صعد البائع الطفل بوجهه الأسمر وقسمات وجهه التى أضاع الشقا ملامح طفولتها إلى عربة السيدات بمترو الأنفاق يحمل بضعة أطباق بلاستيكية..حاول المرور فى الطرقات فاستوقفته إحدى السيدات بغلظة نهرته بالسباب وحاولت ضربه..لم يسكت الصغير وهو ابن بيئة علمته أن الدنيا غابة وعليه أن يدافع عن نفسه بشراسة.. مجتمع شعاره الأساسى " تذأب قبل أن تأكلك الذئاب " . اشتركت أخرى فى الهجوم على الصبى الذي انهال على السيدة بقذائف من الشتائم بعد أن ألقت ببعض أطباقه من شباك المترو ...وسط صيحات من نساء أخريات طالبنها بترك الصبى يعمل ويحصل رزقه فهو يبحث عن لقمة عيش نظيفة تغنيه شر السؤال وأن هذا أفضل من أن يمد يده ليسرق .لم تستجب السيدة بل ازدادت عنفا فى مواجهته ..وخارت قوى الولد الذي أضحى مطلبه الوحيد ثمن الأطباق التى ألقت بها من الشباك ..وتحولت معركته مع السيدة إلى معركة كلامية بين الراكبات بعضهن طلب الرحمة لهذا الصغير والسيدة ترد : من ترق لحاله فلتأخذه معها إلى بيتها ..وأنها ليست مسئولة عن سوء أوضاعه و لابد من اقتياده إلى قسم البوليس .. هذه هى القصة والتساؤلات لا حصر لها : هل معنى أن كل منا ليس مسئولا عن ظروف هذا الولد أن ندير له ظهورنا ..أن نذبحه ..أن نهينه ؟ هل إذا كان هذا الولد قد وجد البيت واللقمة والهدمة كان سيضطر إلى هذه الحياة التى يعيش فيها على الهامش كل طموحه فى الحياة لقمة عيش ؟ لو أخذ هذا الطفل إلى القسم ووضع فى زنزانة مع تاجر المخدرات والبلطجى وتعرض لإيذاء لفظى وربما اكثر من ذلك ..ما الذي ننتظره منه ، هل سيصبح ملاكا وديعا أم مشروع مجرم خطير ؟..إن هذه السيدة التى نهرت الولد وهاجمت كل من طلب منها التعامل معه برحمة لا تدرك أن القاهرة محاطة بحزام من العشوائيات ملىء بنماذج لهذا الطفل وأكثر ...هؤلاء الذين بشرت كل الأقلام والأعمال الدرامية بأنهم وقود ثورة الجياع ، القنبلة الموقوته التى ستودى بالجميع .. ليست هذه السطور دفاعا عن الباعة الجائلين الذين ينبغى التعامل معهم كظاهرة موجودة والاسترشاد بتجارب الدول الأخرى فى تنظيمهم وتحديد أماكن لهم .فالحل ليس إبادتهم بالتأكيد .لكننى هنا أدافع عن أطفال هم مشاريع للبلطجية واللصوص ..صرخة كى ندرك أن حل مشاكل هؤلاء هو حجرأساس فى تحقيق السلام المجتمعى والعدالة الاجتماعية .. لا نريد حلولا على طريقة المؤتمرات التى تعقد فى الفنادق الفخمة والمنشورات الفاخرة التى تكبد الدولة ملايين لو أنفقت على حل مشاكل هؤلاء الأطفال لكان أجدى وأنفع ..بل نريد حلولا عملية وأجدنى دائما عندما أتحدث عن أطفال الشوارع أتذكر هذا الرجل الأمى الذي امتلك ذكاءا فطريا جعله وهو يبنى مصر يدرك كم هو مهم حل مشاكل المهمشين والمتسولين وأطفال الشوارع ..كان هذا الرجل هو محمد على الذي جمع هؤلاء وأولئك ليعملوا فى المصانع الحديثة التى بناها لينقل مصر نقلة نوعية فحولهم من قوى عاطلة تهدد المجتمع إلى قوى منتجة .. حل مشاكل هؤلاء الأطفال ليس بزجرهم فنزيد من نقمتهم على المجتمع أو بحبسهم فنوجد لهم المبرر للتحول إلى عالم الجريمة ، لكن أن نجعلهم جزءا من هذا المجتمع ..معه لا عليه .