"الشيوخ" يناقش آليات الحكومة لمكافحة ظاهرة التنمر    تنسيق الجامعات 2025.. تعرف على تفاصيل الالتحاق بكلية التكنولوجيا والتعليم بجامعة حلوان    ارتفاع أسعار الفاكهة اليوم بأسواق الإسكندرية.. البرقوق ب55 جنيها للكيلو    بسبب قوة الدولار.. تراجع الذهب عالميا ليسجل أدنى مستوى عند 3347 دولارا للأونصة    الحجر الزراعي: استيراد 4.9 مليون طن قمح منذ بداية العام وحتى الآن.. و6.6 مليون طن ذرة صفراء وفول صويا    مسجلا 4810 جنيها للجرام.. تراجع أسعار الذهب في مصر متأثرا بانخفاضه عالميا    وزير الإسكان يوجه بسرعة إنهاء مشروعات تطوير البنية الأساسية والخدمات بقرى مارينا السياحية    خبير اقتصادي: غلق مضيق هرمز بداية كارثة اقتصادية عالمية غير مسبوقة    ألمانيا تحث إيران على «التفاوض المباشر» مع الولايات المتحدة    بوتين: العدوان المستفز ضد إيران لا يستند إلى أي مبررات أو أعذار    جروسي: إيران أبلغتني 13 يونيو باتخاذ «تدابير خاصة» لحماية المعدات والمواد النووية    ترامب: أضرار جسيمة لحقت بالمواقع النووية الإيرانية على عمق كبير تحت الأرض    بعد انتهاء الجولة الثانية لمونديال الأندية.. تعرف على الفرق المتأهلة لدور ال16    صباح الكورة.. ديانج يعلق على مواجهة الأهلي وبورتو و4 أندية تبحث عن مدربين جدد لموسم 2025    مدرب إنتر ميامي: مواجهة بالميراس لحظة تاريخية    كأس العالم للأندية.. تشكيل الأهلي المتوقع ضد بورتو البرتغالي    تاجر مخدرات.. حقيقة ادعاء سيدة باقتحام الشرطة لمنزلها وضبط زوجها دون وجه حق بالدقهلية    بالاسم ورقم الجلوس.. اعرف نتيجة الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ    ضبط متهمين بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني للمواطنين في المنيا    المعاينة الأولية لعقار شبرا شبرا المنهار: خالي من السكان.. وتسبب في تهشم 4 سيارات بالشارع    تامر حسني يحافظ على المركز الثاني بفيلم "ريستارت" في شباك تذاكر السينمات    د.حماد عبدالله يكتب: عصر "الكتاتيب"،"والتكايا!!"    البحوث الإسلامية: إنصاف الأرامل واجب ديني ومجتمعي لا يحتمل التأجيل    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش خطة الخدمات الطبية المتكاملة المقدمة    الصحة السورية: ارتفاع ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس إلى 25 قتيلا و63 مصابا    المتهم بالتعدى على الطفل ياسين يصل للمحكمة لنظر جلسة الاستئناف على الحكم    الزمالك: الإعلان عن المدير الفني الجديد خلال الأسبوع الجارى    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بمحافظتى بني سويف والمنيا خلال فترة أقصى الاحتياجات المائية    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    محافظ أسيوط يسلم ماكينات خياطة وتطريز للصم وضعاف السمع    المجموعة الخليجية بالأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار التصعيد بالشرق الأوسط    ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر: مرض السرطان تحديًا صحيًا عالميًا جسيمًا    رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    شركات الطيران العالمية تراجع خططها فى الشرق الأوسط بسبب حرب إيران وإسرائيل    رغم تذبذب مستوي محمد هاني .. لماذا يرفض الأهلي تدعيم الجبهة اليمنى بالميركاتو الصيفي؟ اعرف السبب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    كوريا الشمالية تندد بالهجوم الأمريكي على إيران    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    في القاهرة والمحافظات.. مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23 يونيو 2025    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    «متقللش منه».. مشادة على الهواء بين جمال عبدالحميد وأحمد بلال بسبب ميدو (فيديو)    روبي بعد تصدر "ليه بيداري" الترند مجددًا: الجمهور بيحبها كأنها لسه نازلة امبارح!    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    دونجا: أداء الأهلي في كأس العالم للأندية سيئ.. والفريق يلعب بطريقة غير واضحة مع ريبيرو    مأساة في البحيرة.. طفلان خرجا للهروب من حرارة الصيف فعادا جثتين هامدتين    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ما حكم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى؟.. أمين الفتوى يجيب    حقيقة تحديد 4 نوفمبر المقبل موعدا لافتتاح المتحف المصري الكبير    بالصور.. خطوبة نجل سامي العدل بحضور الأهل والأصدقاء    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    السبكي: الأورام السرطانية "صداع في رأس" أي نظام صحي.. ومصر تعاملت معها بذكاء    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    18 يوليو.. هاني شاكر يلتقي جمهوره على مسرح البالون في حفل غنائي جديد    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإذاعي طاهر أبوزيد
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 01 - 2012

بسمة عريضة ارتسمت علي وجه الحياة تنشر التفاؤل والأمل ثمانية وثمانين عاما‏,‏ ولم تشحب هذه البسمة عندما غيب الموت صاحبها قبل عام من الآن‏,‏ مازال اسم طاهر أبوزيد قادرا علي ان يبعث البهجة في نفوس محبيه وتلاميذه وعارفي قدره وفضله كأنهم يبادلونه بسمته الدائمة العذبة وهو في دنيا المعاد مثلما كانوا يبادلونه إياها علي أرض المعاش.
كل ما كان يمثله طاهر أبوزيد باق بيننا: وليده الأخير الأثير جمعية حماة اللغة العربية يتعهدها ويرعاها بالحب أبناؤه وتلاميذه الذين أشركهم في إنشائها, وأعماله الإذاعية المسجلة وآخرها أسبوعيات طاهر أبوزيد التي أعادت إلي الإذاعة جمهورا وفيا كان قد هجرها يأسا, وأعماله وكل إنجاز حياته حي ومبذول كعطاء لا ينقطع, ولهذا قلت إننا لا نرثيه الآن لمرور عام علي وفانه بل نحيي حضوره الدائم في الغياب.
كان من حسن حظي ان زاملت الأستاذ طاهر في مراحل من حياته, التحقت بالإذاعة في أواخر الخمسينيات إذاعيا مبتدئا وكان هو نجما ملء السمع والبصر يقدم أنجح برامج المنوعات في الإذاعة, واستطاع ببساطته الآسرة وتواضعه الصادق أن يجعلني صديقا له علي الفور برغم أني اخترت العمل في البرنامج الثاني( الثقافي) الذي لا يبشر العمل فيه بأي نصيب من الذيوع أو الشهرة. بل كان يعنيه في المقام الأول هو العلاقات الانسانية وهذا هو سر نجاحه في الحياة وفي العمل.
ركز كثيرون ممن كتبوا عنه علي موهبته غير المتكررة كمحاور إذاعي فذ قد يتمتع بسرعة البديهة, وتلقائية الأسئلة والأجوبة, وخفة الظل الطبيعية ونجاحه في إنشاء علاقة حميمة مع من يحاوره مع غياب أي نزعة للاستعراض أو التباهي بالثقافة أو التعالي علي ضيوفه, وخلاصة كل ذلك وجوهره في نظري هو اهتمام طاهر أبوزيد بالانسان كإنسان لا كموضوع للحوار, ولهذا كان ينفذ مباشرة إلي قلوب سامعيه.
ولا شك أن هذه الطيبة الانسانية هي فطرة أودعها الله في نفسه, لكن من المؤكد أيضا أن تجارب حياته قد أنضجت هذه الفطرة وطورتها لتشمل آفاقا رحبة. فنحن نعلم أنه قد عمل في بداية حياته وقبل التحاقه بالجامعة في وظيفة محضر, ومن واجبات هذه الوظيفة القاسية توقيع الحجز ومصادرة ممتلكات المعسرين أو العاجزين عن الوفاء بالديون والغرامات المفروضة. وقد صادف أثناء أدائه هذه المهمة مواقف مؤلمة أرهفت إحساسه بالتضامن مع الضعفاء والرغبة في مد يد المساعدة كلما استطاع. وربما من هنا أيضا ودونما أي تناقض نجد روح التفاؤل والأمل التي صبغت حياته وعمله برغم كل الصعاب.
جرب ذلك بنفسه عندما تحدي كل العقبات التي وقفت في طريق إكماله لتعليمه الجامعي حتي نجح في الحصول علي ليسانس الحقوق عام1948 وأهل نفسه للعمل بالمحاماة, لكن القدر كان يدخر له مستقبلا مختلفا, إذ نجح في اختبار المذيعين الشديد الصعوبة والدقة أيامها, فعين مذيعا في عام1950 وسرعان ما لمع نجمه وهو مزود بتلك السجايا التي ألمحنا إليها, وأولاها الاهتمام بالانسان كجوهر للعمل الإعلامي.
قدم طاهر أبوزيد في حياته الإذاعية عددا من أنجح البرامج, جرب حظك وفن الشعب ورأي الشعب وغيرها, واستضاف من خلال هذه البرامج ألمع نجوم الأدب والفن والمجتمع من العمالقة مثل أم كثلوم وطه حسين والنجوم الزاهرة ليلي مراد وشادية وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي والراحل العبقري الصوت الشيخ سيد النقشبندي وكل اسم يخطر علي بالك من نجوم الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وكان قادرا علي أن يكتشف في كل من ضيوفه المشاهير كنزا مخبوءا لا نعرفه, ففي حلقة المنشد الديني النقشبندي كشف لنا أيضا المطرب الديني جميل الغناء والأداء وهو يتغني بقصيدة سلوا قلبي.
ولكن الحلقات العالقة بذاكرتي من برنامجه الأشهر لا تتعلق بالمشاهير بل بالاشخاص العاديين حين أراد أن يقول لنا إن وراء كل شخص منهم حكاية غير عادية إذا ما سعينا إلي التواصل معهم والنفاذ إلي جوهرهم. وأذكر بصفة خاصة حلقة الجزار أبو نقابة رحمه الله إن كان حيا أو راحلا كان جاري في الجيزة ولم أعرف عنه شيئا سوي مهنته, لكن طاهر أبوزيد استضافه فكشف لنا في حواره عن فنان حقيقي, عاشق للموسيقي الكلاسيكية العالمية, خبير بسيمفونيات بيتهوفن وتشايكوفسكي, عارف بأسرار الكونشيرتو والسوناتا وكل فنون الموسيقي. كيف استطاع أن يجمع بين هذا التبتل في عشق الفن الجميل وبين مهنته الشاقة؟ يسأله طاهر أبوزيد فيقول إنه عشق الموسيقي فعلم نفسه بنفسه عن طريق إدمان الاستماع. كأن الإعلامي القدير يقول لنا كم من كنوز البشر حولنا دون أن ندري؟ ولعل الدرس أعمق, لعله يسألنا كم من كنوز بداخلنا لم نكتشفها؟
وكم لدينا أيضا من عباقرة صغار لم نكتشفهم؟ فأنا مازلت أذكر الحلقة التي أذهلت جيلي حين اكتشف وحاور طفلا معجزة في التعامل مع الأرقام, كان يجيب علي الهواء مباشرة علي أعقد المسائل الحسابية في لمح البصر في حضرة أساتذة الرياضيات الذين يستغرقون مجتمعين وقتا أطول في مراجعة الاجابة ليكتشفوا في النهاية صحة إجابة الطفل العبقري. ما الذي حدث بعد ذلك؟ هل احتضنته جهة علمية ما؟ هل شق طريقه أم توقف؟ لا أدري, ولكني أعرف أن درس طاهر أبوزيد لم يكن يقصد هذا الطفل بالذات, بل كان يدعونا كما قلت إلي أن نفتش عن كنز الانسان حولنا وفي داخلنا, وبالطبع إلي أن نستثمر هذا الكنز.
طاهر أبوزيد حلقة بديعة في سلسلة ذهبية من الإذاعيين والإعلاميين, فهموا الإعلام باعتباره رسالة في خدمة المجتمع وسيلتها الامتاع الراقي والتعليم المبسط والإخلاص للسيد المستمع.
أساتذته وزملاؤه الدكتور علي الراعي الإذاعي والناقد الأدبي الكبير, والأصوات الذهبية محمد فتحي كروان الإذاعة وحسني الحديدي وصفية المهندس وسميرة الكيلاني وتماضر توفيق وبابا شارو, وفنان الدراما الإذاعية الأول عبدالوهاب يوسف, وكل واحد من هؤلاء ومن مجايليهم الذين لم أذكرهم أمة وحده في مجال الفن الإذاعي والإعلام الجدير باسمه.
لم تكن حياتهم رخاء ولا عملهم سهلا, فقد تعرض طاهر أبوزيد مثل كثيرين غيره للاضطهاد والإبعاد عن العمل بسبب تقلبات السياسة التي لا ترحم. كان قد وصل إلي أن يصبح مديرا أو رئيسا لإذاعة الشرق الأوسط, وكان في الوقت نفسه يقدم برنامج رأي الشعب الذي بدأه في الإذاعة علي شاشة التليفزيون المصري كانت برامجه تحقق أعلي نسبة من الاستماع والمشاهدة, لكن في سنة1972 صدر قرار جائر بإبعاده عن الميكروفون والشاشة معا. وظل هذا الإبعاد ساريا حتي أواخر التسعينيات, حين استأنف العمل عائدا إلي جمهوه بنفس الحماس والاخلاص الذي بدأ به قبل نصف قرن كأنه لم يتوقف يوما. ألم أقل إنه كان يعتبر عمله رسالة لا يجب التفريط فيها أبدا؟ حدثني تلميذه وصديقه الإذاعي اللامع عبدالوهاب قتاية أنه منذ أنشأ جمعية حماة اللغة العربية وحتي مرضه الأخير, لم يتخلف عن اجتماع واحد للجمعية, مهما ساءت حالته الصحية, إذ كان يصمم علي الحضور ولو محمولا علي مقعد. مثل هذا الإخلاص لا يغيبه الموت أبدا.
أعود إذن إلي ما بدأت به فأقول لكل تلاميذه ولنجله محمد ولأرملته الوفية الزميلة الإذاعية الأستاذة كاميليا الشنواني, إننا سنظل ما أراد الله لنا البقاء, نذكر في يناير من كل عام بالبهجة لا بالدموع بقاء طاهر أبوزيد معنا.
ودعاء للوطن
لن أكرر مرة أخري ما اقترحته في الأسبوعين الماضيين عن ضرورة إجراء حوار بين المجلس العسكري وشباب الثورة لوضع حد للاحتقان السائد في الحياة السياسية, علي أن يتولي الوساطة في هذا الحوار الأزهر الشريف باعتباره الجهة التي تتمتع بثقة المجتمع.
من الواضح أن هذا الاقتراح لم يلق صدي لدي من يعنيهم الأمر من الحكام, وقد تجاوزه الوقت. ومع استمرار الاحتقان وغيبة أي مبادرة للمصالحة حتي الآن, فإن كل ما نملكه هو الدعاء بأن يحمي الله مصر وثورتها النبيلة.
المزيد من مقالات بهاء طاهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.