وزير التنمية المحلية: رفع كفاءة العاملين في مجال المعلومات والتحول الرقمي لتحسين خدمات المواطنين    تفاصيل موافقة «صناعة النواب» على مشروع الموازنة العامة لعدد من القطاعات    مجموعة السعودية تعلن خطة موسم حج 1445ه لربط ضيوف الرحمن حول العالم بالحرمين الشريفين    تفاصيل توقيع الحكومة اتفاقية لإنتاج الكهرباء ب10 مليارات دولار    وزير الخارجية سامح شكري يشرح دوافع مصر لسرعة إنهاء أزمة غزة - ما هي؟    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية بينهم طفلان وأسرى سابقون    ملك الأردن يشدد على ضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة    وسام أبو علي: مواجهة الترجي هي الأكبر في حياتي    كلوب يتحدث عن علاقته بمحمد صلاح بعد خلافهم الأخير    حالة الطقس غدا.. بداية الموجة الحارة وارتفاع الحرارة على كل الأنحاء    توقيت عطلة عيد الأضحى 2024 في تونس: ما يجب أن تعرفه    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    فرقة سمالوط تقدم "كيد البسوس" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    الجمعة.. قصور الثقافة تحتفل بعيد الربيع على مسرح قصر الأنفوشي بالإسكندرية    أسامة الأزهري: الأزهر قدم نموذجا عمليا للتقارب بين الشرق والغرب    الطاهري يعلن فوز القاهرة الإخبارية بجائزة التميز الإعلامي العربي لعام 2024    صحة الدقهلية: الكشف على 1336 مريضا فى قافلة علاجية بقرية جاليا الأولى ببلقاس    وزير التعليم العالي: لن يتم ترخيص معهد هندسي إلا بعد هذا الشرط    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    المتحدة تحتفى بميلاد زعيم الفن العربي    بالفيديو| أمين الفتوى يذكر بعض كرامات السيد البدوي: لا أحد يستطيع التشكيك فيها    افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    مصرع طفل غرقًا في بحر النزلة بالفيوم    البنك الأهلي المتحد يفتتح أحدث فروعه "شبين الكوم" بالمنوفية    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant: قصة صعود ملاكم من الطبقة العاملة    6 يوليو.. بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمركز التعلم المدمج ببني سويف    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    بث مباشر.. حجز شقق جنة في القاهرة الجديدة و6 أكتوبر بالقرعة العلنية    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    لا تصدقوهم.. إنهم كاذبون!    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الإفتاء توضح حكم الطواف على الكرسي المتحرك    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    الصحة تنشر طرق التواصل مع البعثة الطبية للحج.. وتوجه 4 نصائح مهمة    تحرير (148) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    وزير الرياضة يعلن عودة الجماهير للملاعب ويتوعد المخالفين    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    بالفيديو.. غناء وعزف أنتوني بلينكن في أحد النوادي الليلية ب"كييف"    "التعاون الإسلامي" تؤكد دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    انطلاق الامتحانات العملية بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر.. صور    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    «حياة كريمة» تطلق قافلة تنموية شاملة إلى قرية شماس بمركز أبو النمرس    قطار الإنجازات لا يتوقف    الداخلية: ضبط 25 كيلو مخدرات و132 قطعة سلاح بالدقهلية    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    6 ميداليات لتعليم الإسكندرية في بطولة الجمهورية لألعاب القوى للتربية الفكرية والدمج    وزير الري: 97.69 ٪ نسبة تنفيذ الشكاوى من يناير 2021 حتى أبريل 2024 -تفاصيل    الداخلية: سحب 1539 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    تداول 10 آلاف طن و675 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    «إكسترا نيوز»: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف على عدة مناطق في رفح الفلسطينية    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مو يان .. نوبل 2102
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 10 - 2012


الأديب الصيني مو يان
أعلنت الأكاديمية السويدية المنظمة لجائزة نوبل فوز الأديب الصيني مو يان بجائزة نوبل للأدب العام الحالي 2012، وهو من أكثر الأدباء الصينيين شهرة في بلاده، ومعروف في الغرب بروايتين تحولا إلي فيلمين هما »الذرة الرفيعة الحمراء« سنة 1987، و »أوقات سعيدة« سنة 2000، ويصفه البعض ب»النسخة الصينية من كافكا« حيث ورد في حيثيات منحه للجائزة: »أنه يتميز في رواياته بإدماج الحكايات الشعبية مع الواقعية، و التاريخ بالحداثة«.
ولد مو يان في 17 فبراير سنة 1955، ويعني اسمه بالصينية »لا تتحدث« وهو اسم مستعار، بينما اسمه الحقيقي »جوان موي« وكان قد صرح في خطاب القاه بالجامعة المفتوحة في هونج كونج أنه اختار ذلك الاسم عند كتابة روايته الأولي لأنه أراد الكتابة بصراحة ومصداقية، وهو ما لم يكن مرحبا به في الصين في ذلك الوقت، واختار الاسم لتذكير نفسه بعدم الكلام كثيراً.
»ترك يان« دراسته خلال الثورة الثقافية ليعمل في الحقول، وفي مصنع لإنتاج البترول، وفي سنة 1976 انضم إلي جيش التحرير الشعبي، و بدأ الكتابة حين كان لا يزال في الجندية سنة 1981 وكانت أولي رواياته بعنوان »هبوط المطر في ليلة ربيع« كما عمل مدرسا في قسم الأدب بأكاديمية الجيش الثقافية.
من بين أعماله »الذرة الرفيعة الحمراء« سنة 1987، و»جمهورية النبيذ« 1992، و»الحياة والموت يستهلكاني« ترجم العديد منها إلي اللغة الإنجليزية، علي يد جولديلات هوارد أستاذ اللغات الشرقية و الآداب الآسيوية بجامعة نوتردام.
حصل علي العديد من الجوائز منها: »نيوشتاد« الدولية سنة 1998، وفوكوكا الآسيوية سنة 2005، و»مان« الآسيوية سنة 2007 و غيرها.
وقد ثارت انتقادات عديدة ضده بسبب رفضه الإعتراف بمنح جائزة نوبل للسلام سنة 2010 للسجين الصيني »ليو شياو بو«، كذلك انتقاده الأدباء الصينيين ممن يمدحون السياسات الثقافية التي أطلقها ماوتسي تونج في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، و التي استخدمت لاحقا في تطهير عدد من المثقفين.
لأول مرة :أخبار الأدب تنفرد بنشر
الفصل الاول من رواية »الذرة الرفيعة الحمراء«
ترجمها عن الصينية: حسنين فهمي
1
في اليوم التاسع من الشهر الثامن حسب التقويم القديم عام 1939، كان أبي- أحد أفراد عصابة قطاع الطرق- قد تجاوز الرابعة عشر من عمره.وكان قد رافق القائد يو جان آو ذلك البطل الأسطوري الذي ذاع صيته فيما بعد، رافقه إلي الفريق الذي كان ينصب كميناً للعدو علي الطريق العام عند جياو بينغ.وقد خرجت جدتي تودعهم وهي ملتحفة بعباءتها.فقال القائد يو : »فلترجعي!« فوقفت جدتي في مكانها ولم تواصل التقدم لوداعهم.وقالت جدتي لأبي ناصحة إياه : »دوو قوان ، استمع جيداً إلي كلام والدك !« فأنصت أبي إليها ولم ينبس ببنت شفة ، وراح يمعن النظر في قامتها العالية ويشم الرائحة المنبعثة من خلال عباءتها ، ثم شعر ببرودة شديدة ، وراح يرتجف حتي بدأ القائد يو يمسح علي رأسه قائلاً : »فلنمضي يا صغيري !«
وهكذا بدأ وقع أقدام أفراد العصابة يبتعد عن المكان شيئاً فشيئا.وبدأ الضباب الكثيف يحجب الرؤية أمام أبي، فكان في ذلك الحين لا يري أمامه بوضوح ، كان فقط يسمع وقع أقدام أفراد العصابة ولا يراهم.ومضي أبي يمسك بطرف ثياب والده القائد يو وهو يهرول وراءه.وأدرك أبي أن جدتي مضت تبتعد عنه كثيراً، والضباب يبدو كثيفاً كأمواج البحرالهائج ،وهو يمسك بطرف ثياب القائد يو وكأنه طوق النجاة الوحيد من هذا الموج الهائج .
وبدأ أبي يقفز نحو قبره الحجري الذي سيكون فيما بعد هنا وسط حقول الذرة. وكان ذلك القبر محاطا بالأعشاب الكثيفة ، وقد جاء إلي ذلك القبر صبي يجر ماعزة ، وكانت الماعزة تأكل من تلك الأعشاب والصبي يتبول علي حافة القبر وهو يتغني قائلاً : لقد أحمرت الذرة ، وجاء اليابانيون ، فيا أيها الأشقاء !استعدوا لإطلاق الأعيرة النارية والمدافع .
وقال البعض إن ذلك الصبي هو أنا. ولكنني لا أعرف إن كنت هو أم لا.وقد كنت أعشق كثيراً ريف دونغ بيي بمدينة قاو مي ، وكذلك كنت أحقد علي ذلك المكان.وبعد أن كبرت واجتهدت في دراسة الماركسية ، أدركت مؤخراً أن ريف دونغ بيي بمدينة قاو مي هو أجمل وأقبح مكان علي سطح الأرض، وأهله هم أشجع الشجعان وأحقر الناس، وأنهم أكثر الناس قدرة علي شراب النبيذ وعلي الحب.فلقد عاش آبائي وأجدادي هنا وتغذوا علي الذرة وكانوا يزرعونها سنوياً بكميات كبيرة.وفي أغسطس من كل عام ، كانت الحقول تبدو كبحور من الدماء وسط زراعات الذرة الرفيعة. وكان أهل قاو مي ينشغلون بهذا العرس في كل عام . كما أنهم كثير ما قاموا بالقتل والنهب وأخلصوا دفاعاً عن وطنهم ، وقد قدموا صورة مسرحية بطولية حزينة ، حتي جعلتنا نحن الأحفاد غير البارين نشعر أمام كل تلك الإنجازات بتراجع النوع الإنساني في مدينة قاو مي.وبعد أن خرج فريق العصابة من القرية ، ساروا في طريق ترابي ضيق.واختلط الضباب الكثيف بكميات التراب المنبعثة من تحت أقدامهم وهم يسيرون في ذلك الطريق الترابي ، وكانت قطرات المياه تبدو علي وجه أبي وكأنها قطع بلورية.وكان أبي قد تعود علي رائحة النعناع الذكية والروائح الأخري المنبعثة من وسط زراعات الذرة .وفي تلك المرة حيث اختلطت الرائحة بالضباب الكثيف ، فقد أحس أبي بأنه يشم رائحة جديدة أيقظت في نفسه ذكريات بعيدة.وبعد مضي خمسة عشر يوماً،وفي الخامس عشر من شهر أغسطس الذي يوافق عيد منتصف الخريف، كان البدر يملأ السماء وينير حقول الذرة ، وكانت حبات الذرة تبدو وكأنها حبات فضية.وراح أبي يشم رائحة ذكية تفوق أضعاف رائحة الذرة في العصر الحالي. وفي ذلك الحين كان القائد يو يجره وراءه، وخلفهم تظهر بركة من دماء ما يزيد علي ثلاثمائة من أهل القرية والتي جعلت الأرض السوداء تبدو مخضبة بالدماء.وقد جعلت الرائحة بعضهم يشعر بالاختناق. وكانت مجموعة من الكلاب التي جاءت لتأكل من لحم القتلي تقبع هناك وتنظرإلي أبي والقائد يو. فأطلق القائد يو رصاصة من مسدسه فاختفي كلبان ، ثم أطلق رصاصة ثانية اختفي علي دويها كلبان آخران.فتفرقت جماعة الكلاب ووقفت بعيداً تنظر إلي الجثث الملقاة علي الأرض.وبدأت تلك الرائحة تزداد شيئاً فشيئا.وراح القائد يو يصيح في الكلاب :»أيتها الكلاب اليابانية، اللعنة علي اليابانيين!« ثم صوب مسدسه تجاهها حتي اختفت تماماً. وقال لأبي : »هيا بنا يا بني !« ودخل الأب وابنه وسط زراعات الذرة . وتسربت تلك الرائحة إلي أعماق أبي حتي إنها أصبحت ترافقه طيلة حياته.
وكانت سيقان الذرة تصدر عند اصطدامها ببعضها أصواتاً مسموعة، أحياناً قوية وأحياناً أخري ضعيفة. ولكي يلاحق أبي الركب ، فقد كان يهرول وسط الذرة وهو يصطدم بسيقانها.وفي ذلك الحين كانت تصدر أصوات أخري نتيجة اصطدام مسدس أحد أفراد العصابة بمسدس رفيقه ،أو نتيجة اصطدام أحدهم برأس جثة من تلك الجثث الملقاة وسط الذرة.وسمع أبي صوت سعال ذلك الرجل الذي كان يسير أمامه ، وقد عرف من صوت السعال صاحب الصوت وانغ وين إي المعروف بأذنيه الكبيرتين اللتين ما أن تهتز حتي تنزف.وقد كانت أذني وانغ وين إي هي أكثر أعضاء جسمه دلالة عليه.وكان الرجل يتميز بأنه قصير القامة ذو رأس كبير.وجاهد أبي في السير حتي تحقق من وانغ ونظر إليه نظرة فاحصة.وتذكر حكاية وانغ عندما كان في ساحة التدريب وصاح فيهم نائب القائد أن استديروا صوب اليمين ، ولكنه لم يسمع جيداً ولم يعرف الوجهة التي نادي بها القائد ، فما كان من نائب القائد إلا أن ضربه بالسوط فراح وانغ يصيح : يا أمي ! وتغير لون وجهه من شدة الضربة ، حتي سمع الجميع صوت ضحك الأطفال الذين كانوا يتابعون التدريب من خارج السور.
وضرب القائد يو وانغ وين إي علي مؤخرته ،ثم سأله.
»لماذا تسعل؟«
أيها القائد.. »تحامل وانغ وين إي وكتم سعاله« وقال »أشعر بألم في حنجرتي..«
»لا تسعل مهما كان السبب!وأعلم أنني سأقطع رأسك إذا أُكتشف أمرنا!«
»سمعاً وطاعة أيها القائد« .أجاب وانغ ثم صدرعنه صوت سعال لم يستطع أن يكتمه.
وهنا أحس أبي بأن يد القائد يو تنزل من خلف رأس وانغ وين إي ، وأحس أيضاً أن هناك قطرات كحبات العنب تسيل من رقبة وانغ ، ورأي عينيّ وانغ تبدوان في غاية الإمتنان والشفقة.
وبعد وقت قصير، غابت العصابة وسط زراعات الذرة.وأحس أبي أن العصابة تسير صوب الجنوب الشرقي. وأن الطريق الترابي الذي سلكته العصابه هو الطريق الوحيد المؤدي إلي حافة نهر موا شوي، ويبدو الطريق الضيق أبيضاً مائل إلي الزرقة في وضح النهار. وقد كان الطريق مكونا من الطمي الأسود ، غير أنه الآن غني بالكثير من فضلات الأبقار والبغال والحمير. وقد سار أبي في ذلك الطريق أكثر من مرة ، حتي إنه كان يذكره أثناء فترة العذاب التي قضاها في اليابان.ولا يعرف أبي كم من الأحزان والأفراح التي عاشتها جدتي علي ذلك الطريق ، ولكنني أعرف. وكذلك لا يعرف أبي أن جثة جدتي كانت قد ألقيت علي ذلك الطريق الترابي الأسود الذي تظلله زراعات الذرة، ولكنني أعرف .
وكان أبي قد لعب في صغره في مياه نهر موا شوي ، وكأن حب اللعب في المياه كانت موهبة طبيعية أتصف بها في طفولته وصباه. حيث تذكر جدتي أن لهفته إلي المياه كانت أشد من لهفته إلي أمه. وكان أبي وهو في الخامسة من عمره يسبح في المياه مثل البط الصغير. وكان أبي يعرف تماماً طين قاع نهر موا شوي ، وكان ينمو علي ضفاف النهر أعشاب وأزهار كثيرة وتسبح علي الشاطئ بعض من كائنات النهر. وفي الخريف عندما كانت تهب الرياح الخريفية وتزداد برودة الجو، كانت تفر إلي الجنوب جماعات من الأوز الصيني. وعندما استمع أبي إلي صوت صرير مياه النهر ، تذكر الجد ليو لوو خان الذي كان قد خدم في منزل العائلة عشرات السنين وكان مسئولا عن صناعة النبيذ التي كانت تديرها عائلتي،وكان أبي يحبه كثيراً مثل جده الحقيقي تماماً
وكان أبي كثيراً ما يرافق الجد ليو في الخروج إلي النهر للعب مع سرطان البحرعلي ضفتي نهر موا شوي.ويمضي هناك وقتاً جميلاً حيث صيد الأسماك الصغيرة ونصائح الجد ليو بعدم الاستعجال علي الفريسة. وكان أبي يتابع فريسته وهي تدنو من الشاطئ وتظهر جلية تحت ضوء الشمس حتي يصدر له الجد ليو أوامره بأن : »أقبض عليها!«
وبعد أن توغل أبي بصحبة أفراد العصابة في زراعات الذرة ، كانت قدماه لا تكف عن الاصطدام بأعواد الذرة بينما هو غارق في التفكير في ماضي النهر وألعاب الطفولة.وكان لا يزال ممسكاً بطرف ثياب القائد ليو وهو يهرول وراءه، وقد أحس بالنوم يغلبه،فثقلت رأسه وبدت علي عينيه علامات النوم.ومضي أبي يفكر في أن رحلته لن تضيع سدي ما دام في رفقة الجد ليو إلي نهر موا شوي. وكان أبي قد شبع كثيراً من أكل سرطان البحر وكذلك جدتي. وكان الجد ليو يقوم بتقطيع سرطان البحر إلي قطع صغيرة ويضيف إليها فول الصويا والملح ويضعها في إناء لإعداد حساء سرطان البحر، ذلك الحساء الذي كانوا يتلذذوا جميعاً بشرابه.وكنت قد سمعت بأن جدتي كانت تتعاطي مخدر الحشيش ، ولكنها لم تصل إلي حد الإدمان ، لذا فقد كانت دائماً ما تبدو في حالة من الانتعاش.وكان الاهتمام بالصحة والمحافظة عليها شعارا معروفا في قريتنا التي كانت معروفة بإنتاج أنواع من الأسماك الغنية بقطع اللحم.وفجأة تذكر أبي حادثة وفاة الجد ليو في العام الماضي عند طريق جياو بينغ العام.وكانت جثته قد قُطعت إرباً إربا ،وتم توزيع تلك القطع في جميع الاتجاهات.وكان قد تم سلخ الجثة مثل سلخ الضفدعة .وما أن تذكر أبي حادثة مقتل الجد ليو حتي شعر برعشة شديدة أصابت جسمه كاملاً. ثم تذكر أبي حادثة كانت قد وقعت منذ سبع أو ثماني أعوام مضت ، ففي ذلك المساء كانت جدتي قد شربت حتي سكرت، ووصلت إلي ساحة فناء صناعة النبيذ في منزل العائلة الكبير، وهناك تعلقت بكتف الجد ليو وهي تتوسل إليه :س ايها العم ليو ، أتوسل إليك ألا تغادرنا ، وإن لم يكن لأجلي فلأجل الصغير دوو قوان ، أتوسل إليك »أيها العم ليو ألا تغادرنا ، وإن أردت أن أهب لك نفسي فسأفعل علي الفور، فأنت مثل أبي تماماً.. وأتذكر أن الجد ليو كان قد أزاح جدتي عنه وغادر المكان إلي زريبة البغال ليطعم بغاله.فقد كانت أسرتي تربي بغلين أسودين يتم إستخدامهما في فرن صناعة النبيذ،وكان البغلان من أجود أنواع البغال المعروفة في القرية.ولم يغادرالجد ليو الأسرة إلا بعد قيام اليابانيين بالإستيلاء علي البغلين وإستخدامهما في صيانة وتعبيد طريق جياو بينغ العام .
وسمع أبي دوي طلقة نارية أحدثت جلبة كبيرة وسط زراعات الذرة ،
وقد أصابت الطلقة في طريقها الكثير من عيدان وسنابل الذرة ،
ولا أحد يعرف أين أستقرت.
وفي ذلك الحين ، سمع أبي صوت الحمير القادم من القرية ، ففتح عينيه ورأي أن الجو لايزال ملبداً بالضباب ، وأن أعواد الذرة تحجب عنه رؤية أدني الأشياء منه .ومضي يفكر في زراعات الذرة التي لا تنتهي وأنه لا يدرك كم من الوقت قضاه بين جنباتها.وفقد أبي وهو بين تلك الحقول التي لا تنتهي التركيز في الإتجاهات. وتذكر أنه كان في العام قبل الماضي قد ضل طريقه وسط حقول الذرة ، ولكن صوت مياه النهر أنذاك دله علي طريق النجاة من غيابات الذرة. فعندما سمع أبي صوت صرير مياه النهر ، عرف علي الفور أن العصابة تمضي في إتجاه الشرق في صوب النهر. وبمجرد أن تأكد أبي من وجهة السير، فقد تأكد من أن الركب يمضي إلي ذلك الخندق لمواجهة وقتال الجيش الياباني ، نعم إنهم يمضون إلي القتل ، قتل البشر وكأنهم يقتلون الحيوانات.وعرف أن الركب سيسير صوب طريق جياو بينغ الذي قام الجيش الياباني وعملاءه بتعبيده بتسخير شعب القرية.
واشتد صوت إصطدام أفراد العصابة بعيدان الذرة ، فقد أتعبتهم الرحلة الطويلة وسط زراعات الذرة التي لا تنتهي.حتي وانغ وين إي لم يتوقف عن السعال رغم سيل التوبيخ والسب الموجه له من القائد يو. ولما أحس أبي أن الركب يقترب من الطريق العام ، راح يتأمل عيدان الذرة المنغرسة في الأرض الطينية والمشبعة بمياه الأمطار.
وفجأة سمع أبي صوتا حادا ، ثم أجتهد ليعرف مصدر الصوت .
وهنا سمع القائد يو يصيح بصوت مرتفع: »من الذي أطلق النار؟ يا شياو جيو تسه من الذي أطلق النار؟«
وسمع أبي دوي طلقة نارية أحدثت جلبة كبيرة وسط زراعات الذرة ، وقد أصابت الطلقة في طريقها الكثير من عيدان وسنابل الذرة ، ولا أحد يعرف أين أستقرت. ثم سمع صوت وانغ وين إي وهويصيح بصوت به الكثير من الأسي والخوف: أيها القائد يو، إنني عديم الرأس، أيها القائد يو إنني عديم الرأس«!
فركله القائد يو برجله ثم قال: »عليك اللعنة !عديم الرأس ولكنك جريء في الحديث !«
وقال أبي »أيها العم وانغ إنك جُرحت«.
»دوو قوان ، أأنت دوو قوان ، أنظر جيداً هل لاتزال رأس العم وانغ في مكانها؟«
»نعم ، إنها لاتزال مستقرة في مكانها ، فقط تبدو أذنك مجروحة«.
فمد وانغ وين إي يده يتحسس أذنه المجروحة، ولامست يده الدماء التي تسيل من أذنه، وهنا بدأ يشكو حاله إلي القائد يو: »أيها القائد يو ، لقد جُرحت ، لقد جُرحت ، لقد جُرحت«.
فرجع القائد يو إلي الخلف ، وجلس القرفصاء وأمسك برقبة وانغ وين إي ، وقال بصوت منخفض: »كف عن الصراخ وإلا فصلت رقبتك عن جسدك«!
وهنا كف وانغ وين إي عن الصراخ.
وعاود القائد يو يسأله :»أين مكان الجرح ؟«
فرد وانغ باكياً : »إنها أذني ...«
فأخرج القائد يو من جيبه قطعة قماش بيضاء وشقها نصفين ومدها إلي وانغ قائلاً : »غطي بها الجرح ، وكف عن الصراخ ، وسنعاود لف الجرح ثانية في الطريق«.
ونادي القائد يو علي أبي : »دوو قوان.« فأجابه أبي ثم أقترب منه وواصلا السير معا.بينما كان وانغ يسير خلفهما وهو يتألم من جرحه .
وكانت تلك الطلقة الطائشة التي دوي صوتها وسط زراعات الذرة ، كانت قد خرجت عن غير قصد من بندقية الأخرس.وكان الأخرس صديق قديم وحميم للقائد يو، وكان بطلاً رافقه طويلاً وأكلا معاً الخبز وسط زراعات الذرة ، وكانت إحدي قدمي الأخرس قد جُرحت وهو لايزال في بطن أمه ، وكان يعرج عليها أثناء السير، ولكنه كان يسير عليها بسرعة ، وكان أبي يخشاه كثيراً.
وعندما تبدد ضباب الفجر، وصلت العصابة أخيراً إلي طريق جياو بينغ العام.وعندما سلك الركب الطريق العام ، بدا أبي أكثر مرونة وحيوية وقدرة علي السير بمفرده ، حتي أنه لم يعد يمسك بطرف ثياب القائد يو. وكان وانغ وين إي لا يزال يغطي أذنه المجروحة بتلك القماشة البيضاء وهو غارق في بكاءه. وهنا مد القائد يو يده وساعده في أن أحكم ربط الجرح حتي شمل الغطاء نصف رأسه . وراح وانغ يتألم من شدة الألم.
وقال القائد يو : »آه من عمرك الطويل !«
فرد وانغ وين إي : »لقد نزفت دمائي كلها ولا أستطيع الذهاب !«
فقال القائد يو: »عليك اللعنة ، إن جُرحك هذا لا يعادل عضة بعوضة ، وهل أنك نسيت ثأر أبنائك الثلاثة !«
فطأطأ وانغ رأسه وقال وهو يغمغم : »لا لم أنسي ، لم أنسي أبداً «.
ومضي وانغ يسير وهو يحمل بندقيته التي تلوثت بدمائه التي لم تتوقف بعد.
وكان الضباب قد تبدد تماماً، وبدا الطريق العام صحواً ، ولم يكن علي الطريق أي أثر لأقدام الأبقار والخيل أو حتي البشر.وكان الطريق المحاط من جانبيه بزراعات الذرة كفيل بأن يجعل المارة يشعرون بعدم الإطمئنان. وكان أبي يعلم أن عصابة القائد يو المكونة من أربعين شخصاً من بينهم الأبكم والأخرس والأعرج ،كانوا جميعهم جنودا شجعانا عاشوا في القرية وأختلطوا بجميع ما فيها من حيوانات وطيور.وألتف ثلاثين رجل منهم مكونين دائرة تشبه الحية أثناء نومها،وكان من بينهم من يحمل البنادق والمسدسات والمطارق والتروس الحديدية.ولم يكن أبي يعرف أنذاك شيئاً عن نصب الأكمنة وعن فائدة التروس الحديدية في نصب الأكمنة لمواجهة العدو.
الفصل الاول من رواية »الذرة الرفيعة الحمراء« للكاتب الصيني الحاصل علي نوبل مو بان.
تصدر قريبا كاملة في المشروع القومي للترجمة
»مويان« يتحدث بعد ان أن أعادته الكتابة للحياة
نوبل جائزة غربية والأدب الصيني الحديث بدأ في الثمانينات
لاتزال لدينا ممنوعات لا يمكن تناولها بشكل مباشر
تأثرت بالأدب الأمريكي اللاتينيي.. والواقعية السحرية تشطب خبراتي
روايتي الأخيرة.. الحياة والموت يستفزاني .. تحمل أسلوبي الخاص
ترجمة: أحمد عبد اللطيف
عاش الكاتب الصيني أبكم دون إرادته مدة 20 عاماً. والآن، بعد أن صار أحد أكثر الروائيين تأثيراً ومقروئية في القارة الأسيوية، ينشر رقصة الثوم قصة طويلة يرصد بها تاريخ بلده المضطرب.
يحاول الروائيون دائماً تجنب السياسة، لكن الرواية في حد ذاتها تدور حول السياسة. فالروائيون مشغولون كثيراً بمصير الإنسان غير أنهم عادة يفقدون مصيرهم الخاص. وهنا تكمن التراجيديا.
بهذا التصدير الخاص بالزعيم والديكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين، يفتتح مو يان، أحد أهم الكتاب الصينيين الحاليين تأثيراً، روايته برقصة الثوما . وهو ليس اختياراً نتيجة الصدفة، فمو يان يسبح بهدوء فوق مياه حياته الخاصة المعذبة عندما يتحدث عن كيف وصل لنشر عشر روايات، ثماني منها تُرجمت إلي لغات أخري رغم جهل الغرب بالأدب الصيني. لأنه ربما يربط مصير الإنسان بمصيره الشخصي، وما من طريقة أفضل لحكاية ذلك من الانطلاق من أرضه، من جاومي، القرية البائسة في محافظة شاندونج الساحلية، والتي شاهدت مولده في أحد أيام فبراير عام 1955، وكانت منبعاً أساسياً لإلهامه بأعماله.
حصاد ذلك عدد من الروايات الثرية التي تمزج تاريخ الصين المضطرب في القرن الأخير بالطقوس والتقاليد الخاصة بالمناطق الريفية وبروح الشعب الصيني من خلال لغة واقعية، سحرية، وصفية، إنسانية وساخرة، تأثر فيها بعدد من كُتاب الغرب مثل تولستوي وفوكنر وجابرييل جارثيا ماركيز.
رقصة الثوم
من بين كتبه الأكثر شهرة يبرز، بالإضافة ل»رقصة الثوم« (وهي صورة للصين الريفي، وتدور في السنوات الأولي لعملية الإصلاح التي بدأها دنج كسياوبينج في أواخر 1978) نجد بالذرة الرفيعة الحمراء التي تحولت لفيلم سينمائي فاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 1988؛ وبنهود كبيرة وأرداف عريضة التي صودرت في الصين، والتي تناولت تاريخ بلده في القرن العشرين من خلال حياة امرأة. وبجمهورية النبيذ«، التي فيها سخر من الفساد الحكومي ومن هواجس الدولة الخاصة بالأكل والكحول.
جالساً علي أريكة قديمة، في بار يسمي بالكُتّابا بفندق رافليس بمدينة بكين، ومحاطاً بصور أبيض وأسود لزعماء الثورة، يكسر مو يان صمته ويبدأ في حكاية حياته بعبارات متقطعة، تتناسب مع الاسم المستعار الذي اتخذه لنفسه عندما بدأ في الكتابة حين التحق بالجيش.
لا تتحدث.. !
مو يان ليس اسمي الحقيقي، فاسمي جوان موييه. واخترت هذا الاسم، الذي يعني بلا تتحدث«، لأنه يتناسب مع السنوات التي فيها لم أستطع توجيه كلمة لأحد«، يشرح بينما يتذكر طفولته. »كانت سنوات مضطربة في الثورة الثقافية (1966-1976) وكانت هناك صراعات بين أناس شعبيين بشكل يومي. كان أبي مزارعاً، وكانت أسرتي تعاني من وضع مختنق، فكان يخاف أن أقول شيئاً غير مناسب فأجلب لهم النكبات. هكذا قال لي لا تتحدث وتظاهر بأنك أبكم«.
الصمت والعزلة كانا الغذاء اليومي لهذا الطفل، أصغر إخوته الأربعة، والذي اضطر لترك المدرسة عندما كان في الابتدائية. بذاكرتي مليئة بالعزلة والجوع. كان عقد الستينيات عسيراً جداً في الصين. كنت أقضي يومي كاملاً في الحقل لرعاية الأبقار والنعاج، بينما كان الأطفال في سني يدرسون ويلعبون في مدارسهم. وكانت تمر فترات دون أن أري أحداً ليوم كاملس.
عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، بدأ الشاب مو في العمل في مصنع. كان يعمل نصف اليوم عاملاً ونصفه الآخر فلاحاً. حتي سنة 1976، حاول الالتحاق بالجيش. بكانت أفضل طريقة للحياة. لكن كان هناك حد أقصي للسن، هكذا غيرت عائلتي تاريخ ميلادي، فأصبحت أصغر بسنة. حينها، كان ذلك سهلاً جداً، لأنني لم يكن لدي شهادة ميلاد من الأصل. لهذا يعتقد البعض أنني مواليد 6591.
بعد وفاة ماو، في سبتمبر 1976، وصعود دنج كسياوبينج إلي السلطة في 79، خففت الحكومة حدة سيطرتها علي الإنتاج الأدبي وبدأت تظهر الأعمال الأولي حول كوابيس الثورة الثقافية. وسمي بأدب الجرحيا. ازدهر الأدب في هذه السنوات، وتناول عدداً كبيراً من الموضوعات الاجتماعية، التي شملت من الفساد الرسمي إلي قضايا المرأة.
التغيير الجذري
في تلك الفترة، عام 1981، نشر مو يان روايته الأولي بمطر في ليلة ربيعية بعدها جاءت 12 رواية قصيرة. الكن لم يكن الأمر سهلاً. الضباط في الكتيبة كانوا ينتقدونني لأنني أكتب بدلاً من أن أقوم بعملي. هكذا في عام 1984 التحقت بمدرسة الفن والأدب بالجيش. ومنذ ذلك الحين، استطعت أن أعيش من الأدبس.
يؤكد مو، مثل كُتاب آخرين في نفس الفترة، قبل الثورة الثقافية وبعدها، أن الخطاب الرسمي بالطيبون كاملون والأشرار لا يتمتعون بشيء طيب- قد أثر بشكل عميق في تفكيره. بلكن، في الحياة الواقعية، ما من خط يفصل الأخيار عن الأشرار، وبعدها غيرت طريقة تفكيري. وكان ذلك تغييراً جذرياً«.
»الجرجير الشفافا كان كتابه الأول الذي حقق نجاحاً، والثاني بالذرة الرفيعة الحمراءا. وهذا الأخير سمح له بشغل مكانته ككاتب. في عام 1996 نشر بنهود كبيرة وأرداف عريضة«، والتي سردت تاريخ الصين بدءاً من السنوات الأخيرة لأسرة كينج (1644-1911) حتي ما بعد ماو، من خلال حكاية امرأة لديها ثمان بنات قبل أن تصل لابن ولد مرغوب، وأنجبتهم جميعاً خارج إطار الزواج. إنها عمل كبير، عنيف، وواقعي، يعلي فيه من قيمة التضحية وقوة المرأة، لكنها صودرت في الصين لسببين، كما يحكي مؤلفها.
أولاً، لأنها كانت خارج العقيدة الرسمية، التي كانت تنص علي:ب كل ما قام به الحزب الشيوعي كان صحيحاً، بلا أي خطأ، وأن ما فعله كومينتانج (الحزب القومي لشيانج كاي- شك، والذي خسر في الحرب الأهلية أمام شيوعيي ماو زدزنج) كان شراً مطلقاً«. السبب الثاني لأنني وصفت ببشكل جريء ومباشر الجسم الإنساني«.
تأثر بالأدب الأمريكي
يري مو يان أن قرار أن يكون كاتباً »كان فكرة بسيطة«. بكل بساطة كان يريد تغيير شكل حياته لأنه لا مستقبل له في الجيش. بذات مرة، قال لي جار بقريتي قد درس في الجامعة إنه يعرف كاتباً يمكنه أن يسمح لي أن آكل ثلاث مرات في اليوم جياوزي (طعام صيني يقدره هذا الشعب). وكان هذا شيئا لا يمكن أن يتخيله طفل في قرية. وأنا كان عندي أشياء كثيرة لأرويها.. عليك أن تتخيل شخصاً مجبراً علي الصمت خلال عشرين عاماً، وفجأة يستطيع أن يحكي كل ما رآه وجربه. هذه كانت القوة الحقيقية وراء كتابنا.
يؤكد مو يان أن الأدب الأمريكي اللاتيني في الثمانينات، خاصة أدب الكولومبي جارثيا ماركيز، قد أثر كثيراً في أدبه. »الواقعية السحرية نشّطت خبراتي المتراكمة في الماضي. ثمة تشابهات كثيرة بين الحياة في قريتي وبين كتبه. في قريتي لم يكن هناك ضوء بالليل، وعندما كنت أفتح النافذة، كنت أري المجمرات تلمع في الحقل فتكسر الظلام. ذكريات طفولتي مرصعة بالأشباح. وأجدادي كانوا يحكون لي حكايات عن الأرواح. بعدها التفتُ أنني لا يصح أن أنسخ جارثيا ماركيز. أهم شيء أنني تعلمت من روحه المبدعة«.
يؤكد مو أنه عثر علي أسلوبه الخاص بداية من 1985، أسلوب يمكن تعريفه بأنه واقعي ويستخدم بنيات سردية معقدة، محمّلة بالرمزية، وبعمق الشخصيات والحكايات الطويلة. ولكن واقعيتي مختلفة عن الواقعية المستخدمة في الماضي في الصين«، يوضّح؛ تلك الواقعية الاجتماعية، التي نمذجت الحياة الريفية، والتي ميزت سنوات ما بعد ماو، والتي، طبقاً لما يوضحه، »لم تقل الحقيقة« ،»واقعية كانت تصف كومينتانج بالشيطان والحزب الشيوعي بالإلها. بواقعيتي تتحدث عن الناس العادية. أقدم للقاريء كل نوع من الشخصيات، أشخاص لم يتعامل معها أبداً، في عالم خاص، يستطيع فيه أن يتنفس ما تتنفسه ويسمع أصوات الحياة الريفيةا.
يحقق الكاتب الصيني وجوده رويداً رويداً، بينما يتناول بهدوء عصير برتقال. وعندما تسأله كم كتاباً باع، يؤكد أنه لا يعرف. مليونا نسخة علي ما أعتقد، لكنني لا أعرف. عندما تنشر كتاباً في الصين، تظهر في اليوم التالي النسخ المقرصنة.
يقول إن الرواية التي يفخر بها هي روايته الأخيرة بالحياة والموت يستفزاني«، المنشورة عام 2006. بأغلب كتبي تستخدم أسلوباً منسوخاً من الغرب. وهنا، في هذه الرواية، يظهر أسلوبي الخاص، الذي صنع قطيعة مع هذه التأثيرات.
يؤكد أن الكتاب الصينيين يختلفون عن الغربيين في أنهم يستخدمون نفسية الشخصيات من خلال لغتهم وسلوكهم، بينما الغربيون يصفون مباشرة نفسية الشخصية. ويذكر من بين كتابه المفضلين ارنست همينجواي، جونترجراس والياباني ياسوناري كاواباتا. ومن الكتاب الصينيين لو كسون والروائية الحالية وانج انيي.
يشير مو يان أن آلاف الروايات الطويلة التي تنشر كل عام في الصين، الجيد منها لا يصل لعشرين. لكن قراءاته تتركز أساساً في الأعمال الغربية المترجمة إلي الصينية. بل ويكرس وقتاً طويلاً لهذه القراءة، بالإضافة لمشاهدة التليفزيون، حيث إنه منذ انهي من كتابه الأخير لم يكتب كلمة. عندما يبدأ عمله من جديد، سيبدأه في ساعات الغروب. »ما بين التاسعة والثانية عشرة ليلاً، عندما يسود الهدوء ويتوقف التليفون عن الرنين«. ولن يستخدم الكمبيوتر لأنه يرهق نظره ولأنه أكثر بطئاً. »استخدمته خلال خمس سنوات، لكني الآن أستخدم القلم الجاف«.
مو يان أب لابنة عمرها 27 سنة، يؤكد أنه ليس لديها وقت فراغ، لكنها تحب المسرح وتسافر من آن لآخر إلي الخارج. وعندما يتكلم مو يان، تجيبه بهالة من الحزن. ربما ذلك ندبة من الطفولة القاسية التي يرويها في أعماله. بعدما كنت في الخامسة (خلال الهجمة الكبيرة، وفشل حركة التصنيع الحضري التي بدأها ماو زدونج، والتي اسست لمجاعات كبيرة وموت ملايين البشر) كانت بطون أبناء قريتي منتفخة مثل أبناء أفريقيا. الأشجار صارت بيضاء لأننا لم نأكل قشورهاا. فقط عندما زالت المرارة، أصبح قادراً علي كتابتها.
مو يان، الذي كان ذات مرة مرشحاً محتملاً لجائزة نوبل للآداب، يعتقد أن اليوم الذي ستقع فيه هذه الجائزة في يد كاتب صيني، لا يزال بعيداً. »ربما بعد مائة عام يقول باقتضاب. بأنها جائزة غربية، وأمر الترجمة للغات أخري معقدا. لكنه عندما يحلل لماذا الكتاب الصينيون أقل شهرة من جيرانهم اليابانيين، يقول: »لأنهم ليسوا جيدين كما ينبغي. الأدب الصيني الحديث يبدأ في كونه أدباً حقيقياً في عقد الثمانينات. ما بين 1949(تاريخ نشأة الجمهورية الشعبية التي أسسها ماو) و 1979، كان محملاً بالسياسة«.
أيعني ذلك أن الكتاب الصينيين يمكنهم الآن أن يكتبوا ما يريدون؟ »لا تزال هناك أشياء لا يمكن تناولها بشكل مباشر، لكن الوضع افضل بكثير من الماضي. فالكاتب الجيد يعرف العثور علي أفضل طريقة ليحكي ما يود حكايته«.
حوار منشور بمجلة »الباييس« الإسبانية عام 2008
واتحادات نشره آمس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.