أجمع خبراء الاستثمار ورؤساء شركات المقاولات بأن ميعاد طرح مشروعات البنية الأساسية التي أعلنت عنها الحكومة بالشراكة مع المستثمرين لتنفيذ مشروعات ب02 مليار جنيه غير مناسب لغياب الاستقرار السياسي والأمني وغابة التشريعات القانونية والادارية التي تتناقض مع تطلعات وطموحات الحكومة في تنقية مناخ الاستثمار ليصبح جاذبا لهذه الأموال. التفاصيل في سياق هذه اللقاءات التي أجراها مندوب الأهرام مع هؤلاء الخبراء. شركات المقاولات غارقة في المشاكل { بداية يؤكد المهندس حسن عبدالعزيز رئيس الاتحاد المصري لأعمال البناء والتشييد أن الشركات المصرية لن تستطيع الدخول في أعمال شراكة في المشروعات التي طرحتها الحكومة لأنها تعاني من سلسلة من المشاكل والقيود جعلتها غير قادرة علي الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين لديها أو سداد الأقساط المستحقة عليها للبنوك بعدما توقفت الجهات الحكومية عن سداد ما عليها من مستحقات, لدرجة أن هذه الشركات قد أصبحت جثثا هامدة من كثرة المشاكل التي تحاصرها. يضيف أن الفرصة ستكون متاحة أمام الشركات العربية وإن كانت هذه الشركات في موقف المتردد بسبب ما تعرض له عدد من المستثمرين العرب من ضغوط قضائية وأحكام أثرت علي نشاطهم ومسيرتهم الاستثمارية, وكان آخرها قرار التحفظ علي أربعة من كبار المستثمرين السعوديين وألغته محكمة الجنايات, بل إن الغالبية من المستثمرين العرب يعانون من مشاكل إدارية وقضائية في مصر جعلتهم يتخوفون من الدخول في استثمارات جديدة. ويري أن مشروعات البنية الأساسية يقتحمها المستثمرون الأجانب لأنهم يستعينوا ببيوت خبرة عالمية في دراسات الجدوي والاستشارات القانونية التي تؤمن دخولهم وخروجهم من السوق المصرية, بل وتضمن لهم عوائد مالية كبيرة. ويؤكد أن الحكومة لابد أن تهتم بمشروعات البنية الأساسية مثل تحلية المياه من البحر لأن مصر مقبلة علي أزمة كبيرة في مياه الشرب ويجب عليها أن تتوسع في اقامة هذه المشروعات في المدن الساحلية أولا ثم تعميمها علي باقي المحافظات تدريجيا مثلما تفعل دول الخليج والدول الأوروبية. منافسة حامية { علي العكس من ذلك.. يري الدكتور أسامة الحسيني رئيس شركة المقاولين العرب نظرة تفاؤلية في اقبال شركات المقاولات والمستثمرين العرب والأجانب علي المشروعات التي تطرحها الحكومة, مدللا علي ذلك بالمنافسة التي تجري الآن بين المستثمرين الفرنسيين والأسبان والعرب علي تنفيذ محطة الجبل الأصفر للصرف الصحي, وكذا محطة أبورواش ومحطة مياه الشرب بمدينة نصر. يضيف.. ان مثل هذه المشروعات لها عوائد مادية كبيرة تعود علي المستثمرين. يضيف.. أن هذه المشروعات تحدث رواجا في سوق مواد البناء وتوفر فرص عمل كثيرة, وما يقال علي محطات الصرف الصحي ومياه الشرب ينطبق أيضا علي محطات الكهرباء التي تجذب استثمارات ضخمة. المستثمرون المغامرون { أما خبير الاستثمار الدولي مصطفي سراج رئيس احدي الشركات القابضة ذات الاستثمار المصري العربي فيؤكد.. أن الظروف الحالية والمشاكل التي تحيط بالاقتصاد المحلي لا تشجع المستثمرين علي الشراكة مع الحكومة.. لكن رغم ذلك هناك من المستثمرين المغامرين الذين يجيدون السباحة وسط هذه المخاطر المتلاطمة, لكن ذلك يأتي علي حساب التكلفة النهائية وحجم العائد الذي يجنيه هؤلاء من وراء تنفيذ هذه المشروعات إضافة إلي انهم يشترطون في شروط العقود التي يبرمونها مع الحكومة اللجوء لمراكز التحكيم الدولية عند نشوب أي نزاع حول تنفيذ بنود التعاقد. يري أن نجاح المستثمر ودخوله إلي سوق ما لاستثمار أمواله يتوقف علي مدي نجاح المشروع وتنميته علي فترات زمنية طويلة.. لكن غابة التشريعات والقرارات الادارية والاضطرابات الأمنية والسياسية غير جاذبة علي الاستثمار. العبرة بالقيمة المضافة { يري الدكتور سمير متولي استاذ الاستثمار والتمويل والمسئول عن تنفيذ عدد من المشروعات لشركات استثمارية عربية: أن قواعد جذب الاستثمار في العالم ثابتة هي الاستقرار الأمني والسياسي والبيئة التشريعية والادارية المستقرة التي تضمن دخول وخروج المستثمر بأمواله في سهولة ويسر, ولابد لهذا النوع من الاستثمار أن يقدم قيمة مضافة لاقتصاد البلد وتتمثل في ضخ سيولة نقدية بالعملات الأجنبية واستخدام الخامات المحلية وتوفير فرص للعمل وجلب تكنولوجيات وخبرات جديدة.. اما الاستثمار التجاري والاموال الساخنة فهي تستنزف العملات الاجنبية ولا تترك قاعدة صناعية أو تكنولوجية, مثلما الحال في مشروعات الاستثمار الكبري الإنتاجية. يضيف.. ان المستثمر لا يهتم بنوعية المشروعات المراد تنفيذها بالشراكة مع الحكومات, لكنه يهتم بحزمة عوامل الجذب وشروط تنفيذ المشروع وحجم العائد الذي يجنيه من وراء تنفيذه اولا, وما اذا كان هذا العائد سوف يتصاعد بمضي سنوات تنفيذ العقد أم ينخفض مما يجعله يبحث عن مدي استقرار البيئة الضريبية من عدمه, وكذا القوانين المنظمة للاستثمار والنزاعات مع الجهات الإدارية ورجال الاعمال, بل ويهتم المستثمر أيضا بالبيئة الاقتصادية ومدي تقلبات سعر الصرف, لان ذلك ينال من حجم العوائد التي يجنيها من وراء مشروعه. ويوضح ان الظروف الحالية للشراكة مع الحكومة صعبة للغاية بسبب اضطراب المشهد الأمني والسياسي والاعتصامات العمالية والاحكام القضائية التي تتناقض مع تصريحات المسئولين في الحكومة بحل مشاكل المستثمرين بالوسائل الودية وبعيدا عن إجراءات التقاضي المطولة والمستنزفة للجهود والاموال. يطالب بأن تسعي البنوك بشكل جدي الي تخفيض سعر الفائدة علي الإقراض لأن ذلك يترتب عليه رفع نسبة الربحية التي يسعي إليها المستثمر مما يؤثر التكلفة النهائية لتنفيذ المشروع. يختتم قائلا: ان المستثمر الذي يوافق علي الدخول في شراكة مع حكومة تحاصرها الاضطرابات من جميع النواحي والمجالات بالتأكيد قد أعد دراسة الجدوي وفقا لهذه المخاطر. غياب الرؤية الاقتصادية يقول السفير جمال بيومي امين عام اتحاد المستثمرين العرب: ان مشروعات البنية الاساسية تجذب المستثمرين اليها.. لكن هذا النوع من الاستثمار يصاحبه إعداد دراسات جدوي قوية تعتمد علي التنبؤات الاقتصادية الحالية والمستقبلية وعقود قانونية تحتكم الي مراكز تحكم دولية تضمن حقوق هؤلاء المستثمرين, لأن مناخ التشريعات والاحكام القضائية خصوصا التي اصدرتها المحاكم في الاشهر القليلة الماضية جعلت المستثمرين يفضلون اللجوء الي الفيديك أي العقد المتوازن في العلاقة بين طرفيه. بحيث يراعي هذا العقد جميع المتغيرات السعرية والسياسية والاقتصادية. سياسة الترقب والانتظار لكن الدكتور شريف دلاور استاذ الاستثمار والتمويل بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا يري أن قرارات الحكومة يسيطر عليها الارتجالية وعدم التنسيق, ولا تراعي الوقت والظروف المناسبة للاستثمار وطرح المشروعات خاصة القومية الكبري.. ففي ظل هروب الاستثمارات للخارج نجدها تطرح مشروعات شراكة, وفي وقت تدعو فيه لتنقية مناخ الاستثمار نجدها تفرض انواعا جديدة من الضرائب, والأدهي من ذلك الاحكام القضائية التي تتناقض تماما مع اتجاهات الحكومة وتصريحاتها. يطالب بتقديم تسهيلات حقيقية للمستثمرين وان تلزم الحكومة كل مستثمر بضخ70% أو أكثر من حصة مساهماته في المشروع, علي ان يستكمل مساهماته من خلال الاقتراض من البنوك الوطنية, يقول.. ان غياب بعض مؤسسات الدولة الدستورية مجلس النواب يعطي انطباعا للمستثمر باستمرار الاضطرابات وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية والسياسية مما يجعل المستثمرين يفضلون سياسة الترقب والانتظار بدلا من الدخول الي الامواج المتلاطمة, حيث ترتفع معدلات المخاطر. في ظل غياب دولة القانون والتنسيق المجتمعي.