تسقي فكراً وثقافة ..الآن، وبعد مرور ما يقرب علي العشر سنوات، يتأمل الصاوي التجربة معتبراً أن مسرح العرائس، المسابقات، الأنشطة المتعلقة بتعليم قواعد اللغة العربية، ودعم المكان لكتّاب القصة القصيرة جداً (مثل مسابقة للقصة التي تقرأ في دقيقة واحدة).. هو ما قدمته الساقية. كما يضيف إليها التعود علي الثقافة، حيث يقول:"اطمئن نفسي أن كلمة الثقافة صارت شعبية ومقبولة..". 50 ألف عضواً بالساقية ، لا يخافون من دخول مكانه شعاره تسقي فكراً وثقافة".. إنجاز أخير يراه الصاوي. "رزق من عند ربنّا"..هكذا يصف محمد الصاوي تجربة التأسيس.. هنا نروي الحكاية التي تعود إلي عام 2000، و انتهت بساقية الصاوي.. كانت محافظة القاهرة تدرس تخصيص جدران نفق الزمالك للدعاية لصالح إحدي شركات الإعلان. وكلفت شركة"العالمية"، التي أسسها محمد الصاوي، بدراسة الموقع، وكذلك دراسة رغبة المحافظة بتبليط الجدران بالرخام..تم فحص الموقع، لكن المحافظة لم تتوقع نتيجة الفحص .. النتيجة كانت مفاجئة عدم تبليط النفق، واتجاه الشركة لتأسيس مركز ثقافي حول النفق! "كانت لحظة دخولي للمنطقة المجاورة للنفق، وبالتحديد أسفل الكوبري مثل لحظة نور، برق في ذهني لحظتها تخيلي للمكان. شاهدت المكان ليس بوصفه مقلباً للقمامة، كما كان وقتها، أو مكاناً لتعاطي المخدرات، بل باعتباره مكاناً ثقافياً".. يقول محمد الصاوي. المكان الجديد، الذي تخيله الصاوي كان مساحة بيضاء خالية من التدخين، كما لو أنها واحة للثقافة، حسب تصور خاص سيتضح فيما بعد، في قلب العاصمة المزدحمة. لم ينشغل الصاوي بالتخصص، كان يفكر في فكرة عامة، ربما يكون تصوراً اوسع للثقافة، ويوضح: "أن تكون الثقافة للناس بلا روح حكومية"..هكذا تأسس المكان. لم يكن النشاط محدداً في البداية، ولا يزال. كانت الفكرة ببساطة محاولة لتقديم مكان متعدد الأغراض، مسرح، قاعة حفلات، تنظيم ندوات، وإقامة معارض للفن التشكيلي.. يقول:"إذا جذبت المهتم بالمسرح، من الممكن أن يجذب نشاط آخر.." كان المؤسس يفكر- كذلك- بأسلوب كسب أرضية في كل مجال. الفكرة كانت رعاية هذه الأنشطة، احتضان مواهب وتخصيص تذاكر بسعر محدود "عشرة جنيهات ليس مبلغ معجز لأحد". هل خلي حلم الصاوي من الرقابة؟ خصصت الساقية لجنة لمشاهدة الأفلام القصيرة، كانت هذه اللجنة تشاهد الأفلام قبل السماح بعرضها، حتي الآن لا توجد مشكلة، لكن ظهرت حالات رفض، وإن كانت قليلة. كانت الأسباب في الغالب أسباب أخلاقية. رغم ذلك يؤكد الصاوي أن أغلب الأنشطة تأتي كاقتراحات من الجمهور، ويحدد نسبة الاقتراحات المقدمة من رواد المكان بنسبة 90 ٪! حكاية نشأة الساقية مرتبطة، من ناحية أخري، بحالة الثقافة في مصر، كان المناخ مختنقاً بعض الشئ، الشباب لا يتابع الأنشطة الثقافية، وكان تواجد الشباب بمثابة البداية الحقيقية للمكان، وقدرته علي تقديم الثقافة بشكل سيكون جاذباً لفئة جديدة. الرهان علي الشباب، كان واضحاً من البداية، حيث ارتبطت ولادة أكثر من جماعة أدبية بالساقية، الولادة تمثلت في لقاء الكتابة، الذي نظمه المكان بشكل منتظم يوم الاربعاء.. في هذا النشاط انتظم حضور عدد من الكتّاب، الذين عرفوا فيما بعد بجيل ما بعد التسعينيات. كذلك ظهر المكان بوصفه الصانع لمناخ جديد يتسم بالمرونة من حيث القدرة علي تنظيم أنشطة بشكل أكثر حرية، مع مراعاة بعض المعايير الخاصة بالمكان.