شغلت الكثير من الباحثين والمهتمين بتاريخ الفنون في العالم.. ولم تنته إلي يومنا هذا الدراسات حول طبيعة الموسيقي الفرعونية.. وما يبني عليها من غناء ورقصات.. والأدوات الموسيقية التي استخدمها المصريون القدماء. الموسيقي الفرعونية بسلمها الخماسي, ارتكزت علي آلات مثل الكنارة بكسر الكاف وفتح النون المشددة وهي آله وترية انتشرت في عصر الدولة الوسطي.. صاحبت الغناء والرقص عند المصريين القدماء.. تطورت بمراحل متعددة, من حيث الشكل والحجم وعدد الأوتار.. عرفت آلة الكنارة المصرية القديمة طريقها إلي أوروبا, أثناء غزو اليونان والرومان لمصر في عصر الأسرة الثلاثين.. حيث عاشت عصرها الذهبي في بلاد الإغريق.. فأصبحت أهم الآلات الموسيقية في المجتمع اليوناني القديم.. ومازالت النقوش والرسوم المتعددة علي جدران المعابد والمقابر.. تحمل آثارا لشكل تلك الآله بأحجامها المختلفة.. بذراعيها المقوسين المزدانين بالنقوش من الجانبين.. وعصاتها في المنتصف حيث تشد عليها الأوتار.. ويقال أنها الأصل الطبيعي لآلة السمسمية الحديثة شكلا وصوتا. كما عرفت الطنبورة التي تشبه السمسمية أيضا- وكانت أوتارها تشد علي صندوق خشبي أو ظهر سلحفاة.. والتي مثلت عمودا رئيسيا في بناء الموسيقي الشعبية لقبائل البشارية وسكان النوبة. أما السمة العامة في تشكيل الفرق الموسيقية القديمة, فكان يغلب عليها الطابع الثنائي.. عازف هارب مع مغنية مثلا.. أوعازف ناي مع عازفة هارب.. حيث تربعت آلة الهارب علي عرش الآلات الموسيقية الفرعونية.. بحيث صارت أغنية علي عزف الهارب.. قمة الأدب المصري القديم.. أغنية مرتبطة بمكانة خاصة في الصلوات والطقوس الجنائزية وتقديم الزهور عند الدفن.. المدهش أن النقوش الفرعونية سجلت وجودا لعازفي الهارب المكفوفين, في عصر المملكة الوسطي.. موجودة في مقبرة مري رع الأول بتل العمارنة بالمنيا. أما فكرة المايسترو, أو قائد الفرقة الموسيقية.. فقد عرفها المصريون مبكرا.. فكان لكل فرقة موسيقية قائد يتوسط المجموعة, يكون عادة بدون آلة.. وأحيانا يكون للفرقة قائدان, الأول لمتابعة العازفين.. وكان يعطي مجموعة من إشارات اليد.. والآخر وظيفته ضبط إيقاع العمل الموسيقي باستخدام التعبير باليدين أو فرقعة الأصابع أو الضرب علي الركبتين أو كلاهما معا. وقد أوردت لنا الأبحاث, التي أجريت علي آلات النفخ في الدولتين القديمة والوسطي.. أن السلم الموسيقي الذي كان مستخدما في تلك الفترة, كان سلما خماسيا.. ويؤكد ذلك عدد ثقوب الآلات التي كانت تتراوح ما بين واحد إلي أربعة ثقوب.. وعدد أوتار آلات الهارب التي كانت تتراوح في الغالب ما بين(54) أوتار.. كانت الألحان الموسيقية بسيطة ونطاقها الصوتي محدود النغمات.. كما كان عدد النغمات التي تصدرها آلات الهارب والكينارة في المعتاد لا تتعدي الخمسة نغمات.. وقد انعكس ذلك علي طابع موسيقي تلك الفترة.. فتميزت بالهدوء والاعتدال.. والإيقاعات البطيئة وقد اتفق هذا اللون مع طابع الموسيقي الدينية وملائما للطقوس الجنائزية التي تميزت بالخشوع والوقار. ولأن خصائص الفنون هي انعكاس لطبائع الشعوب.. فقد عرف عن الشعب المصري في تلك الفترة, بأنه شعب معتدل المزاج هادئ الطباع يملك عواطفا جياشة.. بدت واضحة علي الأغاني وكلمات الأشعار.. التي احتفظت بها للتاريخ البرديات وجدران المعابد.. كما سجلت أيضا أنه شعب يقوم بواجباته المجتمعية علي خير وجه.. يعمل بكثير من الجد والاجتهاد.. ويأخذ نصيبه من الفرح والابنتهاج وحب الحياة.