لعل الإسلام لم يعن بشيء عنايته بالتراحم والتعاون والتكافل بين الناس, يقول الحق سبحانه:- وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان... وسأل رجل النبي, صلي الله عليه وسلم: أي الناس أحب إلي الله عز وجل ؟ وأي الأعمال أحب إليه تعالي؟ فقال صلي الله عليه وسلم أحب الناس إلي الله تعالي أنفعهم للناس, وأحب الأعمال إلي الله تعالي سرور تدخله علي مسلم, أو تكشف عنه كربة, أو تقضي عنه دينا, أو تطرد عنه جوعا. ويقول صلي الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يسر علي معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة, ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وقد فتح الإسلام باب الخير واسعا في التعاون والتكافل سواء في كفالة اليتيم, أم إطعام الفقير والمسكين, أم قضاء حوائج المحتاجين, ففي جانب كفالة اليتيم يقول: أنا وكافل اليتيم هكذا في الجنة, وأشار بإصبعيه السبابة والوسطي, ويقول الحق سبحانه: ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا(8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا(9) إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا(10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا(11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا(12), ويقول سبحانه وتعالي: ويسألونك عن اليتامي قل إصلاح لهم خير. علي أن كلمة إصلاح هنا كلمة جامعة لكل ما يصلح حال اليتيم, فقد يكون اليتيم فقيرا جائعا أو عاريا أو مريضا, فيكون إصلاحه في إطعامه أو كسائه أو علاجه أو إيوائه وإصلاح شأنه ماديا, وقد يكون اليتيم غنيا لا عائل له, فيكون إصلاحه في الحفاظ علي ماله واستثماره له والقيام علي أمره حتي يبلغ رشده, وقد يكون اليتيم غنيا وله أخ أو عم أو ابن عم يقوم علي شئونه المالية, فيحتاج إلي العطف والحنو, وهنا يقول نبينا صلي الله عليه وسلم: من مسح علي رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة, وقد يحتاج اليتيم إلي التعليم والإصلاح والتهذيب والتربية والتقويم, فيكون إصلاحه في القيام بذلك, فقد سأل رجل النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله, مم أضرب يتيمي؟ فقال: مما كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله وفي جانب السعي علي الأرملة والمسكين يقول صلي الله عليه وسلم: الساعي علي الأرملة و المسكين كالصائم القائم وكالمجاهد في سبيل الله عز وجل. وفي جانب قضاء حوائج الناس يقول صلي الله عليه وسلم: من سره أن ينجيه الله عز وجل من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه وقال صلي الله عليه وسلم: إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير, فطوبي لمن جعل الله مفاتيح الخير علي يديه, وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر علي يديه. وقد دعا نبينا إلي التكافل في أسمي معانيه حين قال: من كان عنده فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له, ومن كان عنده فضل مال فليعد به علي من لا مال له, ومن كان عنده فضل ماء فليعد به علي من لا ماء له. ومن أهم ألوان التكافل في هذه الأيام أداء شعيرة الأضحية فإنها سنة مؤكدة عن نبينا عند جمهور الفقهاء, وذهب بعض الفقهاء إلي القول بوجوبها علي المستطيع, وقال نبينا صلي الله عليه وسلم: ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام, وقال: ما عمل آدمي عملا يوما النحر أحب إلي الله عز وجل من إراقة الدم وإنها لتأتي يوم القيامة بأشعارها وأوبارها وأظلافها, وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع علي الأرض فطيبوا بها نفسا. ونحن في حاجة إلي التوسعة علي الناس وإدخال السرور عليهم في أيام العيد حتي ندخل تحت قوله: من أدخل السرور علي مسلم كان حقا علي الله عز وجل أن يرضيه يوم القيامة. لهذا كله رأينا أن يكون موضوع خطبة الجمعة اليوم هو: أثر التكافل في سعادة الفرد والمجتمع مع التأكيد علي أهمية شعيرة الأضحية وأثرها في إدخال السرور علي الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل من المحتاجين, مع عظم ثوابها عند الله عز وجل في الآخرة, وبركة المال التي تزيد بالإنفاق في سبيل الله عز وجل. وأن يتجاوز دورنا في التكافل حدود قضاء حوائج الأفراد إلي الإسهام في سد الحاجات العامة للمجتمع من إقامة المدارس والمستشفيات, وإصلاح الطرق, وتوفير المياه والكهرباء, وإقامة مشروعات الصرف الصحي, وكل ما يصلح به حال المجتمع. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة