(1 ) حدائق الزمن الماضي أنا سعيد جدا لأنه أتيحت لي الفرصة لأقرأ هذا الكتاب، وكل ما أريده أن ألفت نظر القارئ له، وإذا كان عدد صفحاته يزيد علي ثمانمائة صفحة من القطع الكبير، فإن "الغرق"بين صفحاته كان ممتعا ويستحق العناء، فهو يخطفك خطفا .الكتاب هو "ثلاثية جلبيري" للراحلة جلبيري أفلاطون، ويضم ثلاثة أجزاء: حدائق الزمن الماضي، رحلة السجون، من موت لآخر وصدر أخيرا عن المركز القومي للترجمة.شارك في ترجمة هذا السفر الضخم سهير فهمي التي ترجمت الجزء الأول، الذي يعد أصعب الأجزاء بسبب الترجمة الرديئة والأخطاء الإملائية والنحوية والركاكة بوجه عام، بينما ترجمت الجزء الثاني نجاة بلحاتم والثالث ماجدة الريدي، وهي ترجمة أيسر وأكثر سلاسة من الجزء الأول. أما جلبيري أفلاطون فهي واحدة من بنات الأكابر وترتبط عائلتها بعلاقات نسب مع العائلة المالكة، جد والدها هو حسن إسماعيل عبد الله الكاشف، ولأن العائلة تنحدر من أصول شركسية وتركية، فيبدو أن أحد مؤسسيها الكبار كان "كشافا"، وهي وظيفة تشبه المحافظ الآن، وسبب تسمية هذا الجد أفلاطون هو الباشا الكبير نفسه محمد علي، فقد كان الجد الأكبر تلميذا متفوقا جدا حتي أن زملاءه أطلقوا عليه هذا الإسم بسبب تفوقه في جميع المواد وخصوصا الفلسفة، وعندما علم الباشا بذلك أثناء اختياره للبعثة المرسلة إلي فرنسا أمر بأن يكون أفلاطون من بينها ليصبح أفلاطون فعلا! هي إذن بنت أكابر وسليلة أسرة إقطاعية، وفي الوقت نفسه شقيقة الفنانة التشكيلية الكبيرة إنجي أفلاطون اليسارية والتي استضافتها سجون الناصرية عدة مرات، أما زوج جلبيري (الاسم تركي بالطبع وهو إسم يتكرر كثيرا في عائلتها، وإن كان قد سببّ لها الكثير من المشاكل لصعوبته).. زوجها هو المفكر الراحل اليساري إسماعيل صبري عبد الله. جلبيري أيضا شاعرة تكتب بالفرنسية، وصدرت مجموعتها الشعرية الوحيدة عن واحدة من كبريات دور النشر الفرنسية المتخصصة في الشعر، وكان أول من استمع لها شعراء من مستوي إيلوار وإلزا تريوليه وأراجون..جلبيري التي لا تتقن العربية وعاشت في وَسَط إقطاعي وبورجوازي، وعندما بلغت الثامنة عشرة من عمرها تم تقديمها لجلالة الملكة نازلي حسب التقاليد، كما التقت بجلالة الملك فاروق عدة مرات، ودرست في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وواصلت دراستها في باريس..جلبيري مع كل هذا اختارت أن ترتبط بالشاب اسماعيل صبري عبد الله الذي كان يطلب العلم في باريس، وتعرّفت عليه وهي تبحث عمن يعلّمها العربية، لكن كلا منهما وقع في غرام الآخر وارتبطا حتي آخر العمر علي الرغم مما جري لإسماعيل عند عودته إلي مصر، بسبب انتمائه للحزب الشيوعي المصري الذي كان معروفا باسم "الراية" فنقل من عمله كأستاذ جامعي وتعرّض للاعتقال والتعذيب عدة مرات وكذلك الفصل من عمله، ومع ذلك ظل حبهما أقوي من كل شئ فعلا ، وليس من قبيل طق الحنك. يظل الحب معني كامنا ومحلّقا علي مدي صفحات هذه السيرة الذاتية التي تقطر صدقا وعذوبة.. أواصل الكتابة الأسبوع المقبل عن جلبيري التي لا يملك الواحد إلا أن يقع في حبها وهو يقرأ عن زمن مضي وغاب إلي الأبد.