«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطن تحت أقدام الپاسداران
نشر في أخبار الأدب يوم 20 - 12 - 2014

بأية لغة يمكن لإنسان أن يحكي عن قيامة عاشها إنسانٌ آخر؟؟
بأية وقاحة ومجازفة يجب أن أتحلي لأقترب من منطقة تقاطع الانهيارات والأقدار بين شاعرين عذبهما نظاما بلديهما: أحدهما إيراني هو الشاعر مجيد نفيسي والثاني عراقي هو الشاعر والروائي حميد العقابي وكلاهما يعيش من سنوات كلاجئ سياسي خارج بلده؟ الأقدار ستخلق تطابقاً وتماساً عظيماً.. حيثيات الألم ستقول إنهما شقيقان.. لدي مجيد إخوة كُثر من بينهم "حميد ومهدي" ولدي حميد أخٌ هو مهدي بزّون مهدي الذي اعتقله نظام صدام حسين وبعد سقوط النظام البعثي وجدوا وثيقة إعدام مهدي في عام 5891. تتراكم تفاصيل أكثر ما جعلني أضع بعض الأسئلة "المشتركة" لهما وهما لم يقابلا بعضهما البعض وربما لم يسمع أحدهما بالآخر.
كان الزوج الثائر مجيد يتجنب الشوارع الرئيسية متجهاً للأزقة كما تقتضي أبجديات قواعد الهرب والتخفي. مع هذا وقبل أن يبلغ درجة الخطر المباشر علي حياته كان قد سعي لإنقاذ حياة زوجته التي خطفوها وهي تهرب من سلطات ولاية الفقيه في 19 سبتمبر 1891. . صاحب الملحمة يسطر في مقالة شهيرة له يُتَرجَم عنوانها
"الحب والثورة" كيف كان يسمع طوال الوقت أصوات الرصاص الحي المتقطع الذي دأبت الميليشيات الإسلامية علي إطلاقه علي المعارضين في الشوارع حين بدأ موسم مجزرة المعارضة الإيرانية بكثافة أعنف عام 1981
حين تصبح أمنية تقاسم الفطور مع زوجتك بعد إعدامها- سكيناً يخترق العصور والأماكن ليعاود ذبحك.. بعد أن كانت السعادة العميقة.. كما تصفها.. أن تزرع مع حماتك وزوجتك التي تزوجتها عن حب أيام الجامعة زهوراً في حديقة بيتهم شديد البساطة.. حين يكون ثمن المبدأ والإيدلوجيا أن تقرر زوجتك - رغم معارضتك- إجهاض نطفتك في رحمها لأن من نذروا أنفسهم للمعارضة السرية وتقلبات السياسة لا حق لهم في الانشغال بأطفال وزيادة عبء الدم والمسئولية ليندم كلاكما بعدها، حين يكون المبدأ تعذيباً لصاحبه فيقرر شاعر عدم كتابة الشعر حتي يتحرر الوطن من نظام يعارضه ويتفق مع حبيبته ألا يتزوجا حتي سقوط نظام الشاه!
لم ينس الطفل مجيد مدرسته التي كانت بمدرسيها - قبل الثورة الإسلامية بأعوام - قد بدأت تتطرف دينياً حد "نصحه" بعدم الاستمرار في مصادقته لتلميذ بهائي فقير كان مجيد يزوره في بيته حتي بدأت عائلته تُحبّذ ابتعاده عنه وتم فعلا ترسيب كل من مجيد وصديقه في عديد من المواد.
كان المجتمع الذي سيأتي نائبه العام بعد الثورة ويعلن أن "أي نشاط بهائي منظم هو ضد القانون" آخذاً في التشكل خاصة وقد أعلن الإمام الخميني بعد الثورة "أن البهائيين فصيل سياسي، أنهم خطرون ولن يتم قبولهم".. كما أن أحمدي نجاد عضو في "جمعية حجتيه" التي تشكلت أصلاً في الخمسينات بهدفٍ مركزي هو "محو الديانة البهائية". وحين سيلقي الحرس الثوري الإيراني بعد الثورة في 21 أغسطس 1980 القبض علي كل الأعضاء التسعة للمجلس البهائي القومي الروحي ليختفوا بعدها، ثم حين يتم انتخاب تسعة زعماء آخرين بعدهم ممن اختارهم أبناء الطائفة ويُلقي القبض علي ثمانية منهم في ديسمبر 1981 حيث تم إعدامهم سراً بعد ذلك بأسبوعين وحين ترفض عائلات بهائية التحول للإسلام ليتم خطف بعض أطفالها ومنحهم لعائلات مسلمة والضغط باستبعاد البهائيين من الوظائف الإدارية والتعليمية، وتدمير الآثار البهائية الدينية وحبسهم جراء تأسيسهم لمدارسهم واشتراط الحصول علي تصاريح مسبقة من كافة الطوائف والأديان للموافقة علي إقامة احتفالاتها الدينية (دراسة سارة عليائي عن "الأقليات الدينية في إيران« بجامعة ميتشيجان) فإن ذلك لم يكن ذلك بين عشية وضحاها لأن " تديين " المجتمع والتمييز الطائفي العميق يستغرق أعواماً من تخريب الوجدان الجمعي.
يتذكر مجيد بداية نفوره من نظام الشاه. كان اليوم الذي أخرجوا فيه تلاميذ المدارس ووقفوا وقتاً طويلاً في يوم بارد. ولما لاح الشاه أخيراً اقترب رجل بمظروف - يحكي مجيد - بما كانت به شكوي" فما كان من الحرس إلا أن باغتوا الرجل وأوسعوه ضرباً بظهور سيوفهم ما ترك أثراً غائراً في وجدان من سيصبح بشهادة معاصريه- "رامبو
الشعر الفارسي". كان قد تم حل منظمة الكُتّاب الإيرانيين عام 1969 ورغم فرض الساڤاك لحظر علي سكن الطالبات في جامعة طهران إلا أن مجيد سينجح مع زميلته التي ستصبح حبيبته وشهيدة حياته في هزيمة الحظر وتنظيم مظاهرة ونشطا معا في الحركة إلي القري بينما كان يكتب عن الوضع الاقتصادي الاجتماعي وكان يقوم بترجمة وتحرير كتاب عن تحرير المرأة وآخر عن النقد الماركسي للوجودية و تعرضا للمصادرة. كان شِعره هو الشيء الوحيد الذي يرغب في توقيعه باسمه وليس الترجمات حيث ظل يستخدم أسماء مستعارة طيلة ثمانية أعوام، أكثرها استخداماً كان اسم "كريم مينوي" الذي كان راعيا للخراف و"أسد الله أمو سلطاني" والذي كان بستانياً.
سيعود كلاجئ سياسي إلي البلد الذي كان ذهب إليه لدراسة اللغويات أثناء دراسته بجامعة بلده. في إيران أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن العشرين كانت السلطات - عبر الإمام الأكبر روح الله الخميني - مركزة في يد جهتين هما الحرس الثوري الإيراني "پاسداران" وميليشيات الباسيج الشعبية الإسلامية "المسلحة" أو "بسيج"!. وكان هؤلاء يعتمدون علي "التوابين" والذين يمثلون العناصر التي كانت معارضة للنظام الجديد أو لما سبقه وتراجعت عن أفكارها وأعلن هؤلاء توبتهم ليشحذوا العفو عن حياتهم. كان التوابون يجوبون كل أنحاء البلاد في دوريات مع ممثلي السلطة للإرشاد عمن يعرفونهم كمعارضين في منظمة "پيكار"- معركة- لتحرير الطبقة العاملة- وقد تأسست من المنشقين عن "مجاهدي خلق"
ممن اعتنقوا الماركسية-اللينينية- ومنظمة "مجاهدي خلق" المعارضتين للخميني وقتها ولشراذم من أعضاء حزب "توده" الشيوعي.
أتذكرُ مشاهد كان يبثها التليفزيون الإيراني الرسمي بعد الثورة الإسلامية ويلتقطها ببعض التشوش أو التشويش التليفزيون الكويتي. لهذا كانت بالأبيض والأسود رغم وجود التلفزة الملونة وقتها. كانت لقاعات محاكم تصدر أحكاماً بالإعدام علي معارضين أو رموز نظام الشاه السابق ولا يترجع فيها سوي صيحات عالية عنيفة "الله أكبر!". استمر هذا لفترة طويلة. كنتُ قبل هذا قد قضيت عامي الجامعي الأول في بريطانيا محاطة بأكبر عدد من الطلاب الإيرانيين أبناء العائلات الثرية من البهائيين واليهود والشيعة وبعض الأقليات المسيحية والزرادشتية ممن تمكنوا من الخروج في الوقت المناسب.. لا أنسي يوم هجوم أحد الطلاب الإيرانيين المسلمين بالكلام عليّ في محاضرة مادة "تنمية العالم الثالث" وكانت معلمتنا إفريقية مسلمة (أعتذر عن ذكر الأديان) حيث قال زميلي بإزدراء غاضب: "أنتم (قاصداً كل العرب) من جعلتمونا مسلمين!". كان وقت غليان وافتخار أحد الطلاب الموارنة اللبنانيين بمشاركته من قبل في الحرب الأهلية اللبنانية وتأثره بحمل علم بلاده في فعالية اليوم العالمي بالكلية وافتخاره في نفس الوقت بما وصفه ب " فينيقيته " وعدم عروبته بينما كان بعض الطلاب الآسيويين يشاهدون معنا في قاعة التليفزيون بالجامعة في لندن أولئك الأمهات الأمريكيات ممن تم اتخاذ أبنائهن كرهائن في سفارة بلدهم في طهران وهن يرتجين الخاطفين أن يتركوا أولادهن أحياء ويطلقوا سراحهم... فكان رد فعل بعض الطلاب فورياً: " لو كانت أمي لأحسست بالعار".
أعدت قناة البي بي سي البريطانية العديد من الأفلام الوثائقية عن المرحلة الدموية للتمكين الإسلامي في إيران والإعدامات التي حصدت ألوف المواطنين من المعارضة، فماذا ينفع أن تُحوِّل منظمة "پايكار"(بالفارسية "پيكار) في مجلتها الشهرية حيث كان يكتب مجيدذ العدد 110 شعارها من "ضد الحزب الجمهوري الإسلامي وضد الليبراليين "إلي" ضد الحزب الجمهوري الإسلامي"؟
لم يكن الوقت وقت تعديل شعارات وغيرك يخلق واقعاً آخر علي الأرض!
كان الخميني قد أعلنها بوضوح حين ضمن اكتساح المتطرفين:
"أنا أدين المثقفين الفاسدين والأقلام المسمومة للكُتّاب المتآمرين والديمقراطيين"!
وكان قد أطاح بأول رئيس للجمهورية الإسلامية أبو الحسن بني صدر فيما أجبرت الفاشية الدينية الصاعدة وعنفها في الشارع أول رئيس وزراء (حكومة انتقالية) للجمهورية المعتدل مهدي بزرجان علي الاستقالة بعد 9 أشهر فقط كما رفض " مجلس الإرشاد "التماسه لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية (ومات في زيوريخ).
بدا أن خطأً واحداً و لو كان محدوداً للمعارضة قد يزيد حالة العقاب الجماعي للمختلفين لذا فإن إلقاء "مجاهدي خلق" في لحظة ما لقنبلة علي مقر الحزب الجمهوري الإسلامي سيكون حجة إضافية لتكثيف إرهاب الدولة ليس ضد المعارضة السياسية وحدها بل كل الإنتليجنتسيا العلمانية في إيران ولن يشفع لنفيسي وغيره كونهم كانوا من معارضي هذه الإستراتيجية واتجاه "مجاهدي خلق" لتملق الليبراليين لأن الوقت كان قد فات.
كان حظ عزت طبايان زوجة الشاعر مجيد نفيسي التي
تصغره بخمس سنوات أن يتم القبض عليها وهي تحاول الهرب من مطارديها في الشارع حتي أنها تسلقت سور منزل لتقفز فسقطت في حديقته لينكسر حوضها ويسلمها صاحبه الذي كان من "الشخصيات الهامة والمناصرة للنظام" - بسوء حظ فادح - إلي السلطات.
حاوَلتْ تهريب رسالة إلي زوجها وأهلها من المستشفي قبل أن يكتشف المحققون هويتها لكن يتكرر سوء الحظ - ليُتم القدر مشيئته - وتصل الرسالة متأخرة أسبوعاً كاملاً فتفشل خطتها البريئة في ادعاء الاضطراب النفسي والهرب من الزوج وتنسيق كلامها مع كلام عائلتي زوجها وعائلتها قبل يوم " الأربعاء ".. يحاصرها المستجوبون بأنهم لا يصدقون اسمها المستعار "سيمين" الذي يزورها ويكلمها به بعض زائريها ممن سيتم إعدامهم هم كذلك ( الصديق فرامرز).. وأنها - كما صرخوا بها - " إما شخصية او عضو مهم في تنظيم ما أو هي زوجة خائنة بلا أخلاق هربت من زوجها وفي الحالتين تستحق الإعدام"!
حين تسقط طائرة عسكرية ببعض أهم قيادات الجيش سيصحو أمل ضعيف في قلوب الثكالي والمكلومين ومن ينتظرون معجزة من عالم الأحلام لإنقاذ أحبتهم من "إيڤين" وما أدراك ما "إيڤين"!
يحيا الإنسان بالوهم وتلك الطائرة المحطَمة أضاءت قلب نفيسي للحظات قبل إعدام زوجته جزاء ماركسيتها في منظمة معارضة للخميني ولن يشفع لها تخليها عن فكرة الصراع المسلح بين الطبقات. حرمهما القدر كذلك من أية صورة لهما معاً خشية القبض عليهما.. لكن بعد إعدامها ستمنحه أمها أربع صور لعزت وحدها من مراحل دراسية مختلفة. يحكي الشاعر كيف أن انتفاضة جديدة لم تكن لتحدث بهذه السرعة ولكن انقلاباً عسكرياً ربما كان يتحضر وتحاول السلطة إجهاضه.
دارت في رأسه فكرة تليق بحالم أو كما كتب:" أي نقلة في السلطة يمكنها أن تُغيّر قَدرَكِ وتُعيدكِ إلي ذراعيّ..... وكل هؤلاء الرجال المسلحين الملتحين في اليونيفورم بثكناتهم ودباباتهم وسجونهم ونظم دعايتهم يمكن أن يتبخروا بليل".
نفيسي الذي كان وقت الشاه يسافر مع زوجته لمساندة عمال المصانع ممن تأخر أرباب عملهم عن دفع رواتبهم لشهور نظراً لإفلاسهم، الذي كان يُعلّم الناس وقت انفجار الثورة وهو يجري بينهم "قولوا يسقط الشاه!" ها هو أثناء
تفجر الثورة في الأيام الأولي يدخل دبابة للمرة الأولي في حياته ثم يقف مع الجماهير بجوار سور مقر الساڤاك فيسمعون كلهم انفجاراً أفقد رجلاً ساقه حين دخل الساحة.. يدخل مع زوجته ومع أخيه حسين - الذي سجنه الشاه في "إيڤين" - مقر السجن. كان حسين يعرف السجن من الداخل جيداً كما كانت مصافي الأرز العملاقة ما تزال نصف ممتلئة بالأرز المغسول حيث كان السجانون والطباخون قد هربوا في عجلة.. زنازين انفرادية بلون أخضر لامع بلا نوافذ.
وها هو القدر - لا أحد غيره - يسخر حين ينغلق الباب الإليكتروني فيشعر الداخلون أنهم مساجين.. هنا تبتسم زوجته كَنبيّة لا تري أن جملتها الفادحة "فتحنا السجن القديم لكنه أصبح سجناً جديداً لنا!" وهي توجه حديثها لحسين شقيق الشاعر، هذه الجملة سوف تتحقق بعد وقت قصير بما هو أفظع وأكثر توحشاً: بإعدام المتحدثة والمتحدث إليه في نفس المكان!
كان علي الجميع أن يمتثل لعهد الدم الجديد فكل شيء كان يتحرك كي يتم التمكين لنظام مازال يلاحق ويسجن ويقتل معارضيه. هذا النظام نقرأ من أكثر من عام كيف يتقصد المّدوِّن ستّار بهشتي ويعتقله وبعد أسبوع في سجن "إيڤين" يسلم جثته لأمه، يسجن المحامية نسرين ستوده،
ويأمر - كما تفيد فتاوي الملالي - باغتصاب أو فرض زواج متعة علي السجينات العذراوات كي يتم إلغاء فرصهن في الذهاب للجنة متي صدرت أحكام إعدام بحقهن كما يعتقد الملالي وكما كان تحدث الشاعر ومطرب الراب الإيراني شاهين نجفي (اللاجئ السياسي الذي صدرت بحقه أربع فتاوي لإهدار دمه ولكنه تمكن من الهرب وتلاحقه رسائل التهديد وهو تحت حراسة مشددة في الخارج وكنا أعددنا عنه ملفاً في هذه الجريدة وقت حكم محمد مرسي وترجمنا بعض أغنياته التي تسببت في فتاوي إهدار دمه) نظام ولاية الفقيه يفرض علي كل طلاب المدارس من الأقليات الدينية (المعترف بها في الدستور وهي المسيحية واليهودية والزرادشتية) الراغبين في دخول الجامعات اجتياز امتحان في مادة التربية الإسلامية بنجاح والحصول علي موافقات من وزارة التعليم والتدريب بشأن "سلوكهم الأخلاقي "وينشر المعلمين ونُظار المدارس المسلمين في مدارس الأقليات الدينية حيث يتم تدريس كتاب موحد (مادة الدراسات الدينية للأقليات الدينية) من جانب مُدرّس مسلم بما لا يقل عن ثلاث ساعات أسبوعياً (كما كتبت سارة عليائي في دراستها المذكورة) هو النظام الذي أقال وزير تعليمه محمد علي رجائي في أيام الثورة الأولي نوفمبر 1979 "كل المعلمين البهائيين من المدارس وأمرهم برد كل الرواتب التي سبق وحصلوا عليها إلي الدولة!!" كما تذكر عليائي، ودمر مقابر للبهائيين لبناء مراكز ثقافية علي أرضها، وهو النظام الذي حكم قضاته بإعدام ريحانة جباري مؤخراً لكونها قتلت من يريد اغتصابها..هو من سيعدم المزيد من الضحايا لو تجرأ أحد علي الاعتراض علي حكم محكمة قضي حقاً بمنع "واتس آب" و"ڤايبر"، هو الذي يمنع المطربات من الغناء منفردات في إيران وأنشأ " شرطة الأخلاق " حيث سيدات شرطيات محجبات بشكل متشدد يتحركن في دوريات لملاحقة المواطنات من كل الديانات للتأكد من التزامهن عنوة بحجاب لا يتضمن مثلا "البوت" (الحذاء الشتوي ذو الرقبة) لأنه "مثير للغرائز" وليتأكدن أن الفتيات لا تزحزحن طرحة الرأس للوراء قليلاً أو لا تتزحزح هذه بفعل نعومة شعورهن.. نعم يستطيع نظام أن يلقي القبض علي ممثلات يحصلن لبلدهن علي جوائز بعد عودتهن من الخارج ويصدر أحكاماً بجلدهن لأن حجابهن لم يرق لمعايير الإدارة الأخلاقية في وزارة ثقافته وهي السلطة التي حكمت علي الممثلة الإيرانية
مرضية وفا مهر بالسجن لمدة عام والجلد 90 جلدة عن دورها في فيلم من إنتاج أسترالي إيراني مشترك- حصل علي كل التصاريح الحكومية اللازمة- وكان منتقداً للنظام وتم تصويره في إيران بعنوان My Tehran For Sale" " وحين تدخلت منظمة العفو الدولية تم إلغاء عقوبة الجلد في حالتها وتخفيف الحكم من سجن عام إلي ثلاثة شهور حيث قضت الممثلة أكثر من 118 يوماً في الحبس.
ماذا كانت جريمة مرضية؟
الظهور في مشهدين أحدهما بلا طرحة أي بلا حجاب للرأس والثاني تظهر فيه ممسكة بكأس أو كوب بما يوحي أنها تشرب الخمر. كانوا قد سجنوا أيضاً صانعي أفلام آخرين مثل مُجتبي مير طاهماسب ومهران زينات بخش وكاتايون شهابي وحكي منتجو الفيلم المذكور أن الحالات الوحيدة التي شهدوا فيها نساء بدون حجاب علي رءوسهن في الأفلام بعد الثورة الإسلامية كانت حالات اشترطت فيها السلطة حلق شعورهن تماماً ليسمحن بظهورهن سافرات فظهرن فعلاً " قرعاوات "!!
أما مجيد نفيسي فقد أعدموا أكثر من عشرة من عائلته وأقاربه وكان الدور عليه.
أعدموا: زوجته عزت طبايان التي كانت تدرس العلاج الطبيعي في الجامعة، ابنة أسرة عميدها سائق شاحنة ووالدتها تعمل بيديها لتوفير حياة كريمة لأولادها، وأعدموا أخاه سعيد نفيسي وابنة عمه- زوجة سعيد- فهيمة أخوات وزوج أخته حسين أخوات مُقدم وابن عمه صادق أخوات وابن عمه حسين أخوات- پوديهي.
تم إعدام صادق لمجرد أنه سافر إلي طهران ليعمل في مطبعة سرية تطبع المنشورات. كان من أوائل من تم إعدامهم من أقاربه بسرعة محزنة حيث تم إعدامه بعد يومين من القبض عليه. ولا توجد أية تفاصيل عن "محاكمة" عزت طبايان ولا عن التهم التي وُجهِت لها أو الدفاع الذي حظيت به. المواقع الحقوقية المعنية بحصر من تم إعدامهم تذكر أنه تم إعدام خمسين آخرين مع عزت يومها من بينهم امرأة أخري.
القدر الذي أجّل إعدام عزت عن صادق مكنها من زيارة قبره مع زوجها مجيد نفيسي الذي كتب كيف ستأخذ مشبك شعر من شعرها لتحفر علي قطعة حجر وضعوها عند جزء من المقبرة الجماعية" مقبرة الكفار"-كما اسماها النظام- النص التالي:
"صادق لقد عشت صادقاً كما يعني اسمك". لم تكن تتوقع أنها قريباً سترقد في نفس المقبرة التي سيحاول فيها أهالي الشهداء وضع شواهد قبور علي أي جزء يظنون أن أحبتهم فيه لتقوم فئة الحرس الثوري أي "پاسداران" ليس فقط بإزالتها أولاً بأول بل بتسويتها لاحقاً بالأرض.
عقب مقتل عزت كتب مجيد كيف كان الموت يراوده للذهاب حيث يكون معها.
ذات يوم سيوقف سيارة أجرة ليفاجئه السائق بسؤال: " هل أنت من منظمة پيكار؟" ولما أنكر قال له ذلك العميل / المخبر ما يفيد أنه مُختَطَف:" سآخذك الآن إلي الشرطة ".
كان عليه أن يتغلب بسرعة كما كتب في مقالات - علي "نكروفيليته" وترحيبه بالموت بعد قتل عزت. في لحظة فتح باب التاكسي المسرع وألقي بجسده في الشارع متوقعاً سماع أصوات رصاص.
مر مجيد - مثل حميه سعيد جواد - بحسد من نجحوا في دفن أحبائهم عقب الإعدام في الحديقة الخلفية لبيوتهم البسيطة.. سيسأل ويكتب في مقالاته "هل سيمكنني رؤية ثقوب الرصاص في جسدك؟"، "هل ما زلتِ تلبسين خاتم زواجنا بعد إعدامك؟"
حين اتصل والد زوجته به تليفونياً ليخبره أن عزت اتصلت به اليوم السابق رد مجيد بأنه يعرف وكان يشعر اليوم السابق في لحظة معينة أن قلبها توقف. قابل الرجل العجوز في مكانٍ عام وجلسا يبكيان بينما سلمه العجوز نسخة مُصوّرة وممزقة (قام مجيد بلصقها لاحقاً) من وصية عزت التي كتبت لوالديها وله الآتي:
الاسم: عزت طبايان
اسم الأب: سعيد جواد
شهادة ميلاد رقم 31171
" أهلا..
الحياة جميلة ومرغوبة. كغيري أحببت الحياة.
لكن يأتي وقت يتعين فيه أن نودع الحياة. بالنسبة لي حانت هذه اللحظة وأنا أرحب بها. لا طلب محدد لي. أريد فقط أن أقول إن جمال الحياة ومتعها لا يمكن نسيانهما وإن الأحياء يجب إن يحصلوا علي أكثر ما يمكن للحياة أن تمنحهم.
أبي وأمي الغاليان
أهلا..
في حياتي عانيتما كثيراً لتنشئتي. حتي اللحظة الأخيرة لن أنسي يديّ أبي الخشنتين ووجه أمي المتعب من العمل. أعرف أنكما فعلتما أفضل ما بوسعكما لأجلي. مع هذا يحين وقت الانفصال. لا مفر من هذا. أحبكما بكل كياني وسأُقبّلكما من طريق لا يمكنني رؤيتكما عبره. سلامي الدافئ لأخوتي وأخواتي البنات. قبّلاهم لأجلي. أحبهم. وفي غيابي لا تتألما لأجلي ولا تقسوا علي نفسيكما. حاولا الاستمرار في حياتكما بنفس الحب والطيبة المعتادين..وبلّغا سلامي لكل من يسال عني.
زوجي العزيز
أهلا..
كانت حياتي قصيرة و حياتنا معاً كانت أقصر. أتمني لو كنتُ عشت معك فترة أطول. لكن هذا لم
يعد ممكناً. أُسلّم عليك من بعيد جداً وأتمني لك حياة طويلة. لكن لا أظن أنك ستري وصيتي أبداً..... مع تحية لكل من أحببت وأحب وسأظل أحب.
خدا حافظ- بمعني الوداع ويحفظك الله-"
7 يناير 1982
رحل إلي الجبال مع أصحابه بعد قتل عزت. انفجر في البكاء وكتب 9 قصائد في ليلة واحدة.
قابل عصمت أم ولده آزاد بعد مقتل عزت بثمانية شهور والتي سينفصل عنها بعد وصولهما الولايات المتحدة بوقت قصير. عاشا في إيران في مأمن لستة أشهر وفي أبريل 1983 غادرا بلدهما بمساعدة الثوار الأكراد علي ظهور الخيول. كان معهما آخرون و يتحرك الجميع ليلاً كي لا يتم اكتشافهم. حمولة مجيد ثقيلة ومتواضعة: القصائد التسع التي كتبها عن عزت، صورة لها يضعها اليوم في بيته بأمريكا، صورة لشقيقه المغدور سعيد، جواز سفر أفغاني وبعض المال.
بعد زمن سيشاهد مجيد فيلماً في أمريكا - مهجره المختار - سيكون الأب سائق شاحنة مثل والد زوجته وستكون البطلة شابة مثلها.. سيري عزت في إحدي قريباتها الطفلات التي لها ذات العينين.. يوم الفيلم سينفجر البكاء وشلال الشعر كما حكي لأنه سيكتب في أربعة شهور 111 قصيدة ويقول عن هذا: "بدأتُ أدرك أنه كان عليّ مسئولية أن أكون صوتاً لرفاقي ممن سقطوا في هذه الثورة المسروقة إلا إنني يجب ألا أتجاهل محيطي الجديد بثقافته خاصة وأن ابني آزاد وُلِد في هذا البلد - سانتا مونيكا بأمريكا".
كانت لدي مجيد مشاكل في الإبصار من طفولته وفي أمريكا أخبره الأطباء أن ثمة نقاطاً علي القرنية ستتعاظم مشكلتها ولو أن الحالة مستقرة لكنه تسلق جبل "ويتني" وواصل الصعود رغم شعوره بالتعب وتبين أن الارتفاع أضر بما تبقي من النظر ليفقد إبصاره. الآن ضرير يتحرك وحده لكنه يري خيالات بعيدة ويعتمد في مراسلتي وفي الكتابة علي كمبيوتر ناطق كما يسجل أولاً قصائده لأية أمسية علي مُسجل مع سماعات في أذنه ويقوم بالإلقاء. قبل هذا بسنوات كان يعتمد علي عدسة تقوم بتكبير الكتابة لأكثر من ستين مرة. ربما لهذا جاءت إجاباته علي أسئلتي مختزلة جداً بالنظر لحجم ملحمة حياته وربما الأمر يتصل بالثقل النفسي للتجارب المأساوية التي عاشها فتبدو الردود أقرب للتليغرافات.
لم تكن لديّ أية وسيلة للوصول إلي مجيد نفيسي الذي عرفت باسمه من الإنترنت من سنوات بعيدة.. لكن عرفت من الشبكة العنكبوتية أن له ابناً شكّل فريقاً غنائياً ويستهويه الراب.. بحثتُ حتي بدأتُ تواصلاً معه ولا أمل عندي أن يلتقط الخيط حين كنت أعرفه بنفسي عبر صفحة للفريق
في فيسبوك فوعد بنقل طلبي إجراء حوار إلي والده المسافر وقتها. مر وقت طويل واعتقدت أنه لن يرد عليّ وعاودت الكتابة للابن علي صفحة فريقه "Azad Right" ثم دخلت مواقع إيرانية ثقافية وسياسية في المنفي (تتهمها السلطات بكونها "بهائية" و"صهيونية) ربما أجد خيطاً يوصلني بالشاعر شخصياً.. كانت أشعاره ومقالاته تملأ فضاء المواقع الإيرانية ووجدت ما بدا كعنوان بريده الإليكتروني من سنوات علي أحدها. بيأسٍ تام جربته وكررت طلبي إجراء حوار معه سيكون مشتركاً مع شاعر عراقي عاني أهوالاً عائلية مثله. لم أذكر اسم أي منهما للآخر ولم يسألني أي منهما عن اسم " الشاعر الآخر ". اكتفيت بذكر جنسية كل منهما للآخر. كنت علمت أن مجيد كان من معارضي خطف الرهائن الأمريكيين بسفارة بلدهم في إيران ومن معارضي الحرب العراقية الإيرانية، بل أكثر من هذا: أنه يري أن كلا الطرفين في بلده إيران.. المتدين والملحد يمجدان ثقافة الموت: إما عبر القتل أو مفهوم الشهادة. كذلك كنت علي علم بأن حميد كان قد خاض الحرب العراقية الإيرانية مُجبَراً حين هرب طلباً للجوء السياسي عبر إيران.
بدأ مجيد نفيسي- من مواليد أصفهان عام 1952- كتابة الشعر وهو في العاشرة تقريباً ثم أعطي كتاباً من شعره هذا الذي استلهم فيه " أغنية لنفسي " لوالت ويتمان (الذي يراه أعظم شاعر أمريكي علي مر العصور) إلي شقيقه حميد في عيد ميلاد شقيقه الواحد والعشرين. كان الراحل محمد حقوقي شاعراً وناقداً (1937-2009) وقد ألّف أكثر من 30 كتاباً من أهمها كتابه عن الأدب الفارسي المعاصر "مروري بر تاريخ وادبيات امروز إيران"- والذي يعد مرجعاً موسوعياً أُعيد طبعه مرات-. حقوقي كان مُعلّماً لشقيقه مهدي لذا أعطي مجيد كتابين من شعره لمهدي ليريهما لحقوقي الذي أصبح راعياً له.
كان مجيد من أوائل من حضروا لقاءات "جماعة أصفهان الأدبية" التي ضمت الكثير من الأعضاء من أهمهم هو و حقوقي، هوشانج جولشيري (روائي وناقد)، أبو الحسن نجفي(لغوي ومترجم وناقد أدبي)، جليل دوستخاه (ناقد أدبي). وفعلاً تم نشر إثنتين من قصائده في " جنگَ أصفهان " الدورية الأدبية الطليعية المستقلة في عددها الأول حيث كانوا ينشرون لهمينجواي ومحمد كلباسي وروبرت برين وسترافينسكي وجيرترود شتاين و واليس بيكن و م. رستميان وغيرهم. أصدرت " جنگَ " أحد عشر عدداً بصورة غير منتظمة من 1965 إلي 1973 حتي جاء عددها الأخير في عام 1981 .
إحدي القصيدتين كان بعنوان "بدرود" أو "وداعاً". يقول فيها مجيد:
" لم تعد لي سلامات
ولا رسائل لأرسلها
سأصبح ثوراً
وأحرث الأرض
تحت الشمس الحارقة
في الصحراء الكبري
وداعاً يا رفيق منتصف الطريق
اليوم انتهي
والغد أحمله
كعبء ثقيل علي ظهري."
ثم قام كورش طهباز بنشر أشعار مجيد في المجلة الثقافية المميزة "آراش" - آرش بالفارسية والتي قدمته للشاعر الإيراني الكبير والمعارض لحكم آل پهلوي أحمد شاملو 1925- 2000 الذي كان عضواً في حزب "توده" وتم سجنه أكثر من مرة قبل الثورة الإسلامية. كان شاملو يصدر مجلة "خوشه" بالفارسي أي "خوشيه" وقتها. "آراش" قدمته كذلك لشاعرة إيران الكبيرة فروغ فرخزاد. كان تأثير تقديم نفيسي لشاملو عظيماً إذ كان " بطله " وانفجر في البكاء وهو يمشي في ميدان بهارستان حيث مكتب شاملو. كتب قصيدة عن ذلك واصفاً حنو شاملو لمرأي دموعه وهو يتساءل "يا صغيري لماذا تبكي؟".وقد رأي رجل أحلامه الشعرية يقف بأكمام مشمرة يبتسم وتفوح منه رائحة
التواضع والحروف المطبوعة.
سيصدر إسماعيل نوريالا (نور الله) الشاعر والكاتب وأحد أبرز ممثلي "موجة الشعر الجديد "في إيران (كتيب الشعر) أو "جزوه شعر" مشتملاً علي ثلاثة شعراء جدد مهمين: بيجان إلهي، أحمد رضا أحمدي ومجيد نفيسي. كان الثلاثة قد عُرِفوا بكونهم ممثلي "الموجة الجديدة" أو "موج نو". وتركز بعض المصادر علي كون أحمدي كان العنصر الأهم لكن أغلب أعضاء الحركة كانوا يكتبون الشعر كنثر الآن. كان لكل من الثلاثة أسلوبه الخاص مع ملامح سريالية قليلة. بالنسبة لنوريالا كان شاملو الوحيد الذي هجر أو خرج عما عُرِف ب "الشعر النيمائي" نسبة إلي الشاعر الكبير نيما يوشيج. أما "جزوه شعر" فشملت أعمالاً لشعراء ينتمون لحركتين حداثيتين جديدتين هما "موج نو" و" شعر حجم"، وتلك الأخيرة وُلِدت علي يد "يد الله روياعي" الذي كان عضواً في حزب "توده" الشيوعي وعاني السجن لذلك أيام الشاه. روياعي كان قد ابتعد عن مبادئ " الحركة الشعرية الجديدة " أو " موج نو " مؤسساً مدرسته الشعرية الجديدة وللحق فإن أغلب الشعراء الذين صاروا من مشاهيرالرموز الأدبية لذلك الجيل يدينون بظهورهم وتواجدهم لصفحات دورية "جزوه شعر" كما يؤرخ لذلك نوريالا.
بعد هذا قام الناشر المشهور أمير كبير بنشر أول أعمال مجيد "في جلد النمر" أو "در پوست ببر" عام 1969 ثم نشر مجيد كتابه النقدي " الشعر كبناء" أو "شعر به عنوان يك ساخت" العام التالي وساعده هوشانج جولشيري لطبعه في أصفهان ثم أصدر كتاباً للأطفال عن أصل اللغة بعنوان "سر الكلمات" أو "راز كلمه ها" عام 1971 عن "مركز التنمية الثقافية للأطفال والمراهقين" وفاز
بجائزة الكُتّاب الملكية وقتها في عهد الشاه.
في الولايات المتحدة اشترك مجيد مع عدد من الشعراء والكتاب الإيرانيين في المنفي في إصدار دورية "كراسات السبت" "دفتر ها شنبه" أو "نوت بوگ شنبه" عام 1996 مع المناضل الراحل منصور خاكسار الذي عاني من سجون الشاه لماركسيته. منصور كان قد ترأس المجلة الصادرة عن "هيئة الكُتّاب الإيرانيين في المنفي" وقسم الشعر في مجلة (آرش) بالفارسية أي (آراش) بطبعتها في باريس قبل أن ينتحر في المنفي. مجيد شغل منصب نائب رئيس تحرير دورية "دفتر هاي قانون" عن هيئة الكُتّاب المذكورة.
أصدر مجيد بالإنجليزية ديوان "حذاء ملوثٌ بالطين"1999وهو مختارات مترجمة لأشعاره الصادرة بالفارسية في سنوات سابقة وأصدر "أب وابن" 2003.
منذ عام 1990 اشترك مجيد في 12 سباق ماراثون أُقيم بلوس أنجيلوس ودائماً كان يصل لخط النهاية. أثناء الجري أو التريض علي دراجته الواقفة في بيته يأتيه الشعر كما يقول فيتطهر ذهنه ويصفو.
تم حفر مقطع من قصيدته الطويلة "آه يا لوس أنجيلوس" في الساحات العامة في شاطئ ڤينسيا بالمدينة وفي ستوديو سيتي بولاية كاليفورنيا. تم اختياره كمُحكّم في مسابقات Inter board Poetry Community عام 2009 ومُنِحَ جوائز بدوره في مسابقتين شعريتين إحداهما بعنوان "شعر في النوافذ" والأخري حملت عنوان "الشعر والوصفة" التي ينظمها Writers At work في لوس أنجيلوس.
أصدر أكثر من 20 كتاباً ما بين دواوين شعر وكتب مقالات ويحب الشعر الفارسي الكلاسيكي مثل الفردوسي وحافظ والخيام والرومي وسعدي بالإضافة لأسماء الرموز الشعرية الشهيرة التي يعشقها: أحمد شاملو وفروغ فرخزاد وسُهراب سپهري، وهناك العديد من الأعمال بالإنجليزية تناولت إنتاجه الشعري أو ضمت نماذج شعرية له والتعريف به..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.