بقلم - عزت العلايلي: الفيلسوف, الطبيب, الفقيه, القاضي, الفلكي, الفيزيائيالمسلم أبو الوليد محمد بن أحمد والمعروف ب إبن رشد(1126 م1198 م) والذي ولد وعاش في قرطبة الأندلسية . وضع خلاصة فكره في مجموعة من القيم النفسية والأخلاقية حول( الشجاعة- العنف- الحكمة- الكرامة- الحرية- شهوة التسلط) فضلا عن تصنيفه الدقيق لأنواع الحكم حين تطرق من خلاله لمبادئ( الديمقراطية والملكية والطغيان والتربية وحقوق المرأة) والتي ظلت تداعب خياله وفكره المستنير علي الدوام. كان ابن رشد حجة في الثقافة الإسلامية وحجة في الثقافة العقلية اليونانية علي وجه التحديد, لذا سمي' ذو الحجتين', وكانت أبرز آرائه علي الإطلاق تقول: بأنه بغير العلم الوضعي والشريعة لا يوجد معني أو قيمة للحضارة, أي بغير الوحدة بين الشريعة الدينية والشريعة الفلسفية لا يمكن لأمة أن تحقق حضورها الحضاري. الإسلام اليوم بات في الإعلام الغربي يشكل الحدود الساخنة والدموية, بل تحول عند صموائيل هنتنجتون- صاحب صدام الحضارات- إلي عدو الشامل للغرب, أما شيخنا ابن رشد فلم ير بأنه ثمة عداء بين الشريعة الإسلامية والحكمة اليونانية أو بيننا وبين الاخر الغرب, بل ربما رفض لمايسمي إصطلاحا الحداثة, والغرب عموما لن يخسر شيئا إن هو أبدي عداءه لثقافتنا الحالية, إنما نحن الخاسرين إذا رفضنا الانخراط في مجري الحداثة الثقافية. والواقع أن هذه النزعه العنيده التي ترفض مبدأ التجديد الثقافي مكتفيه بالتشبث لنموذج تقليدي للحياة عفا عليه الزمن فيها هلاكنا, ومن هنا علينا الآن خلق مساحة عامه نلتقي فيها مع الغرب حفاظا علي مكتسبات الحضارة البشرية الحديثة التي هي ملك للجميع وليست وقفا علي قوم دون آخرين. الفلسفات والعلوم والفنون التي هي أساس كل الحضارات, بل هي بمثابة كائنات حية يجري عليها ما يجري علي باقي الكائنات من قوانين تتعلق بالكون والفساد, واذا نظرنا إلي الحضارات بعلومها وفنونها وفلسفاتها وعلاقاتها بأماكن وأقوام محددين في التاريخ فسنجد أن مصيرها الموت لامحاله, فالحضارة في حد ذاتها خالدة لاتموت وإن تلاشت في زمن ما, أوفي منطقة جغرافية بعينها, كما قال ابن رشد: فإنها حتما ستنتقل الي منطقة أخري لتبدأ حياة جديدة أكثر عنفا وحيوية, وهذا معناه, أنه لا يمكن أن يخلو العالم لحظة من الحضارة ما دام الإنسان موجودا علي وجه البسيطة, ولذلك علينا أن نعترف بأن حضارتنا العربية الإسلامية قد توقفت من زمن طويل عن العطاء, وأنه من العبث, العمل علي إحيائها أو القول بأنها مازالت قادرة علي معالجة مشاكلنا وتحدياتنا المعاصرة, لذلك فإن كل ما أنتجته حضارتنا من علوم وتقنيات وأنظمة حكم سياسي دخلت الي متحف التاريخ منذ مدة طويلة ولم تخرج منه, مايعني أن نندمج فورا مع الغرب في حضارته ولنا مثل في قول ابن رشد: اذا كان الله واحد, والعالم واحدا, والانسان واحدا, فيجب أن تكون الحضارة واحدة. صحيح أنه قد تنتحل الحضارة عدة أسماء, بل وتتخذ لنفسها عدة رؤي وفي صور مختلفة حسب الأزمنة والشرائع التي ارتبطت بها, ففي زمن سميت بالحضارة الإغريقية وفي زمن آخر سميت بالحضارة الرومانية أو الفارسية أو الإسلامية وها هي اليوم تسمي بالحضارة الغربيه, ولكن لا توجد حضارة أو ثقافة صافيه من أي أثر أو تأثر بالثقافات الأخري, فمساهمة اليابان والصين- علي سبيل المثال- في الحضارة الرقمية اليوم لا تقل أهمية عن مساهمة فرنسا والمانيا في ذات الحضارة الآنية وهو مايؤكد كل أفكار إبن رشد عن الاندماج والتوحد في الحضارة التي يعيشها العالم حاليا من غاية العيش والمصير المشترك. رحم الله ابن رشد الفيلسوف والطيب المسلم العربي الأندلسي الذي استطاع أن يعبر بحكمته البليغة عن جوهر الإسلام والحضارة والفنون ووصف أسس ومبادئ روح العيش المشترك بين الأمم في حضارة واحدة.. ليتنا نعود لذخائره الفقهية والحياتية القيمة ونقدم له عملا دراميا يليق بعلمه وفكره المستنير.