أثار إعلان سيدة بأحد برامج القنوات الخاصة عن استعدادها لتأجير رحمها لأسرة ترغب في الإنجاب مقابل نفقة شهرية1500 جنيه, ومبلغ50000 جنيه كمنحة ممن يرغب في تأجير رحمها- جدلا فقهيا وطبيا شديدا. فالسيدة بررت رغبتها هذه بسبب ظروفها المادية الصعبة كونها أرملة وتعول طفلا, كما أنها تريد أن تساعد من يسعي للإنجاب و لم تسمح ظروفه الطبية, ودللت هذه السيدة في دفاعها عن فكرتها بفتوي للدكتور عبد المعطي بيومي( عضو مجمع البحوث الإسلامية الأسبق) تبيح تأجير الأرحام ولكن بشروط, معتبرا أن هذا من شأنه أن يحل مشكلات سيدات يعانين من العقم أو مشكلات طبية تحرمهن حلم الأمومة, ما يحافظ علي الترابط الأسري. ومن هذه الشروط أنه لا يجوز استخدام هذه الرخصة بهدف التجارة أو التربح, مع اعتبار أن صاحبة الرحم المستأجر أم حاضنة, وأن تكون صاحبة البويضة أما أصلية. وقد أثار هذا الإعلان جدلا فقهيا حادا, حيث يؤكد الشيخ سعيد عامر( رئيس لجنة الفتوي بالأزهر) أن الرحم في الإسلام حرم يصان, وعرض يدافع عنه لأنه الأساس في تكوين النشء, وأصل تنبثق منه الذرية, لذا وجب حفظه والاعتناء به, حيث قال تعالي في كتابه( والذين هم لفروجهم حافظون) كما أكد رسولنا علي( إنما دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام). وقد أفتي مجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوي بالأزهر ودار الإفتاء المصرية بأن الاستئجار والتبرع بالأرحام حرام بالإجماع, ومن أفاد بجوازه استدل بقوله تعالي( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وأن ما يسري علي الرضاعة يسري علي الحمل وهذا قياس فاسد. حيث إن الحمل مرحلة مستقلة عن الرضاعة, كما أن الرضاعة ورد فيها نص بإجازتها من امرأة أخري غير الوالدة حيث قال عز وجل( وإن تعاسرتم فسترضع له أخري) وذلك بخلاف الحمل في رحم الأجنبية الذي لا نص فيه. ويؤكد الشيخ عبد الحميد الأطرش( رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف سابقا) أنه من العبث أن نقول إن تأجير الأرحام جائز شرعا, فهذا أمر لم يقره شرع ولا عقل ولا دين, فالكل يعلم أنه يتوجب لإنجاب طفل شرعي إن يكون هناك زواج شرعي علي أسس بينها رسولنا الكريم, ومنها المحافظة علي بقاء النوع الإنساني والبشري.لذا فإن لم يعرف والد الطفل فينسب إلي أمه, وهذا هو و لد الزني, كما قال نبينا محمد صلي الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر, لذا فلو قلنا أن الأرحام تؤجر فلمن ينسب الطفل, وربما يكون لهذا الرحم أكثر من زوج, لذا أبيح للرجل إن يتزوج بأكثر من امرأة, ولم يبح للمرأة أن تجمع بين أكثر من زوج بوقت واحد, حيث إن الإناء واحد لا يتغير وإذا ما احتضنت المرأة جنينا في رحمها من تكون أم هذا الجنين؟ وإذا كانت البويضة قد لقحت بين الرجل وزوجته ووضعت هذه الزوجة ونعلم جميعا أن الجنين يتغذي من أمه التي حملت به, لذا فالتي تؤجر رحمها زانية قولا واحدا. ولهذا فتأجير الأرحام حرام شراعا. أما من الجانب القانوني فيجزم محمد البنا( محام بالاستئناف)أن القانون المصري لا توجد به مادة قانونية أو تشريع يجرم تأجير الأرحام مادام الزوجة والزوج أصحاب البويضة الملقحة علي قيد الحياة, حيث يستند إثبات النسب في الوقت الحالي علي تحليل الحمض النووي. لذا فيمكن تقنين تأجير الأرحام من الشق القانوني بعقد موثق بين الطرفين وبشروط محددة تحفظ لكل طرف حقوقه, حيث إن هناك دولا تبيح التأجير بشروط مثل الهند وكندا التي بادرت بدراسة تشريعات وآليات جديدة بالقانون تنظم عملية التأجير ومحاولة حل مشكلات الأم البديلة ومنع استغلال المرأة و تشجيعها علي الإنجاب المشروع في إطار قانوني محدد, في حين أن خيار الأم البديلة يبدو ممكنا ولكن عواقبه تسبب إشكالية أخلاقية ودينية ومادية, ومن ثم انتشار سماسرة الأرحام علي مواقع التواصل الاجتماعي و أسواق الانترنت. وفي نفس السياق يؤكد الدكتور مصطفي عباس أخصائي الأمراض الجلدية والتناسلية أنه لا يوافق علي تأجير الأرحام ولا بيع الأعضاء التناسلية لأن الله هو واهب الجسم للإنسان, فلا يستطيع إنسان أن يؤجر ويبيع أعضاءه لأن هذا يؤدي إلي انتشار تجار وسماسرة الأعضاء البشرية, وبالتالي يفتح المجال لاستخدام طرق علمية في الحصول علي هذه الأعضاء مثل الموت الإكلينيكي أو الغيبوبة, ويمكن استغلال الزوجات الفقيرات في تأجير الأرحام للحصول علي المال, ما يساعد علي التفكك الأسري وفناء البشرية, لهذا حرم الله البيع والتأجير وحرمته الأديان السماوية. في حين يري الدكتور مصطفي أنه يوافق علي التبرع للأرحام دونما مقابل مادي, ويكون بضوابط وشروط مثل: التبرع بالأعضاء حتي يتيح الفرصة لزوجات كثيرات يعانين من عدم الإنجاب, مع أنهن يمتلكن مبيضا سليما ينتج بويضات قادرة علي تخصيبها خارج الرحم, لكن تكمن المشكلة في أنهن إما يعانين من عدم وجود رحم خلقي أو رحم طفيلي أو يحدث تسمم حمل فإذا ما حدث حمل فيكون فيه خطر علي حياتها, أو لأن الأم تعاني من أمراض القلب, وفي هذه الحالة يكون الحمل فيه خطر علي حياتها, هوما يقرره الأطباء المتخصصون في أمراض النساء والولادة وأطباء القلب, بالإضافة إلي أن الزوج, إذا ما أتيح له الزواج من أحد أقارب الزوجة, فلا يوجد مانع طبي أو شرعي في أن تقوم الزوجة الثانية برضائها- بالتبرع لحمل جنين من زوجها والزوجة الأولي, لأنه في هذه الحالة لا يوجد اختلاط انساب لأنه عندما يتكون الجنين من عدة خلايا يكون حاملا لكل الصفات الوراثية للزوج وللزوجة الأولي, أما الزوجة الحاضنة الثانية فلا تعطيه سوي التغذية الخاصة به فقط كأنها حاضنة بيولوجية, ولو قدر وحملت الزوجة الثانية مع الحمل المزروع فإنه لا يوجد اختلاط انساب, لأن الجنين الجديد يحمل نفس الصفات الوراثية للزوج والزوجة الثانية. ويري عباس إن الزواج المستديم ليس عليه أي اختلاف شرعي لأن ماء الرجل سوف يزرع في الأم الحاضنة, وبينهما عقد شرعي للزواج لا يدعو للشك, ومن الناحية الطبية لا يوجد اختلاط انساب. ويتساءل دكتور مصطفي عن وجود قانون ينظم هذه الحالات أسوة بقانون التبرع بالأعضاء, حيث يشكك الرافضون في التبرع بالأرحام ويقولون إنه تدخل في إرادة الله, والرد عليهم بأن المريض الذي يحتاج لنقل دم أو يزرع عضوا هو أيضا خاضع لإرادة الله في أن يتوفي في ميعاد محدد فلماذا التبرع له أو تزرعون له عضوا بجسمه؟ لذا يطالب الدكتور مصطفي القائمين علي التشريع بأن يضعوا قانونا للتبرع والهبة للأعضاء البشرية, وأن تراعي مثل هذه الحالات, ويكتب الطفل باسم صاحب الحيوان المنوي والأم صاحبة البويضة المخصبة فهما الأبوان الشرعيان وله الحق في أن يرث من الأم الحاضنة وتعامل مثل الأم المرضعة, أي لا يحق للطفل أن يتزوج من أولادها لأنهم اخوته في الرحم والرضاعة, ويكتب في شهادة الميلاد باسم الأب والام الأصليين. فلم لا نشرع لمثل هذه الحالات ؟؟؟