«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والغرب
لقاء مع جاك دريدا

هذه فصول من كتاب " الإسلام والغرب"..حوار مطول قام به الفيلسوف الجزائري مصطفي شريف مع جاك دريدا. الكتاب عبارة عن حوار مطول ونقاش جمع المؤلف مع الفيلسوف الفرنسي عاما قبل وفاته في معهد العالم العربي بباريس في ربيع 2003 علي هامش اختتام سنة الجزائر في فرنسا خلال ملتقي خصص لتكريم كبار الوجوه التي كان لها دور في الحوار الحضاري، وهو عبارة عن شهادة عصرية تتناول العديد من المسائل ذات العلاقة بمشاكل العصر مثل الحوار بين الحضارات، العولمة، أسباب العنف والتطرف في العالم. في الكتاب، تحدث الفيلسوف الفرنسي الراحل كجزائري مازال يحتفظ بفضل اللغة العربية التي طبعت طفولته عندما كان يستمع لتراتيل الصلاة الإسلامية التي تشبه الموسيقي. دريدا أكد تمسكه بجزائريته كواحد جاء قبل الاستعمار بحيث كان من اليهود الذين تجنّسوا بالجنسية الفرنسية طبقا لقانون كريميو عام 1870 ويعترف بالدور الذي قدمته الثقافة الجزائرية لاحتضان هذه الشريحة طيلة عقود من الزمن. ويري جاك دريدا أن من أسباب العداء الأبدي بين المسيحيين والمسلمين، هو تمسك كل طرف بنظرته المسبقة للأشياء. ويري أن الديمقراطية يجب أن تخرج من إطار القطرية والمفاهيم الجاهزة نحو مفهوم "المستقبل" كما يري أيضا أن مستقبل الحوار بين الطرفين يجب أن يخرج من إطار الثنائيات الاقصائية نحو فضاءات أرحب تبحث في المساحات المشتركة والأطر التي يمكنها أن تسع كل الأطراف.
لا أستطيع إلا أن أضيف : نفهم ما يقوله بسهولة. في هذا المعني وللدخول إلي نقاشنا، إلي ما يلمس انشغالاتنا المشتركة، إلي الموضوع الذي يجمعنا، حاولت أن أبين من وجهة نظري أن الحضارة تنتمي إلي الجميع ولا ترجع إلي فرد بعينه. من اللازم أن تكون كل حضارة حقيقية، وهي متعددة وعالمية، مقبولة للجميع. علي أقل تقدير، تمثل الشعوب الأغريقية والعربية واليهودية ثلاث لحظات تاريخية عظمي في حضارة البحر المتوسط. في الأمس، ساهم الإسلام في تكوين الحداثة ومقدرتها علي التحرير، فيما وراء انحرافات البعض، واليوم، من الممكن أن يساهم أيضا في البحث عن آفاق جديدة : لماذا لم يزل البعض ينغلق حتي اليوم في بناء صورة اختزالية عن الإسلام وثقافته، ويعارض بمنهجية ثقافة الشرق، التي يعدها "نامية" بالمقارنة بثقافة الغرب، "المتقدمة"، حسبما تقسيماته المتعسفة، ويدعي أنه المتمدن الوحيد، باحثا دوما علي فرض قيمه بالقوة ؟ هل من المنطقي معارضة عالمنا ؟ كيف تتأسس مسئوليتنا اليوم قبالة ماضينا ومستقبلنا ؟
قاطعني بلطف وقال : "بالنسبة إلي هذه الأسئلة، وكما أفترض بالنسبة لمن تتبعها، تمنعني صعوبتها وأهميتها من الاجابة عليها جبهويا وباستيعاب كلي. في كل مرة، أحاول، خلال نقاشنا، أن أجد خطا مائلا كي أتبعك أو أن أردد ذهنيا علي الأقل الأسئلة التي تطرحها علّي. في بادئ الأمر، أعتقد في الواقع أنه من الظلم معارضة الثقافات، وأكثر من ذلك أيضا، من الظلم ومن غير المقبول، لأي من كان، أن يفرض رؤيته والتقسيمات المشكوك فيها بالعنف، الكولونيالي، الامبريالي أو غيره. أنا متفق معك علي ضرورة الإلتزام بتفكيك البناء الأوروبي لموضوع الإسلام. المقابلة المتحصلة اتفاقيا بين الاغريق واليهود والعرب مشكوك فيها. نعرف جيدا أن الفكرين العربي والاغريقي امتزجا، في لحظة تاريخية معينة، بحميمية، ويتمثل أحد أول واجباتنا إزاء ذاكرتنا الثقافية والفلسفية في ايجاد التطعيم (Greffe) وهذا الإخصاب المتبادل، من الوجهة الفلسفية، بين الاغريق والعرب واليهود. أفكر في اسبانيا. أجد أن عائلتي سكنت الجزائر قبل الاستعمار وقدمت علي الأرجح من هذه الاسبانيا، التي شهدت الفكر الاغريقي والفكر العربي والفكر اليهودي الذين امتزجوا بحميمية بالغة. وأعتقد أن احدي مسئولياتنا نحن كبار المثقفين، اليوم، تتمثل في إيجاد هذه المنابع وهذه اللحظات حيث أن هذه التيارات، بدلا من مقابلة كل واحدة بالأخري، مخصبة بالتبادل. من جهة أخري، لا أقابل الشرق بالغرب، علي وجه الخصوص لما يتعلق الأمر بالجزائر. في البداية، الثقافة العربية والاسلامية أو العربيةالإسلامية للجزائر والمغرب هي ثقافة غربية. هناك صور عدة للاسلام، وهناك صور عدة للغرب".
أجبته : "في الواقع، هناك مظاهر مشتركة يريد البعض أن ينكرها أو يمحوها، ولكن هناك أيضا اختلافات بين الثقافة العربية الاسلامية والثقافات اليهوديةالمسيحية والاغريقية الرومانية، أو كافة ثقافات العالم الأخري، أنه ليس نفس المسار، نفس التجربة، أيا كانت الروابط والتشابهات علي أكثر من مستوي. اسمح لي أن أسطر بأننا، علي المستوي الداخلي، رغم المظاهر وانحرافاتنا المقلقة المعاصرة والأثقال المعوقة، لا نمتلك نفس المشاكل مع الغير، العالم، الدنيوة ((Secularisation والعلمانية علي سبيل المثال. نظرا إلي مرجعياتنا، هذا يجب أن يتأتي من الداخل، أو علي أي حال، طرح مشكلات أقل عن نطاقات ثقافية أخري وعن أديان أخري. تناقضات وتفككات بعض الأنظمة العربية القديمة، من جهة أولي، وتناقضات وتفككات الحركات المتطرفة السياسية الدينية، من جهة ثانية ، كما تعرف، ليست من الإسلام، ونحن راضون بموضوعيتك النموذجية. فيما وراء المظاهر المشتركة للديانات التوحيدية و، في الأمس، الاسهامات المتبادلة لصالح الحضارة العالمية، بحيث يجب تقويم وحفظ واحياء، من وجهة نظري، الإسلام الفريد بعمق . تبعا لذلك، ما يثير دهشتنا في ضفة الجنوب، يتمثل في أن الخطابات العقلانية المسيطرة المضادة للأديان، الخطابات الإلحادية، تسلط علي الإسلام نقداً غير ملائم ونماذج غير وافية، مثل المطبقة علي المسيحية والأساطير والمعتقدات الأخري. الغرب، وان ساهم في أشكال التحرر، يطالبنا أن نصطف أمام نموذج منزوع عنه صفة الإنسانية، يتبدي مزدوجاً، مثل صورة يانوس (3)، وغير متوازن، محرر الي حد ضعيف، بالنسبة لنا ، مؤسس علي بديهية غريبة. للايجاز، سوف يكون العالم الوحيد الذي اختار الوظيفة المنطقية ضد البعد الأسطوري. وألصقه، هذا الأخير، إلي كل ما لا ينتمي الي نظام العقلانية الضيقة. وكذا مقابلة أشكال الحياة وقيم الشرق، مثل ثقافة الإسلام التي، علي الرغم من أن شطط بعض "المسلمين" أو المنتسبين الي الاسلام، أثبت بلا تحفظ توجهها نحو الحق. ليس فقط كون عدم الفهم يتجاوز الحد، يتبدي الإسلام كأنه غريب، ولكن أيضاً، لم يزل للعقل الحديث صعوبات عظمي لتوضيح وحل أسئلة اختبار الحياة، من نحن ؟ لم نحن مقدرون ومحل اختبار ؟ كيف نتعلم الحياة، علي وجه التحديد في اطار الخروج من دين الحياة ؟ بحيث تتحدث الحداثة، مثلا، عن الطبيعة، عن المعطيات الموضوعية، عن الكون بدون ذريعة وبدون هدف، بدلا عن الكلام عن العالم المخلوق، المنظم، العلامات المرئية وغير المرئية، لا تقلقنا بأي صورة من الصور. اليوم، نحن، بالأخص، متمردون، مصدومون، محبطون بعمق، من رؤية الثورة، الثورات، وعود التقدم، تحولت إلي تهديدات، إلي صورة منزوع عنها طابع الإنسانية، وفي نفس الوقت نرفض الاستماع الي ترجمتنا عن الإنساني. اذا انتقدنا، الأكثر سلمية في العالم، الأكثر طبيعية في العالم، ثانية واحدة، الانحرافات، الأكاذيب، الرياء، الصور الهجينة، القانون الأكثر قوة، سوف تنغلق الأبواب ونصبح متهمين بكل الشرور. ومع ذلك، في نفس اللحظة، ننتقد، أيضا، تناقضاتنا، تناقضاتنا التي تتفاعل بطريقة لا عقلانية، غامضة وعبثية بالنسبة لصعوبات الحياة، بالنسبة للسياسات ذات الثقلين، ذات المكيالين، بالنسبة لرفض الحوار والتفاوض. الاستغلال الوقح لهذه التفاعلات العمياء، لكي تخزي الآخر وتستمر في رفض الحوار والعدالة، لا نطالب بعالمية الديموقراطية، الحوار والتفاوضات، في المصلحة المتبادلة، لأننا نعرف أننا مبحرون، مأخوذون في نفس التيار. الديموقراطية، علي مستوي العلاقات الدولية، وهي أملنا، تحدد بطريقة حاسمة الأوضاع الداخلية والعلاقات بين الشعوب، فيما وراء النوعيات. بالتالي، أين هي الديموقراطية العالمية والحوار، حيث إن كثيرا من الدعوات تردد حتي الشبع الكلمات ؟
يجيبني ديريدا بلطف، ولكن بصرامة أقل : "كل ما أسميته عالمية الديموقراطية، مفهوم صعب جدا الاحاطة به، يفترض أن نفكر في الديموقراطية بطريقة مغايرة كما نموذج نظام سياسي محدد. أعتقد أن هذا يميز فكرة الديموقراطية عن جميع أفكار النظام السياسي، الملكي، الأرستقراطي، الأوليغارشي، الخ، بمعني أن الديموقراطية هي النظام السياسي الوحيد، نموذج بدون نموذج، يوافق علي تاريخيته، أي سيرورته، يوافق علي نقده الذاتي، يوافق علي اكتماليته. لديك كل الحق، هذا حقك الديموقراطي في نقد صور نقص، تناقضات، عدم اكتمالية نظمنا. أن تحيا في ديموقراطية، أي أن توافق علي الاعتراض، وأن تكون محل اعتراض، أن تعترض علي حالة الفعل، المسمي ديموقراطي، باسم ديموقراطية مستقبلية. ولهذا أتحدث دوما عن ديموقراطية مستقبلية. الديموقراطية، دوما، مستقبلية، أنها وعد وباسم هذا الوعد من الممكن دوما أن تنتقد، وتبحث عن ما هو معطي من الديموقراطية كفعل. تبعا لذلك، أعتقد أنه لا توجد ديموقراطية مطابقة لمفهوم هذه الديموقراطية المستقبلية. ولذا، من الواجب أن يتوفر الحوار فيها، بما أنك تتكلم عن غياب الحوار، لا يمكن أن يكون له مكان إلا في انفراجة هذه الديموقراطية المستقبلية، حيث يظل الحدث والوعد أمامنا. ، في كل لحظة، من النقد. الديموقراطية نظام اجتماعي، لكل مواطن يعيش فيه الحق في نقد، باسم الديموقراطية، حالة الأشياء المسماة ديموقراطية. وفي هذا الشكل نتعرف علي الديموقراطية. الحق في قول كل شئ، الحق في نقد الزيف أو الديموقراطية المزعومة، باسم الديموقراطية المستقبلية. مفهوم الديموقراطية، واسمها، يتأتيان بداية من الثقافة الاغريقية، ولا أحد يستطيع إنكاره، وهذا ليس من قبيل النزعة الاغريقية المركزية، أو من النزعة الأوروبية المركزية سوي القول أن الديموقراطية تتأتي من الثقافة الاغريقية. ولكن الثقافة الاغريقية ضمت، منذ البداية، مفهوم الديموقراطية الي مفاهيم أخري تعمل الديموقراطية المستقبلية علي التحرر منها : مفهوم الموطن الأصيل، أي الميلاد علي الأرض، أي الإنتماء عبر الأرض، مفهوم الأرض، مفهوم الدولة نفسه. ليس لدي شيء ضد الدولة، ليس لدي أي شيء ضد المواطنة، بيد أنني أتجاسر علي الحلم بديموقراطية غير مرتبطة ببساطة الي الدولة الأمة وإلي المواطنة. وبهذا الشرط سوف نتحدث عن ديموقراطية عالمية، عن ديموقراطية ليست فقط كوزموبوليتانية ، وانما عالمية. بالتأكيد، الكوزموبوليتانية تصور جدير بالاحترام للغاية، غير أنها تستدعي مع ذلك مفهوم الأمة والسياسة المرتبط بدوره بمفهوم المدينة Polis ، مثل دولة أمة وأقليمية Territorialite. فيما وراء النزعة الكوزموبوليتانية، هناك ديموقراطية عالمية، تمضي جيدا إلي ما وراء المواطنة والدولة الأمة. بالتالي، أعتقد أن حوارا سينفتح بين ما تطلق عليه غربا وشرقا، بين مختلف النطاقات الثقافية ومختلف النطاقات الدينية في العالم، إذا كان هناك تبادل، عبر الكلام، عبر الفكر، وليس عبر القوة، إذا كان التبادل، بدون اللجوء إلي القوة، ممكن، من اللازم أن يتحقق في أفق هذه الديموقراطية المستقبلية، غير المرتبطة بدولة-أمة، غير المرتبطة بالمواطنة، بالاقليمية. هو ذا شرط الكلام الحر، للتبادل، الذي أطلقت عليه حوارا. أستعمل قليلا كلمة حوار، حيث أن الدلالات الاضافية التعسفية أحيانا تكون معروفة. أقول الكلام الموجه للآخر المعروف كآخر، المعروف في غيريته Alterite . هذا الكلام الموجه للآخر يفترض حرية قول كل شيء، في أفق ديموقراطية مستقبلية غير مرتبطة بالأمة والدولة والدين، غير المرتبط بدوره باللغة. بالطبع، من اللازم معرفة وإحترام ديانة الآخر، وكذا الاصطلاح التعبيري اللغوي للآخر. غير أنه من اللازم أيضا ترجمة، أي إحترام الاصطلاح التعبيري للآخر و- عبر هذا الإحترام المرور الي المعني، وهذا يفترض ما أسميته الديموقراطية العالمية. عبر هذا الاحترام، نمضي إلي المعني، مما يفترض بالتالي ديموقراطية عالمية، أي ديموقراطية فيما وراء سيادة الدولة الأمة، الإقليمية، فيما وراء الاقليمية، وفيما وراء كافة التقنيات الحديثة التي تسمح بالضبط بتجاوز الحدود الاقليمية للتواصل، إلتي تنفتح علي قانون دولي جديد. لهذا، أنظر ملياً إلي حاجتنا الي قانون دولي جديد. وحتي يكون الحوار الذي دعيت اليه ممكنا، بدون قيود، بدون استعمال القوة، نحن في حاجة الي قانون دولي حقيقي، وكذا الي مؤسسات دولية متجددة، محترمة، قادرة علي فرض قراراتها، تعرف أن الأزمات التي نمر بها، قبل أي شئ، هي أزمات قانون دولي، أزمات سيادة مرتبطة بفقدان سيادة الدول الصغيرة وتعسف سيادة القوة الكبري في آن معا. أضع سؤال سيادة الدولالأمة في قلب نقاشنا وأعتقد أن ما أسميته عالمية الديموقراطية من الممكن أن تجعل ما أسميته حوارا ممكنا، الذي ينقصنا اليوم، وهذا يمضي عبر قانون دولي جديد".

أخبرته بشئ عن قلقي . علي اعتبار أننا مثقفون، ببساطة كائنات انسانية، نحن قلقون، نلاحظ أن العالم الحديث، الذي نصبو إليه، موسوم بعدد من الانحرافات. نعرف من جهتنا أن في ضفة الجنوب مقاومات للتغيرات، رفض لدفع الفواتير، وانحرافات تحت أشكال أخري، انحرافات الإنغلاق، سواء كان سياسيا، اجتماعياً أو ثقافيا.ً أحيانا، يتعلق الأمر بمعارك المؤخرةArriere-garde . من الضروري أن نرتضي التطور، غير أننا نمتلك، كما أعتقد، حق الوقوف ضد تسلط نموذج ظالم. كونيا، لا خيار لدينا، الحداثة لا يمكن تجنبها، الا أن لدينا الحق في نقد والسعي إلي تصويب، وتقويم وتعديل ما يتبدي لنا مخالفا لمصالحنا وقيمنا. من الواجب أن نضطلع بمتطلبات العالمي، بدون أن نفقد فجأة معالمنا. الرهان ضروري.
"كيف نكون حديثيين بدون أن نفقد جذورنا ؟". كيف نرتضي بالتقدم تحت النموذج العالمي ونكون يقظين قبالة بعض انحرفات اللا عقلانية ، الناجمة عما أسميناه، اقتصاديا، الليبرالية الجديدة أو سيطرة الربح لأجل الربح التي تضر بمفهوم العدالة، ومن ثم، علي سطح المعني، "خروج الدين من الحياة"، أو نهاية الأخلاق الموروثة من قبل التوحيد، وضعية تضر بالأخلاق والهوية ؟
تعمم الحداثة هيمنة العقل، الدنيوية وتحرر الطاقات : أمر ايجابي. ولكن ثلاثة انحرافات من جملة هذه الانحرافات يتبدي لي أنها تستلزم اجابات، ملطفات وبدائل، اذ أنها موسومة باختلالات وتناقضات المستويات، أخلاقية لأجل التوازن الانساني، في حين أن الاسلام يبحث عن التمفصلات، التماسك والتوازنات، لئلا يتم الخلط اطلاقا بين مختلف المستويات ودائرة الحياة. علي سطح المعني، النقطة المثيرة للقلق هي الأخلاق. هناك روابط بين مفهوم المواطن الحديث والمعني الذي يجمع بين شعوب الديانات الثلاث، والمسلمين علي وجه الخصوص. ليست نهاية العالم، وانما نهاية عالم.
كيف نبتكر حداثة تتخلص من كل انغلاق وعبادة أوثان، بالربط بين الزمني والروحي ؟ اذ أن، اليوم، ظاهريا، الحداثة ليست ببساطة الدنيوة، العلمانية التي يحثنا دريدا عليها، وانما نزع طابع الانسانية، محو الروحانية، الغاء الدلالة. علي السطح السياسي، الجسد الاجتماعي، تحت نير الرأسمالية، محمل بمستوي القتل. هذا النزع للتسييس، من وجهة نظري، لا مثيل له : يعيد اتهام امكانية صنع التاريخ، أن نكون شعبا مسئولا. في العالم المتقدم، رغما عن النقاشات، عن شرعية المؤسسات، عن هيمنة حقوق الانسان، امكانية العيش كمواطن مسئول، مشارك في البحث الجمعي والعام عن العدل والجمال والحق، يتبدي أكثر فأكثر اشكاليا. لا نمتلك وجودا سياسيا بالمعني الحديث ولا بالمعني الابراهيمي. إنها وضعية متفاقمة من خلال ممارسات الأقوياء الشرسة وردود الأفعال الاستشهادية للضعفاء. علي سطح المعرفة، من وجهة نظري، ننضم الي اتهام امكانية التفكير، والتفكير بصورة مغايرة. تهدف العولمة الي السيطرة علي كل شيء بواسطة الاستغلال الجيد للعلوم الرياضية، المدركة بكونها العلوم الملائمة للتطور، وذي شكل من أشكال النزعة العلمية. ويعتبر اختزال قابلية الارتضاء بالتفاعل الثقافي وتفاعل الأنظمة والانحرافات المادية في استغلال الطبيعة من آثارها.
وتبعاً لذلك، أسألك بصيغة جوهرية : تعد ثلاثية "النزعة العلمانية، النزعة العلمية، الرأسمالية"، صور الغرب الحديث، وتتبدي لنا كمصادر عدم التوازن، والمشاكل العميقة، كيف السبيل الي مواجهتها ؟
"سوف أمنح وضعاً مميزاً، كما قال، لسؤالك عن هذه الكلمات الثلاث التي جمعتها تحت مسمي الثلاثية الغربية، لا أعرف ان كانت هذه هي الثلاثية الغربية، ولكن علي أي حال سأحفظ هذه الكلمات الثلاث، سوف أقرأ هذه الكلمات الثلاث : النزعة العلمية، النزعة العلمانية، الرأسمالية. في بادئ الأمر، النزعة العلمية، شيء بغيض، ليست العلم، العلماء، أناس العلم. الممارسة العلمية "مسلوخة" من العلم. النزعة العلمية، تأكيد وضعي للسلطة العلمية، وليست المعرفة ولا العلم. بالتالي، النزعة العلمية أمر سئ. بالمقابل، النزعة العلمانية، أعتقد أنها تستدعي تغيراتها، وأعتقد أن هذا الشأن يجري في فرنسا اليوم. أري الي أن الديموقراطية، التي تكلمت عنها قبل قليل، تفترض العلمانية، أي تحرير السياسة من الثيوقراطية والتيولوجيا في آن معا، وبالتالي شيئ من دنيوية السياسة، وفي نفس الوقت، بطبيعة الحال، وبطريقة متماسكة، ناتجة عن حرية العبادة، الحرية الدينية المطلقة، التي تضمنها الدولة. بالطبع وعلي شرط أن الفضاء العلماني للسياسة والفضاء الديني غير ممتزجين. أري الي أنه من اللازم اليوم ألا تمتلك العلمانية هذا النوع من الاكراه الحاد مع نفسها وأن تكون أكثر تسامحا مع الثقافات الدينية ومع امكانية أن تكون الممارسات الدينية مؤكدة بحرية ، بدون غموض وبدون لبس. بطبيعة الحال، الفرد مستقل في مجتمع ما، ولست متأكدا من معرفة ماهيته بصورة جيدة. الفرد المستقل، ذات تمنح قانونها بنفسها، ذات مطلقة، وهنا أيضا سأعمل علي أن أوضح كون الحرية، حرية الفرد تفترض أيضا نوعا من التبعية، أي تفترض نوعا من قبول قانون الآخر. القانون، دوما، قانون الآخر، بطريقة ما. غير أن هذه التبعية لا تفترض أي استعباد، والطائفة الدينية من الممكن أن تنظم صفوفها، كطائفة دينية، في الفضاء العلماني، بدون أن تجتاحه، باحترام حرية الفرد. بقول آخر، شخصيا، ولكن ربما أكون بصدد ترجمة رد فعل فطري شخصي، اذ أنني دوما قاومت نزعة الطائفة الدينية، أي شكل الطائفة القطيعية، التي تضطهد الفرد، وتمنعه من التصرف كمواطن. من الممكن أن يكون المرء دينيا، أليس كذلك، ومن ناحية أخري، أتفاعل كمواطن علماني، وبدون الشعور بكوني فردا من قطيع الطائفة الدينية. تتحدث، اذا، عن الروابط بين المستويين. يتمثل ما هو صعب فصله في اشكالية ما هي عليه فرنسا اليوم، ولكن ليست فرنسا بمفردها. أنها مشكلة الفصل السلمي والممكن بين حرية الفرد أو المواطن، وانتمائه الي طائفة دينية، بدون أن يكون الانتماء الي الطائفة الدينية تعسفيا، مكتسحا أو قمعيا. وأعتقد بمسئولية الدولة، لأن كل ما قلته لتوي حول موضوع أفول أو أزمة الدولة الأمة المطلقة لا يمنعني من التفكير في احتياجها الي الدولة، ولست مناهضا للدولة. أطرح علي نفسي أسئلة حول موضوع سيادة الدولة وأصلها، زد علي ذلك أنها نفسها تيولوجية. أري الي أن مفاهيم السياسة التي نحيا عليها هي مفاهيم تيولوجية ذات طابع دنيوي، وبالتالي أطرح علي نفسي أسئلة حول الأصل الديني لفكرة السيادة وحتي فكرة الدولة، ولكن بطرح هذه الأسئلة، لا أقف قبالة وفي مواجهة ضرورة الدولة. الدولة، في بعض الظروف وهي هذه الظروف الواجب تقويمها في كل مرة، هي هذه الظروف الواجب أن تأخذها بجدية -، الدولة من الممكن أن تكون ضامن العلمانية، أو ضامن حياة الطوائف الدينية، الدولة من الممكن أن تقف قبالة القوي الاقتصادية، قبالة التكتلات الاقتصادية الطاغية، قبالة القوي الدولية المرتكنة علي قوي اقتصادية. تبعا لذلك، لا أعتقد أن الدولة شريرة بذاتها، وان تابعنا بلا توقف طرح أسئلة سيادتها، أصولها النظرية الجوهرية، وهي ذو صعوبة، ما أطلقت عليه التفكيك، أي اجراء هذين الفعلين في آن واحد : طرح الأسئلة، علي سبيل المثال حول الجينيالوجيا التيولوجية لمفاهيم السياسة التي تنظم الفكر الغربي، الفكر الأوروبي علي وجه التحديد، من جهة أولي، وحفظ بقاء هذه المفاهيم التي نحن بصدد طرحها أسئلتها وتفكيكها، في سياق محدد، قابل للتحديد، من جهة ثانية. بطبيعة الحال، لن نتجنب هنا الأسئلة التي طرحناها، الأسئلة التي تتموضع بين الغرب، ما أطلق عليه الغرب، وهو تصور من اللازم تقسيمه الغرب الأوروبي ليس هو الغرب الآمريكي -، والشرق، الواجب أيضا تقسيمه، لأنه ليس ببساطة العالم
العربي-الاسلامي فقط. ومع ذلك، في هذه الأسئلة، أفكر في كون شرط ما أسميته حوارا، الكلام الموجه للآخر بدون عنف، يتمثل في القبول المشترك لهذه الديموقراطية المستقبلية التي تكلمت عنها من فوري، التي تفترض التفكيك، السؤال التفكيكي المطروح حول سيادة الدولةالأمة، الدنيوة الأصيلة للسياسة، أي الفصل بين الثيوقراطي والسياسي. أعتقد أننا يجب، وهنا أتكلم باعتباري فرنسيا، غربيا، فيلسوفا رغم كل شيء غربيا، أعتقد أننا من الضروري أن نتأمل أثرنا الأول الذي يرمي الي أن نرتبط بما هو داخل العالم العربي والاسلامي علي أمل تطوير فكرة دنيوة السياسة، فكرة الفصل بين الثيوقراطي والسياسي. وهذا بالتأكيد من خلال احترام السياسي ولأجل الدمقرطة، كما هو الحال لأجل احترام العقيدة والدين. من الناحيتين، ننجح في التوصل الي الفصل بين الثيوقراطي والسياسي. وبالطبع، يفترض تغير مفهوم السياسة، وعلي وجه الخصوص التساؤل حول ما أطلقت عليه دنيوة هذا المفهوم، مفهوم السياسة، الذي يظل من بين العديد من المفاهيم، الأكثر جوهريا في الفكر السياسي، الغربي، والذي يعتبر تيولوجيا كليا".
في هذه اللحظة التي أخذ يتكلم فيها عن الرابطة، الموضوع الذي يثير اعجابي، لكي يستطيع أن يحقق الترابط المنطقي بين التقدم والنوعية، قررت أن أبلغ السؤال الجوهري عن العلاقة بين الأصالة والتقدم.
علي السطح الثقافي، نعرف أن هوية واحدة غير مجمدة. أنه تعبير العلاقة مع الزمن، مع الفضاء، مع القيم. نحن الآخرين، المسلمين، نحاول أن نربط، أكثر من الآخرين علي ما أعتقد، ما نطلق عليه القيم الدائمة التدفق بالقيم المتطورة، بالتالي الأصالة والحداثة، أنه همنا وتحدينا. تسمح القيم الروحية وتجربة العقل النقدي لنا بالحفاظ علي اشارات مفتوحة علي علاقاتنا مع الآخر، علاقاتنا مع العالم، العلاقة مع الذاكرة، مع التطور، مع الحياة والموت.
ومع ذلك، الجزائر، علي سبيل المثال، التي تحتل موقعا جيوسياسيا مميزا كمفترق طرق والتي دفعت دوما ثمنا باهظا لكي تكون حرة، بلد عربي ومسلم ومتوسطي أيضا، وقد فقدت كثيرا من تابوهاتها، جديرة بأن تحقق توليفة مأمولة تجمع بين الحداثة والأصالة. اليوم، نريد أن نضطلع بمتوسطيتنا، عالميتنا، مع اليقظة بأن لا نفقد عددا من معالمنا المرتبطة بالجذور، بارثنا التاريخي والحضاري. لا حضارة ولا مجتمع يستطيعان العيش في ظل نظام اكتفاء ذاتي، في انغلاق، ومرجعيتنا تتطلب، وليس فقط تسمح، باستقبال واحترام الآخر المختلف. ولهذا السبب نحن مرتبطون بقوة بالضيافة والتبادل والمفاوضة والنقاش المتعارض. وعبر الحوار نكتشف معتقدات الآخرين ونراجع مصداقية مشاريعنا. لا شيء معطي سلفا : لا الحداثة ولا المعاصرة. وهذه العلاقة بين الحداثة والمعاصرة، الوحدة والتعددية، المردودية العلمية الحديثة والقيم الأخلاقية، علاقة تؤسس مجتمعا.
بالتأكيد، من الصعب الربط بين المعني والمنطقي، وربطهما معا. دوما ندوالهما. لا نريد أن نتخلي عن امكانية الحفاظ علي الأخلاق والقيم والواجبات الأدبية. اذ أن الحرية، المعني والعدالة، بالنسبة لنا، ألفاظ مترابطة. وهذا يعني أننا نعتقد بقوة، كما سطر جاك ديريدا، أن التعددية، اختلاف الثقافات وأنماط الحياة تستحق أن تكون مصونة ومحفوظة حية. نعتقد أن التقدم كلي أو لا تقدم. يري الاسلام الي أن الانسان كل، والانسان يري نفسه كمقاربة كلية ومطلقة لهذه الكلية، وبالمحافظة، نظريا، علي هذه الكلية، يجازف أن يغلق عليها كافة الأنساق والأصول.
من الممكن أن يساهم الاسلام في البحث عن عالم متوازن، أي غير منزوع الطابع الانساني عنه، أكثر عدلا وأكثر رشدا. يتموضع أيضا قبالة الالتباس القائم بين السياسة والدين، غير أنه لا يتناولهما من وجهة النظر القائلة بأن الحياة الحديثة لا تتحول الي شيء لا ديني، شيء لا سياسي، وكل شيء سلعة. الاسلام شريك غير نمطي، فريد وأصيل، من حجرا لصرح عالمي جديد في طور البناء.
علي المسلمين أن يبدأوا بالقيام بثورتهم الداخلية، علي مرأي التغيرات بما أنهم الملاحظون أوعلي أقل تقدير الممثلون النشطون الي حد ضعيف، علي خلاف أجدادنا وأسلافنا الذين حققوا التاريخ واضطلعوا بمسئولياتهم الذهنية والطبيعية والدينية، بدون أن يخلطوا أو يعارضوا هذه الأبعاد، أبعاد الحياة المختلفة. اليوم، لا نستطيع أن نستمر في ارتضاء الانهيار الذي خففه الزعم وتكامل التكنولوجيا والرياضيات المنتمي الي الحداثة، وانما ليس الي الحداثة الأصيلة. من الممكن أن تفضي الأصالة الي العالمية والي الثقافة العبرة القومية : أيا كانت الطرق التي نمشيها. من خلال الحوار، نستطيع أن نبلغ كونية جديدة. بمفردنا، أمر مستحيل. في كافة حالات الصورة، يبدأ المسلم المعاصر يتساءل لكي يجدد لأجل ورغما عن الحداثة نمطا آخر خاصا نابعا من ذاته. لا نستطيع أن نكتفي بالثرثرة عن الذات أو تقليد الآخر.
وجهت اليه سؤالي : ونحن نعرف أن العالم، اذا كان موحدا، يجب أن يكون متعددا ويحيا حسب الأنماط المتعددة، علي خلاف من يخشي حق الاختلاف، ألا تعتقد أن الحضارة المستقبلية ستكون متعددة أو غير متعددة ؟
بدون تردد، قال لي : "أعتقد أن التعددية هي جوهر الحضارة نفسها. التعددية، أريد أن أقول الغيرية، مبدأ الاختلافات واحترام الغير هي مبادئ الحضارة. بالتالي، لا أتخيل حضارة عالمية متجانسة، سيكون هذا مضادا للحضارة. نعرف اليوم، علي سبيل المثال، أن عددا كبيرا من اللغات يختفي كل يوم، لا أتذكر أية أرقام، غير أنني أعرف أن مئات اللغات والاصطلاحات التعبيرية علي وشك التلاشي، وأن هيمنة لغوية مرعبة علي وشك أن تستحوذ علي الأرض وهي نقيض الحضارة. من اللازم أن تكون الحضارة متعددة، من اللازم أن تضمن احترام وفرة اللغات، الثقافات، المعتقدات، أنماط الحياة. وفي هذه التعددية، في هذه الغيرية، لا أتكلم عن حل، الا أن فرصة المستقبل ممكنة لنا، في ظل التعددية والوفرة. واحترام هذه الوفرة والتعددية صعب، لأنه علينا تثقيف الاصطلاحات التعبيرية. وما أطلق عليه الاصطلاحات التعبيرية، هو تميز لغة الآخر، أي شعر الآخر. ليس هناك شعر وانفتاح بدون اصطلاحات الآخر التعبيرية. من اللازم احترام كل فرد، وليس فقط الاصطلاحات التعبيرية القومية، ولكن اصطلاحات كل فرد، طريقة الكلام، الوجود والاشارة، وفي نفس الوقت الاتصال، والترجمة. تبعا لذلك، من اللازم الترجمة. أثر الترجمة غير متناقض، علي العكس، من الضروري احترام الاصطلاح التعبيري. والاصطلاح التعبيري، أساسا، غير قابل للترجمة. ولكن ما هو غير قابل للترجمة يسمي ترجمة. بالنسبة لهذه الحضارة المتعددة التي تتكلم عنها، من اللازم توفر ثقافة الاصطلاح التعبيري المتميز والقابلية للترجمة، أي التدويل. من اللازم الامساك بهما، أمر صعب، وفي بعض الآحايين مستحيل، بيد أنه شرط هذه الحضارة العالمية التي تتكلم عنها. الرهانات، أيضا، حادة في عالم اليوم، رهانات جديدة، تستدعي انعكاسا جديدا علي ما يريد العالمي أن ينطق به. أذكر حق طرح الأسئلة النقدية، ليس فقط علي تاريخ هذا المفهوم أو ذاك، ولكن أيضا علي تاريخ تصور النقد، في الشكل الاستفهامي للفكر. لا شيء يجب أن يبقي بعيدا عن المساءلة، وحتي الفكرة التقليدية عن النقد. من الواضح أن النقد، التفكيكية، عمل الفكر تنادي بالجمعي وتعددية اللغات، الثقافات والخصوصيات".
جوهر فلسفته، فيما يتعلق بانشغالاتي، يتبدي : عمل الفكر، بدءا من مكاني، ممكن. هذه الضرورة، المحملة بكثير من الأمور العدوانية التي نتظاهر بنسيانها، أساسية، بالنسبة لغير المسلمين والمسلمين علي حد سواء، من الحيوي أن نتذكر أن أحدا لا يمتلك احتكار العالم. اليوم، يتبقي العمل معا لايجاد عالم مشترك. مضت أكثر من ساعة ونصف الساعة، منذ بدأ لقاؤنا. لا أريد أبدا أن أسئ الي كرمه. سأقرر أن ألخص وجهة نظري. أقول : في الواقع، من الملح أن نبحث معا عن حضارة عالمية تغيب عنا. علي الرغم من التقدم الخارق، لا توجد حضارة اليوم. القيم الابراهيمية، من ناحية أولي، والديموقراطية، من ناحية أخري، تتناقص قيمتهما أكثر فأكثر. خطر تفاقم صور عدم المساواة ونزع طابع الانسانية أحد سمات عصرنا. الآداب، الأخلاق والقيم الروحية خرجت من الحياة. مواطن ضفة الجنوب يتمني أن يعرف جاره، مواطن ضفة الشمال، كما درجنا علي تسميته، بمصطلحات النقد الذاتي : أولا أن التطرف السياسيالديني ليس من الاسلام، حتي وان تكلم المتطرفون بلاءاتهم. هذا تعد. غالبية ضحايا هذه الوحشية من المسلمين أنفسهم.
في بلدي الجزائر، نعرف كل هذا، لأجل القضاء عليه، بفضل أننا لم نخلط بداية بين النزعة الاسلامية والاسلام وأيضا بين الارهاب والاسلام. في الأمس، كما تعرف، معركتنا المضادة للكولونيالية لم تخلط بين الدولة الكولونيالية والمسيحية. ثانيا، الأنظمة العربية، التسلطية ، فيما وراء خواصها المتنافرة، وجهود بعضها للاصلاح، ليست المجتمع الذي، في غالبيته، يصبو الي القيم الديموقراطية العالمية. يتبقي العمل علي التغيير، بالمفاوضات الداخلية، وليس بالتدخل. لا شيء، بالنسبة الي مراجعنا، يقابل الحرية كجوهر الوجود. ثالثا، التيار المسمي "الحداثي"، رغما عن معارضته للقوي المعارضة للتقدم، لا يمثل الشعب الذي يبحث عنه والحداثة والأصالة والتقدم بدون أن يفقد جذوره.
يتعلق الأمر بالنهوض بالتغيرات، بدون المضي غربا، كنموذج في أزمة، لم يتحمل مسئولياته، لا يعرف أن يعلمنا القيام بمواجهة انقباض المعني، الذي يعد اظهارا للمعني، هروبا للأفق، غياب الالهي أو خروج الدين من الحياة، وهي حركة أنتجها، رسمها ونظمها. بالتفاعل، علي السطح الداخلي، نقابل : الايديولوجيا السياسيةالدينية التي تمارس الانغلاق، بذريعة أنها ترد علي الظلم، عنف القادرين، غياب المعني، الأنظمة القائمة الساعية الي تخليد ديموقراطية المظهر، خوفا من عدم الاستقرار، أو بشهية نهمة للسلطة، "الحداثيين" المقطوعين عن الجماهير، الخاضعين الي نزعة الغربنة الجامحة أو الليبرالية المتوحشة، بدعوي التحرر.
علي السطح الخارجي، بسبب ارادة الهيمنة وأنانية بعض الغربيين، الذين تغذوا علي التفوق التكنولوجي، قوانين السوق وتراجع المعارف المتبادلة، كانت صور العجز : تشوه قيمنا، السياسة ذات المكيالين، المعيارين، رفض أو تردد ضفة الجنوب في الالتزام بحوار حقيقي، تخيل مفاوضات حقيقية وتقصير معلوم للمساعدات المتوجهة الي الجنوب. الفوضي العالمية، الموسومة بتراجع القانون، تتعلق بالعالم بأسره. والأزمة أزمة قانون دولي.
بالحوار مع جيراننا، بدون عداوة، بمساعدة روابط أكيدة، كما معكم، أنتم العابرون بين ضفتين، كما قال هذا الفرنسي جزائري الآخر جاك بيرك، من الممكن بلوغ المشاكل موضوعيا. تبعا لذلك، الذوات العاشقة للحرية والعدالة والمعني، في أفق العلمنة والديموقراطية المستقبلية، عليهم اعادة التفكير في علاقة جديدة مع العالم، وليس الوقوع في معارك خلفية. فقط ، لا يمكن مواجهة ولا عقلنة اليائسين اذا ظلوا مكتئبين، مغلوبين علي أمرهم وغرباء عن حياة المدينة. مستقبلنا مرتبط، وأنتم رابطتنا، رابطتنا الأثيرة. لا يمكن تصويب انحرافات الحداثة وتقاليدنا من طرف واحد، وانما بفعل مشترك، يتأسس علي فهم عادل لتمفصل مبتكر بين النوعي والعالمي. أتطلع اليه بامتنان وأقول له : شكرا ألف مرة، لصبرك، كل ما أردت أن تقوله لنا، تعلمنا وتمنحنا، كل ما رغبت أن توجهه لنا، والي غيرنا، بعيدا، لأننا مرتبطون بمعني ديني للسر الخفي، الحياة، العالم وما وراء العالم، قريبا، لأننا مرتبطون، في نفس الوقت، بالدنيوية، الحرية، استقبال الآخر المعروف كآخر.
وأضفت : اسمح لي، أستاذ، في حضرتك ومتشجعا أقول كلمة النهاية، في ندوتنا، كلمة الخاتمة، باسمنا جميعا.
بتأثر، أجابني : "أشكرك. وبدوري أقول أنا ممتن بانضمامي الي أعمالك والي هذه الندوة. أنا متأثر بتواجدي "بين جزائريين"، وكما قلت لك، أحتفظ بقوة بما تبقي لي من كوني جزائريا، سأبقي وسأحتفظ بكوني جزائريا".
فصول من كتاب :
Mustafa Cherif , L Islam et l Occident , Rencontre avec Jacques Derrida , Ed. Odile Jacob , Paris , 2006 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.