السمسمية.. آلة وترية مصرية المنشأ.. كانت - ولاتزال - تسجل أحزان وأفراح أهالى مدن القناة، وبها احتفلوا بالنصر وعليها سجلوا معارك الصمود والكفاح الشعبى، فهى الآلة الوحيدة التى تواجدت فى الخنادق وعلى خط النار لتشد من أذر الجنود وتزف بشائر النصر فى حروب الاستنزاف وحرب أكتوبر العظيمة. السمسمية هي آلة مطورة من آلة الكنارة الفرعونية والتى تشبه إلى حد كبير آلة الهارب المنتشرة حالياً إلا أنها أصغر حجما وبعدد سبعة أوتار مصنوعة من أمعاء الحيوان. وصلت السمسمية إلى مدن القناة عن طريق النوبيين الذين عملوا فى حفر قناة السويس، وتطورت إلى آلة الطنبور النوبية الحالية وهي عبارة عن علبة من الخشب أو قصعة أو طبق صاج مشدود عليه جلد رقيق ولها ذراعان متباعدتان يطلق عليهما «المداد» تربطمها ذراع ثالثة على هيئة قاعدة المثلث تسمى حمالة، ويتم ربط الأجزاء بخيوط قوية وتزين بالخرز والنقوش والدلايات ويكثر استخدامها في الزار وتتبع السلم السباعى Diatonic Scale. ثم كان التطور إلى آلة السمسمية التقليدية الحالية مما يدل على أنها آلة مصرية خالصة. وأول من استخدم آلة السمسمية من أهل السويس هو الفنان السويسي «كبربر» ثم انتقلت إلى مدينة الإسماعيلية وأول من استخدمها بالإسماعيلية الفنان «أحمد فرج» ثم انتقلت إلى بورسعيد وأول من استخدمها الفنان «أحمد السواحلى»، والملاحظة العامة أن كلهم من أصحاب البشرة السوداء. يقول الفنان «تامر ريكو» مؤسس اول مدرسة لتعليم السمسمية بالسويس، عن آلة السمسمية: السمسمية عالم قائم بذاته.. علي أنغامها يتحرر الإنسان من مخاوفه و أحلامه و مباهجه و أحزانه يتحرر من كل شيء ، و يقترب من الحرية و السلام في أقصي معانيهما شفافية يصبح أمام نفسه مجردا من كل شيء لا يريد إلا الغناء و الاندماج والوصول إلي ذروة المعني . السمسمية يعزف عليها الفنان الشعبي ويتغنى بها باعتبارها مبعث الأحلام وأداة التعبير عن حب الوطن و التغني بالمدينة والحبيبة و البحر والفنار والأسفار وكل ذرة من رمال الوطن . وتتمتع السمسمية بأهمية كبيرة في حياة الإنسان المصرى فى كثير من المناطق وخاصة منطقة النوبة ومدن ساحل البحر الأحمر شرقًا وغربًا ثم مدن منطقة القناة فهي الآلة الأساسية فى احتفالاتهم وجلسات سمرهم بل هي الآلة الوترية الوحيدة التى تصاحب أغانيهم ورقصاتهم في المناسبات العائلية ويصاحبها آلات إيقاع محدودة مثل الدف والدربكة والطبل أو استخدام أدوات منزلية مثل الملاعق كآلة إيقاع مصاحبة لآلة السمسمية حيث يرقص على إيقاعاتها الشباب فى فرحة واعية بالحياة. ويضيف : انا من عشاق هذه الالة كثيرا وهي سمة اساسية فى اية مناسبة سعيدة في مدينة السويس ،اعزف على هذه الالة من صغرى، وعندما نضجت شعرت بأهمية تلك الآلة التى تبعث على البهجة والسرور، ومع انتشار العديد من اشكال الفنون الشعبية التي تستخدم هذه الالة مثل فرقة «البمبموطية» الشعبية، جاءتني فكرة إنشاء فرقة خاصة لعزف السمسمية وبالفعل تم تأسيس هذه الفرقة وضمت مجموعة كبيرة من اشهر وامهر عازفي السمسمية ، وفوجئت وقتها بزيادة الطلب علينا في إحياء العديد من الافراح والمناسبات السعيدة واعياد الميلاد.. ويواصل: وقتها فكرت في مستقبل هذه الآلة الشعبية العريقة وخشيت عليها من الانقراض، ومن هنا بدأت تتبلور فكرة إنشاء مدرسة لتعليم السمسمية. قمت بتجربة بسيطة للغاية فقد انشأت «جروب» على الفيس بوك بعنوان «عشاق آلة السمسمية» ووقتها انضم للجروب آلاف ولا ابالغ في ذلك العدد، وطرحت فكرة انشاء المدرسة، فوجدت إقبالا غير معقول من مؤيدي تلك الفكرة، مما جعلني أطمئن أكثر من نجاح هذه المدرسة.. وعقدت اجتماعا مع العديد من العازفين من داخل الفرقة، وطرحت الفكرة على العديد من عازفى السمسمية العالميين من اهل السويس وانضموا إلينا واتفقنا على افتتاح تلك المدرسة ولم يتبق لنا سوى المكان الملائم لتعليم السمسمية فأتفقت على ان يكون المقرهو جمعية اسوان للتنمية المجتمعية. وأضاف: اتفقنا على تعليم آلة السمسمية على ايدى دارسين وعازفين متخصصين ، بدون اى مقابل مادي ، فقط من اجل إنشاء جيل يعشق تلك الالة ويحميها من الانهيار والانقراض، وايضا نحقق اكبر انتشارا للآلة في جميع انحاء العالم، وانضم الى المدرسة حتى الآن العديد من الاشخاص ممن يريدون تعلم العزف على تلك الآلة وتتراوح اعمارهم من 14 عاما حتى 48 عاما.. وضمت المدرسة اكبر واشعر عازفي السمسمية بالسويس مثل الكابتن محمد عبد الهادي والكابتن رمضان عطية والكابتن موسى احمد موسى.، مؤكداً أن كل من يعزف على تلك الآلة ويؤلف أغاني يطلق عليه لقب «الكابتن» مع المقاومة الشعبية وعن سبب ارتباط السمسمية بمدينة السويس ومدن القناة يقول ريكو: لا يمكن الحديث عن المقاومة بدون الحديث عن آلة السمسمية وهذه الآلة التي يعرفها كل أبناء القناة - خاصة الأجيال القديمة منهم - تحولت في الفترة من هزيمة يونيو 67 حتى عودة المهجرين إلي مدنهم عام 74 بعد هجرة طالت لأكثر من سبع سنوات إلي معنى من معانى الوطن، وإذا شئنا الدقة إلي معنى الوطن نفسه فلم تكن السمسمية في تلك الفترة آلة موسيقية يلتف علي أنغامها أبناء مدن القناة بقدر ما كانت حالة من حالات حب الوطن تاهت العلاقة فيها بين الناس والوطن حتي صاروا شيئاً واحداً فالوطن هو هؤلاء الناس الذين ذابوا عشقا في حب أرضهم و غنوا و رقصوا علي أنغام السمسمية حتي تركوا أجسادهم علي الأرض وطارت أرواحهم تحلم بجلاء الهزيمة و العودة إلي مدنهم البعيدة . ويؤكد أن السمسمية استخدمها أهالى مدن القناة أثناء الحروب التى واجهت مدنهم، حيث طافوا المحافظات المختلفة ليعبئوا الناس بعد هزيمة 67 بالأغانى الوطنية التى تم تركيبها على ألحان الأغانى الشعبية. بث روح المقاومة ولعبت السمسمية في فترة حرب الاستنزاف في مصر دورا بارزا حيث استخدمها سكان القناة البسطاء في بث روح المقاومة والصمود من خلال تأجيج مشاعر المصريين اثناء الحرب ، ولا اكون مبالغا - والكلام ل ريكو - اذا قلت انها كانت اداة اقوى من الادوات التي استخدمها الاسرائيليون وقتها. وتابع: السمسمية تواجدت فى الخنادق وعلى خط النار وشدت أذر الجنود فى الحروب التي كانت فى منطقة القنال، فكان للكلمه والأغنية على اوتار السمسمية دور لا?يقل اهمية عن السلاح. في وقت الحرب لعب عازفو السمسمية دورا مهماً فى المقاومة الشعبية للغزاة ليس من خلال حمل السلاح فقط بل وبالسمسمية التي يمكن اعتبارها بمثابة بندقية تصيب بالموسيقى بدل الرصاص وبإيقاع السمسمية السريع المتناسب مع إيقاع الحرب سجل فنانى السمسمية أحداث و تفاصيل المعارك. استطاعت أغانى السمسمية أن ترفع معنويات كل الشعب المصري وأن تضعه بشكل دائم داخل جو المعارك وأن تجعله مهيئًا ومستعدًا ومتلهفًا لحدوث المعركة الكبرى بل إن هذه الأغنيات كانت أصدق مؤرخ لكل أحداث ومعارك حرب الاستنزاف العظيمة واستمر هذا الوضع لست سنوات حتى نصر أكتوبر العظيم الذي أعاد الكرامة والأرض وحقق الثأر الذي كان الشعب المصري يهفوا إليه ومازالت أغنيات المقاومة تعيش حتى الآن في وجدان وعقل المصريين، وهكذا كانت السمسمية بخفتها وصغر حجمها وصوت اوتارها وايقاعاتها السريعة متناسبة مع ايقاعات الحرب والكفاح المسلح وبث روح المقاومة والنضال والصمود الشعبى.