشيراً إلي ولع من يكفرون المسلمين بالهدم لا بالبناء، وأنهم يسارعون إلي سوء الظن والاتهام لأدنى سبب، دون التماس المعاذير للآخرين، والتفتيش فقط عن العيوب، جاعلين من الخط خطأين، ومن الخطيئة كفراً، مطالباً المسلم بأن يكون عادلاً ومنصفاً يزن الناس بميزان الشرع والوسطية، دون أن يلبس نظارة سوداء فلا يرى منها سوى السواد!!
جاهلية المجتمع
ويواصل القرضاوى عرضه لمظاهر الغلو، مشيراً إلي أن نظرة المرء إلي المجتمع وفي خياله نظرة مثالية، فيعتقد أن المجتمع المسلم هو مجتمع ملائكى، وأنه إذا وجدت فيه المعاصى فهو مجتمع جاهل غير إسلامى، مشيراً إلي أن قرن الرسول صلي الله عليه وسلم وهو خير القرون لم يكن خالياً من المعاصى سواء من الكبائر أو الصغائر، باعتبار أن الضعف والتقصير سمة البشر، وبالتالى فإن حدوث المعاصى في القرون التالية أكبر، وذلك لا يخرج الناس عن الإسلام، ولا يجوز لأحد أن يصف الأمة بأنها قد ارتدت أو أنها تعيش عصر جاهلية، أو أنه مجتمع كافر، لذلك علي المسلم أن يكون واقعياً ويعلم أن كل بنى آدم خطاءون وأن خير الخطائين التوابون.
هاوية التكفير
واعتبر القرضاوى أن الغلو في الدين يبلغ غايته حين يسقط في هاوية التكفير، مسقطا عصمة الآخرين ومستبيحاً دماءهم وأموالهم، ولا يري لهم حرمة ولا ذمة، وذلك حينما يخوض في لجة التكفير واتهام جمهور الناس بالخروج عن الإسلام، وهو ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام، والذين كانوا أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية صياماً وقياماً وتلاوة للقرآن الكريم، ولكنهم أتوا من فساد الفكر لا من فساد الضمير، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسناً.
معتبراً أن ما وقع لطائفة الخوارج قديماً وقع لأخلافهم حديثاً وهم جماعة «التكفير والهجرة»، الذين كفروا كل من ارتكب معصية وأصر عليها ولم يتب منها، فهم كفروا الحكام والمحكومين والعلماء والعوام، وكل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله، حتي أسرفوا في التكفير واستحلوا دماء الآخرين باعتبارهم مرتدين.
حرفية النصوص
وتواصل الجماعة الإسلامية تأصيلها لأسباب الغلو استناداً إلي اجتهادات الدكتور القرضاوى مشيرة إلى أن ضعف البصيرة بحقيقة الدين أحد أسباب الغلو الرئيسية من خلال الاتجاه الظاهرى في فهم النصوص، حيث إن بعض الشباب يتمسكون بحرفية النصوص دون التغلغل إلى فهم فحواها ومعرفة مقاصدها، فهم لا يعرفون القياس ولا يستخدمونه، ولا ينظرون إلي العلة والحكمة من وراء التشريع، مع الاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبري، ويثير هؤلاء الخلافات الفرعية ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها من أجلها، مفرطين في ذات الوقت في واجبات لا خلاف فيها، ومنتهكين حرمات مجمعاً عليها.
الإسراف في التحريم
كذلك الإسراف في التحريم بغير دليل، حيث كان السلف لا يطلقون الحرام إلا على ما علم تحريمه جزماً، فإذا لم يحزم بتحريمه قالوا نكرهه أو لا نراه ولا يصرحون بالتحريم، بينما المياليون للغلو يسارعون إلي التحريم دون تحفظ، فإذا كان في الفقه رأيان أحدهما يقول بالإباحة والآخر بالكراهة أخذوا بالكراهة، وإذا كان أحدهما بالكراهة والآخر بالتحريم أخذوا بالتحريم، وإذا كان هناك رأيان أحدهما ييسر والآخر يشدد أخذوا بالتشديد والتضييق.
ويقول القرضاوى إن اتباع المتشابهات وترك المحكمات أحد أسباب الغلو والانحراف في فهم الدين قديماً وحديثاً، والمتشابه هو ما كان محتمل المعنى وغير منضبط المدلول، لذلك غلاة اليوم كما يري القرضاوى يعتمدون علي المتشابهات في تكفير الأمة واستحلال دمائها، ولو ردوا المتشابه إلي المحكم لحكموا بالعدل والحق.
الفهم الخاطئ
ويضيف القرضاوى بأن من أسباب الغلو ضعف البصيرة الناتج عن عدم التعلم علي أيدى العلماء، لأن البعض لم يتلق العلم من أهله وشيوخه المختصين بمعرفته، وإنما تلقاه من الكتب والصحف مباشرة دون أن تتاح له فرصة المراجعة والمناقشة والأخذ والرد واختبار فهمه ومعلوماته، ووضعها علي مشرحة التحليل، وطرحها علي بساط البحث، ولكنه قرأ شيئاً وفهمه واستنبط منه، وربما أساء القراءة أو أساء الفهم أو أساء الاستنباط وهو لا يدرى، وهو ما نهى عنه أئمة السلف.
أعمال جنونية
وأضاف القرضاوى بأن ضعف البصيرة بالواقع والحياة والتاريخ وسنن الكون، يعد من أهم أسباب الغلو في الدين وأخطرها لأنها تؤدى إلى طلب ما لا يوجد ويتخيل ما لا يقع ويفهم الوقائع علي غير حقيقتها، ويفسرها وفقاً لأوهام رسخت في رأسه لا أساس لها من سنن الله في خلقه، ولا من أحكامه في شرعه، وهو يريد أن يغير المجتمع كله، أفكاره ومشاعره وتقاليده وأخلاقه وأنظمته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بوسائل واهية وأساليب خيالية، لذلك لا يستغرب القرضاوى أن تندفع هذه الرؤى إلي أعمال وتصرفات يسميها البعض انتحارية ويسميها آخرون جنونية، ويسقط كثير منهم ضحاياها دون أن يبالوا بذلك.
جماعة مريضة
ويصف القرضاوى هؤلاء الشباب بأنهم لم يقرأوا التاريخ ببصيرة ونفاذ ووعى، لمعرفة العبرة منه، والوصول إلي سنن الله في أحداثه، باعتبار أن الأمة تأخذ من ماضيها لحاضرها، وتستفيد من صوابها وخطئها ومن انتصاراتها وهزائمها، والأمة التي تهمل تاريخها أشبه بالفرد الذي يفقد ذاكرته ويعيش ليومه وحده بلا ماض يعرفه ويبنى عليه، ليصير إنساناً مبتلى مقطوع الجذور يرثى لحاله، وهو أحوج ما يكون للعلاج، فكيف ترضى جماعة أن تجعل من هذا الوضع المرضى أساساً لحياتها.
سنة التدرج
ويقول القرضاوى في اجتهاداته التي استندت إليه الجماعة الإسلامية في مراجعاتها إن الشباب غفلوا عن سنة التدرج وهو سنة كونية وشرعية، مشيراً إلي أن الإسلام بدأ بالدعوة إلى التوحيد وتثبيت العقيدة السليمة ثم كان التشريع شيئاً فشيئاً، حيث فرضت الفرائض وحرمت المحرمات بالتدريج، كما هو ثابت في فرض الصلاة والصيام والزكاة وتحريم الخمر، مشيراً إلي الخلاف الذي وقع بين عمر بن عبدالعزيز وابنه عبدالملك، حينما أراد عمر أن يعود إلي هدى الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وكان ابنه ينكر عليه عدم إسراعه في إزالة كل بقايا الانحراف والمظالم، فقال لأبيه يوماً: «مالك يا أبت لا تنفد الأمور فوالله ما أبالى لو أن القدور غلت بى وبك في الحق»، فكان جواب أبيه الخليفة الفقيه المؤمن: «لا تعجل يا بنى، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة، فيدعوه جملة فيكون من ذلك فتنة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.