يخطئ كثيرا كل من يظن أن الاقتصاد الأخضر هو الاقتصاد القائم علي الزراعة والتصنيع الزراعي دون غيرهما, أي أن تتحول جميع دول العالم الي دول زراعية, فالاقتصاد الأخضر يهدف الي اعادة تصويب الأنشطة الاقتصادية لتكون أكثر مساندة للبيئة والتنمية الاجتماعية وقادرة علي توفير حياة صحية للبشر, وفي نفس الوقت تحافظ علي معدلات التنمية المستدامة دون تراجع عن معدلاتها الحالية للاقتصاديات غير الخضراء, ويمتد هذا التعريف الي انتقاد الزراعات الحالية وأهمية تخضير الزراعة. هذا التوجه اكتسب أهمية بعد أن أشارت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الي أن أجواء العالم سوف تشهد زيادة في نسبة الانبعاثات الكربونية عام 2050 بنسبة 130% علي ما هي عليه الآن, وسوف يؤدي ذلك الي زيادة درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار6 درجات بما يمكن أن يتسبب في حدوث تغيرات كارثية لا يمكن استعادة المفقود بسببها وخسائر باهظة في الاقتصاد والانتاج العالمي. من هذه التحذيرات يمكن أن نؤكد أن الاقتصاد الأخضر يعبر عن اقتصاد منخفض الكربون محافظ علي البيئة وصحة البشر. فعلي سبيل المثال فإن الأبنية ذات النوافذ الكبيرة والأسقف العالية تعمل علي تحسين الاضاءة والتهوية داخل الغرف بما يقلل من استخدام الكهرباء وأجهزة التكييف وبالتالي يوفر في استخدامات الكهرباء ويقلل من سعات محطات الكهرباء التقليدية وبالتالي يقلل من انبعاثاتها من الوقود البترولي والحفري المستخدم في إدارة هذه المحطات, هذا الأمر سائد تماما في مصر في الشبابيك الصغيرة للغرف والمطابخ والحمامات بما يؤدي الي استخدام الاضاءة كاملة ومكيفات الهواء في الصباح والمساء, وبالتالي زيادة استهلاك الطاقة. النقل والمواصلات يجب أن تكون خضراء أيضا وبضرورة أن تعمل العديد من وسائل النقل علي الكهرباء النظيفة للشمس والرياح مثل المترو والترام والسكك الحديدية وبعض الباصات والبعض الآخر يعمل بالوقود الحيوي السائل من الايثانول والديزل بدلا من مشتقات البترول. الاقتصاد الأخضر يشتمل أيضا علي ضرورة تخضير إدارة المياه باعادة استخدامها بعد معالجتها والاستفادة الكاملة بمياه الأمطار بحصادها وتخزينها ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي وتطهير مياهه تماما واعادة استخدامها في الزراعة والصناعة والمنازل. الزراعة الخضراء تعني التوسع في التشجير حول المدن والقري والامتناع تماما عن إزالة الغابات أو تحويل مساحات منها الي أنشطة أخري حتي ولو كانت زراعات حاصلات اقتصادية. تخضير الزراعة يشتمل أيضا علي عدم السماح بتكون البرك والمستنقعات خاصة بجوار حقول زراعات الأرز لأثرها الكبير في انتشار الأمراض سواء بتعطن وتعفن المياه أو نشاط الطفيليات والميكروبات والناموس الممرض والناقل للأمراض مع أهمية ادخال الصرف الصحي الي الريف لايقاف تلوث الموارد المائية. هناك أيضا حماية الأخوار البحرية ومصايد الأسماك وحماية الشعاب المرجانية والتي توفر نحو 50% من الأسماك, يتغذي عليها نحو 3.4 مليار نسمة في العالم, بالاضافة الي التعامل البيئي الصحيح مع المخلفات والنفايات الصناعية والنووية. يضاف الي ذلك الحد من الصناعات الملوثة للبيئة وخاصة صناعات الأسمدة والأسمنت والكيماويات وتشغيلها بالطاقات النظيفة واستخدام الفلاتر المناسبة لمنع حدوث انبعاثات غازية ضارة منها. هذه الأمور لو طبقت بشكل صحيح فسيكون من شأنها خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 85% قبل عام 2050, وتحسين كفاءة النقل العام وتقليص الاجهاد المائي والحد من تدهور وتصحر التربة الزراعية وتحسين الأمن الغذائي وضمان سلامة الغذاء والهواء ومياه الشرب والحفاظ علي البيئة. تشير بيانات البيئة والطاقة للمنظمات العالمية إلي أن العالم يشهد الآن تجاوزا للاستثمارات في الطاقات النظيفة بحجم 140 مليار دولار عنها في الاستثمارات في الطاقات التقليدية بحجم 110 مليارات دولار فقط, كما أن إدارة النفايات الصلبة تستأثر حاليا ب20 50% من ميزانيات المدن في الدول المتقدمة وتوفر عمالة لأكثر من مليون وظيفة وتحقق أرباحا تصل الي 236 مليار دولار, كما أن تحسين النظم البيئية والشواطئ وإصلاح نظم التوازن الحيوي يمكن أن يحقق للعالم5 ترليونات دولار أرباحا سنوية ويوفر 10 ملايين فرصة عمل خضراء, فهل تترك مصر كل ماحياها الله به من شمس ورياح وشواطئ وعلماء وأنهار وترع للانطلاق الي الاقتصاد الأخضر لكي تظل منغمسة في تلوث الهواء ومياه الري والشرب وتفقد الترب الزراعية تباعا وتنهار فيها صحة البشر وتتحول الي شعب من المرضي!! المزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد