يا هادياً...... يا هاديا. اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
الحداء الذي ردده الرسول([) في حفر خندق المدينة 5 ه، من أشعار شاعره الصحابي عبد الله بن رواحة ليحفز المجاهدين علي العمل واتخذوه في غزوة خيبر 7 ه حداء ليلياً للإبل ردده الصحابي سلمة بن الأكوع واستحسنه الرسول([).
والحداء هو الغناء للإبل علي ريتم حركتها أثناء مسيرها الطويل بين الجبال حاملة أثقالها تزيد في نشاطها وقوتها فترفع آذانها وتلتفت يمناها ويسراها.
وقد بدأ الحداء عند العرب قبل الغناء، من القدم وأصله أن مضر بن نزار »يقال الجد 17 للرسول([)« سقط عن بعيره يوما فانكسرت يده، فجعل يقول: يا يداه.. يا يداه..
وكان صوته جميلاً فتجمعت الإبل حوله وطاب لها السير فاتخذه العرب حداء بالشعر، وجعلوا كلامه أول الحداء: يا هاديا يا هاديا ويا يداه ويا يداه
فكان الحداء أول السماع عندهم اشتقوا منه الغناء وإن كان العربي يفضل سماع الغناء الصوتي ليتذوق الشعر.
وكان الحداء أول ما لاقته مارية وسيرين فور خروجهما من خضرة النيل عند بلبيس إلي الصحراء من سيناء حتي ثنية الوداع شمال المدينةالمنورة علي مدي 45 يوماً وهما قادمتان من أصل الموسيقي في العالم منذ الفراعنة ومعهما أبرز الآلات من الطبول والدفوف والسمسمية والهارب أو القيثارة.
فقد كان المصريون أول مجتمع زراعي مستقر فتعلموا الموسيقي من الطبيعة.
فأخذ الإنسان المصري يهتز طربًا وخوفًا فقلد أصواتها واستخدم أعضاءه بالتصفيق بالأيدي، وضرب الأرض بالأقدام فكانت أول آلة موسيقية. ووجد أن الطرق علي بطن منتفخ للحيوانات "النافقة" يحدث دوياً وضجيجاً فظهرت الطبول والدفوف لتقيه الأرواح الشريرة، والأمراض والموت، ووفرة المحاصيل. ثم اكتشف الأصوات الصادرة من البوص وقرون الحيوانات فظهرت آلات "الناي" و"المزمار واكتشف الثقوب فحصل علي أصوات متعددة، ثم وجد أن الثمار الجافة عندما تطرق ببعضها تخرج أصواتاً وعلقها علي فروع الأشجار فتكونت أول آلة موسيقية صناعية عند هزها. ثم ظهرت الآلات الوترية مع تقدم المجتمع والحضارة وعلوم الحساب والكيمياء وغيرها فهي آلات تحتاج مهارة ودقة في تنفيذها وموهبة وخبرة في عزفها خاصة آلة "الهارب" التي أصبحت عنصراً أساسياً في الفرق الموسيقية الدينية والجنائزية والكبير منها كان للمعابد، والمتوسط يوضع علي الكتف في المواكب والصغير يوضع علي فخذ العازف، وهي بسيطة الشكل متوسطة الحجم منها ما يعزف وقوفاً، وما يعزف جلوساً أشهرها: الهارب الزاوي: علي شكل زاوية قائمة الهارب المركبي: "علي شكل مركب" ويعزف علي الكتف الهارب المقوس المنحني: ويعزف جلوساً والليرا" السمسمية": لكنها كانت قليلة الاستعمال بسبب رقة صوتها وكانت هذه الآلات الوترية موضع احترام الكهنة ومحببة للمصريين في المناسبات الاجتماعية لأنها تضفي جواً من المرح وعملت الدولة علي ازدهارها وكان الفرعون يوليها عناية خاصة لارتباطها بطقوس العبادة وتولي رعايتها الكهنة الموهوبين الذين يجيدون القراءة والكتابة، وعلوم الرياضيات والطبيعيات والفلسفة، فطبّقوها علي الموسيقي ودونوها بقواعد علمية ونظريات علم النغم ثم نقلها العالم القديم من مصر مثل الآشوريين والبابليين. الملفت أن آلة الهارب استخدمت في تراتيل ديانات كل الحضارات القديمة، البعض أخذها من مصر والبعض وصل إليها بتطوره الحضاري فكانت في معابد آشور وبابل والهند والصين وفارس.
وصحب الموسيقي الغناء والرقص فابتكرت أغنيات بسيطة لمناسبات السرور والحب والجوع والخوف والحرب، وعندما بدأ بناء المعابد الكبيرة ظهر الغناء الجماعي للحرفيين للتحفيز علي العمل. وتميزت الموسيقي المصرية بالهدوء الملائم للخشوع والوقار وخصصوا لها الإله "حتحور" وجعلوا الإله "آهي" هو حامي الموسيقي والموسيقيين، ويصور كطفل وصبي وشاب مع شعر قصير له خصلة من الشعر المجعد في يده اليمني شخشيخة. وكانت عبادته في معبد "حتحور" في دندرة وارتبطت الموسيقي بكل المناسبات من شعائر الحج إلي أبيدوس وعزف الألحان الجنائزية والأفراح والأعياد. وظهر الأداء الجماعي يقوده الكاهن، وكان إيقاع أغاني العمل بسيطاً ومنظماً وأغاني ورقصات الطقوس الدينية هادئة ورقصات الحرب صاخبة ورقصات الأفراح والحصاد مرحة وكونوا فرقاً للموسيقي والرقص شاركت في الحفلات والأعياد بآلاتها وملابسها المميزة، وكان الرقص ذا تعبير وشاركت المرأة مع الرجل في العزف والرقص والغناء. ثم ظهر الغناء الشعبي من إبداع جماعي بسيطً وموسيقاه حرة، ثم الموسيقي السريعة والآلات الأكبر من مزمار مزدوج للمهرجانات والبوق للحروب والناي في القصور والقربة الموسيقية من جلود الحيوانات للاحتفالات والكاسات من البرونز للمعابد والدفوف بأحجام مختلفة وكان الموسيقيون والمغنون يتمتعون بالاحترام. والأغاني جمعت بين الجد والعمل واللهو والترف ومديح الآلهة وذكر الموتي والحض علي الخير والقيام بالواجب وكان الشعر الملحن يبث الروح الوطنية ويشرح أحكام الديانة والفلسفة والتاريخ والعلوم. وكانت الأغنية هي وسيلة النشر بين طبقات الشعب وكانت الموسيقي فناً مقدساً لاتصالها بالعلوم المقدسة الدين والفلك. وكان تشكيل الفرقة يأخذ الشكل الثنائي "الرجال مع الرجال والرجال مع النساء والنساء مع النساء"، عازف هارب مع مغنية وعازف ناي مع عازفة هارب. وهناك نقوش فرعونية تظهر وضع كف اليد اليسري للمغني خلف صوان الأذن وعلي الخد لتكبير الصوت وزيادة الإحساس بالرنين، كما يفعل المطربون والمنشدون وقارئو القرآن. ومع الفتوحات تبادل الفراعنة مع ملوك آشور وبابل الهدايا من الأسري والجواري، فظهر العنصر الآسيوي في مجال الموسيقي والغناء وامتلأ البلاط الفرعوني بالجواري المغنيات والعازفات للموسيقي، فالشعب المصري غنائي بطبيعته ولا يزال هناك 26 آلة موسيقية فرعونية تستعمل حتي الآن من الطبول والدف وصاجات الباعة والمزمار والأرغول والسمسمية والربابة.
ومن أهم ما لاحظت في تاريخ المصريين الموسيقي ما يكشف عن بعض من عبقريتهم في الزمن ففي فترات الاحتلال حافظوا علي تراثهم بتحذير الشعب بضرورة التمسك بأصوله الفنية المتقدمة حضاريا عن الغزاة وفرضوا تعليم الموسيقي المصرية للأطفال، ومنعوا الشبان من التغني إلا بما يختاره الكهنة من موسيقي تشجع علي الفضيلة ومكارم الأخلاق ومنعوا استعمال الآلات الأجنبية، واحتفظوا بذلك في العصرين البطلمي والروماني، وعندما اعتنق الرومان المسيحية ظهرت الموسيقي الرومانية من ألحان المعابد اليهودية لأن المسيحيين الأوائل تكونوا في المعابد اليهودية التي أخذت موسيقاها في الأصل من مصر في فترات تواجدهم بها، وبدأت معظم صلوات الكنيسة في بادئها من مزامير اليهود ومع المسيحية دخلت الموسيقي اليونانية في التراتيل بالكنائس القبطية وكان يسمح للنساء بالغناء حتي عام 578م فأصبحن يغنين في الأديرة الخاصة بهن واستمرت الآلات الموسيقية القبطية "في الكنائس الكاثوليك والروم".
ورث الأقباط بذلك الموسيقي الفرعونية من ألحان "حزينة في أسبوع الآلام، والجمعة العظيمة، وألحان الجنازات وكانت صوتية ثم أدخل فيها الدف والمثلث كما أثرت الموسيقي القبطية في حياة المصريين المسيحيين في المدائح وأغاني الأفراح والحصاد وأغاني الرعاة والباعة في الأسواق والأمهات لنوم الأطفال، وقد اقتصرت الكنائس المصرية علي تلاوة التراتيل باللغة القبطية، فاحتفظت بالألحان المصرية وبانتشار المسيحية في العالم نشأ "فن موسيقي كنسي" نابع من الأنغام المصرية القديمة. وقد أخذ اليونانيون الموسيقي المصرية ونبغوا فيها ودونوها مع موسيقي العرب والفرس كركن هام للثقافة والتربية وبناء الدولة، لتهذيب العقل والروح وفرضوا تعليمها حتي سن الثلاثين وأن يحفظ الجميع الأناشيد الدينية وسير الأبطال والأغاني في نظام تعليمي لغرس الأخلاق للأحرار، لكنهم حرَّموا تعلمها وأداءها علي العبيد. واعتبروا "الهارب" آلة سماوية لها معابد خاصة لتعليم العزف، فظهر المستوي الرفيع في إنتاجهم الفني المحمل بالطابع الشرقي من القوة والحماسة. ودخلت الموسيقي شعائر الدين واستحبوا الغناء الجماعي وكانوا أول من دون الألحان وارتبط عندهم فن الرقص بفن الشعر والموسيقي. وانتقلت الأغنية من أنغام التعاويذ السحرية إلي صورة فنية مستقلة وتألقت موسيقاهم في الأعمال المسرحية مع الرقص والغناء الفردي والثنائي والجماعي ثم تحول النشاط الفني إلي احتراف واعتبر أفلاطون أن الموسيقي الرفيعة تشيع الاستقامة في المجتمع وتحفز علي العمل ولها قدرة سحرية علي شفاء الأمراض، بينما تعمل الموسيقي الهابطة علي هدمها فأقاموا المسابقات الموسيقية كما استخدموها في الحرب وكان العازفون يوزَّعون بين الجند ليسمعوهم عزفهم، وأخذوا موسيقي الرقص المصرية والموسيقي العسكرية أيضا وأصبحت الأغاني المصرية أغاني شعبية عند اليونان، فكان الأصل مصرياً لكنهم أعطوا الموسيقي اسمها من كلمة "موسا" وتعني "الملهمة".
ولم تتطور الموسيقي علي أيدي الرومان المحاربين، فقد رأوها لا تليق بهم فمارسها العبيد لكنهم اهتموا بآلات النفخ لسير الجيوش ونقل التعليمات والإشارات الحربية. من بوق ونفير واستخدام آلات الصخب في حلبات السيرك والعروض الإمبراطورية. في القرن الأول الميلادي ارتفعت مكانة الفنانين المحترفين، وبدأ الأباطرة يمارسون العزف مثل نيرون "54 - 68م" وإقامة "الاحتفالات المقدسة" بالموسيقي وكان الموسيقيون المتميّزون يتعلمون علي أساتذة الغناء المشاهير وكان أعلام المغنين يقومون برحلات لإحياء الحفلات ومارست النساء الغناء والعزف علي القيثارة.
عندما وصلت مارية وسيرين كانت الآلات الموسيقية "خاصة الهارب" قد سبقتهم منذ 600 سنة مع يهود المدينة وخيبر "160 كم شمال المدينة" الذين أجلاهم الرسول في 5ه من المدينة و7ه من خيبر وكانوا كعادتهم مارسوها فقط في معابدهم فلم تمتزج مع موسيقي العرب التي أخذت بعض روافدها من الحضارات القديمة حولها فعرفوا الآلات الموسيقية وعرفوا مع الحداء الغناء الديني، وغناء الحرب، والندب والنواح، وغناء الولائم كالعرس والولادة، والختان وكانوا يقدسون الكعبة والأصنام بها، فيطوفون ويرقصون ويغنون ويهللون ويلبون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك
ولم تحترف نساؤهم الغناء وتولته جوارٍ من الفرس والروم.
لكنهما في المدينة سمعتا وعايشتا وقائع موسيقية كانت سيرين طرفاً في بعضها: عند وصول الرسول([) للمدينة مهاجراً خرجت بنات بني النجار يغنين بالدفوف "طلع البدر علينا" وعزفن أمام النبي وغنين "نحن بنات النجار.. حبذا محمد من جار". وأن الرسول([) وجد لأهل المدينة يومين يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأضحي ويوم الفطر". "حديث عائشة لما دخل عليها أبوها "أبو بكر" في أيام العيد وعندها جاريتان تغنيان فقال: أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله، وكان الرسول([) معرضاً بوجهه عنهما مقبلاً بوجهه الكريم إلي الحائط، فقال: دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا وليعلم المشركون أن في ديننا فسحة". وعن أم سلمة أم المؤمنين: دخلت علينا جارية لحسان بن ثابت، يوم فطر، ناشرة شعرها، معها دف، تغني "أعتقد أنها سيرين" فزجرتها، فقال النبي: "دعيها يا أم سلمة، فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا". زوجت عائشة إحدي قريباتها لرجل من الأنصار فقال الرسول "([) أهديتم الفتاة؟" قالوا: نعم قال: "أرسلتم معها من يغني؟" قالت: لا. فقال: "إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم؟! وعن عائشة: كان الرسول([) جالساً، فسمعنا لغطاً فقام، فإذا حبشية تزف والصبيان حولها، فقال: يا عائشة تعالي فانظري. فجئت فوضعت ذقني علي منكبه فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلي رأسه، فقال لي: "أما شبعت؟" فجعلت أقول: لا؛ لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر فأرفض الناس عنها، فقال رسول([) الله: "إني لأنظر إلي شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر". قالت: فرجعت. صحابية نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله إن رده الله سالماً من إحدي الغزوات وقد أذن لها وأن النبي مر علي حسان بن ثابت وهو في ظل فارع وحوله أصحابه وجاريته سيرين تغنيه بمزهرها.. "هل عليَّ ويحكما.. إن لهوت من حرج" فضحك النبي ثم قال لا حرج إن شاء الله. "ملاحظة.. ظل فارع تعني بستاناً بينما بيت زوجها حسان كان مجاوراً للمسجد النبوي فهما هنا في منطقة زراعية قد تكون "العالية" في جنوبالمدينة، وقد يكون حسان قد اغتنمها من بني قريظة مثل النبي الذي نقل مارية لها واقتدي حسان بالرسول([) وأسكن سيرين قربها"
تهليل المسلمين رجالاً ونساء وأطفالاً في المسجد والطرقات في يومي عيد الفطر والأضحي. الله أكبر كبيرا.. والحمد لله كثيرا. وقالت عائشة: "لقد رأيت النبي([) يسترني بردائه، وأنا أنظر إلي الحبشة يلعبون في المسجد، حتي أكون أنا التي أسأمه- أي اللعب- فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو". إن سيرين كانت مغنية علي دراية بفنون الغناء والموسيقي المصرية وجاءت معها بآلة "الهارب" ونظمت مدرسة للغناء والموسيقي ضمت ثماني جوارٍ. وقلدتها مغنية شهيرة في العصر الأموي تسمي (عزة الميلاء) تجيد العزف بالعود والغناء بل والتأليف وكانت تغني أغاني القيان من القدائم مثل"سيرين"، كما يقول أبو الفرج الأصفهاني في الجزء 17 من كتابه الأغاني وأن حسان بن ثابت سمع منها الغناء المزهر بشعر من شعره. كما اتخذت قصائده في مدح النبي من ألحان وأداء سيرين كأساس للمنشدين في عهد الأمويين وأصبح الإنشاد الديني فنًّا له أصوله. والإنشاد الديني هو فن غنائي لموضوعات دينية بدأ مع أذان سيدنا بلال مؤذن الرسول([) يرتله حسنًا بصوت جميل خمس مرات يومياً ثم ظهرت الأصوات الندية تتغني بالأشعار الإسلامية، كما طوره المؤذنون في الشام ومصر والعراق، وأصبح له قوالب وطرق مختلفة باستلهام ما بدأه بعض الصحابة ثم التابعين وأخذ يتناول العشق الإلهي، ومدح الرسول([) والذي تطور في عهد الفاطميين في الاحتفال برأس السنة الهجرية، وليلة المولد النبوي وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة أول شعبان ونصفه، وغرة رمضان والأعياد. الملفت تاريخياً أن من وضع أسس الإنشاد الديني في الدولة الإسلامية مصري أيضا هو الإمام الليث بن سعد "93 -175ه" وهو فقيه أهل مصر والذي قال عنه الإمام الشافعي إنه أفقه من الإمام مالك. وأن أحد أهم واضعي علم قراءات القرآن مصري كذلك هو ورش "110 ه - 197م" أبو سعيد عثمان من مواليد قفط بالصعيد وقد تعلم في جامع الفسطاط ثم قضي شهراً في المدينة يقرأ علي إمام قراء المدينة "نافع الكتاني" الذي لقبه بهذا الاسم لبياض بشرته وخفة حركته تشبها باسم طائر في إيران وبعدها أصبح شيخ القراء المحققين في مصر. وانتشرت قراءته "رواية ورش عن نافع" في شمال أفريقيا، وغربها، وفي الأندلس، وهي أكثر القراءات شيوعاً في العالم الإسلامي بعد رواية حفص وظلت سائدة في مصر حتي العثمانيين فأضافوا قراءة حفص وقراءة معتمدة "وأخذت المغرب عن تلميذه أبي يعقوب الأزرق، والأندلس عن تلميذه عبدالصمد بن القاسم المصري.
وأصل إلي حساسية بعض فقهاء المسلمين من الموسيقي والتي أراها مرتبطة بآلة "الهارب" تحديدا ليس لأن الرسول([) استمع إلي الدفوف وأشباهها فقط فأجازوها، لكن لكون هذه الآلة قد استخدمت في كل الديانات السماوية قبل الإسلام وغيرها بعدا عن التشبه باليهود والنصاري أو حتي لا تتداخل الأمور في عقول المسلمين الأوائل خاصة أن الأنصار كانوا يهوداً لكني لا أري في الموسيقي محرماً إلا ما يدخل في التحريم مثله ككل أمور الدنيا أما القاعدة فأراها حلالا من واقع الحياة.
فقد قال عليه السلام "زينوا القرآن بأصواتكم"
وأن الفقهاء اتفقوا علي أن الأصل في الأشياء الإباحة ولا تحريم إلا بنص وإلا بقي في دائرة العفو وقال رسول الله "اقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسي شيئاً"، وقال: "إن الله سكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها". والاسلام أحل كل شيء طيب تستطيبه الأنفس والعقول السليمة، فاتفق الفقهاء علي تحريم الغناء الذي يشتمل علي فحش أو تحريض علي معصية، أو إيقاظ الغرائز المحرمة أو الأغاني التي تمدح الطغاة أو يقترن بشرب الخمر فالغناء كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وأباحوه في الحداء والأعراس والعيد وقدوم الغائب والأغاني الجماعية "أغاني الحرفيين" والطبول لتحميس الجنود في الحرب وأغاني النساء فيما بينهن. ومن نوي استماع الغناء للمعصية فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوي به ترويح نفسه ليقوي علي طاعة الله فهو مطيع ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه وكل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله ولو كان صلاة نافلة أو تلاوة القرآن في وقت الصلاة المفروضة. والمقصود بلفظ باطل هو الشيء غير المفيد. فالإنسان لا صبر له علي الجد المطلق كما أن الغناء من طيبات الدنيا وكل غناء مباح مادام يتفق مع أدب الإسلام وتعاليمه، ولم يبح الله للإنسان أن يحرم علي نفسه الطيبات فاللهو مروح للقلب، ومخفف أعباء الفكر، والقلوب إذا أكرهت عميت، وترويحها إعانة لها علي الجد. إن الله خلق الإنسان بغريزة تميل إلي الطيبات من مناظر جميلة وروائح زكية، والشرائع تنظم الغرائز ولا تقيدها، والموسيقي إن لم يصاحبها المنكرات صارت مثل الجلوس علي الطريق ومراعاة حقوقه من غض البصر وكف الأذي ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الصوفية قالوا إن الغناء يرقق القلب، ويبعث الحزن والندم علي المعصية، ويهيج الشوق إلي الله تعالي، كما ابتدعوا طريقة للتعبير والتقرب إلي الله، في مجالس الأذكار وقد أدركوا أهمية الجانب الوجداني فأكدوا علي مبدأ التأثير بالموسيقي، وأدخلوها ضمن شعائرهم وكانت فلسفتهم أن صنيعهم هذا أدّي إلي إقبال الجماهير عليهم وجمع الناس حولهم.
ليبقي السؤال الأهم هل سافرت مارية وسيرين لهدف موسيقي للعزف في تراتيل دينية تصورها المقوقس في الدين الإسلامي مثله كمثل كل الديانات القديمة قبله وفي كل الحضارات السابقة.