- جلبيرى عرفها الفرنسيون و جهلها المصريون - ثلاثية جلبيرى ..تؤرخ لمصر اجتماعيا وسياسيا من فاروق للسادات - جلبيرى تتمرد على مجتمع الأغنياء و تشارك إسماعيل صبرى النضال - جلبيرى وصفت ناصر بالرجل الأكره و الأحب بتاريخنا المعاصر ..والسادات "فرعون" - المركز يطبع مذكرات جلبيرى بصورة أختها إنجى ! من حدائق الزمن الماضى .. نشهد رحلة السجون و نمضى من موتاً لآخر فى " ثلاثية جلبيرى " تلك المرأة التائهة عن عالمنا .. الكاتبة و الشاعرة ذات اللغة المرهفة و صاحبة الأسلوب السهل الممتنع ، كان من المقدر لها أن تصبح من كتاب فرنسا المرموقين و لكنها فضلت العودة لمصر لتكمل النضال على أرضها .. و مع ذلك ظلت كالمحارب فى الظل لم يعرف عنها الكثيرون ، فكانت الأضواء دوما مسلطة على زوجها المناضل اليسارى المعروف إسماعيل صبرى و أختها الفنانة التشكيلية إنجى أفلاطون . و حتى على الرغم من أن المركز القومى للترجمة قام بمجهود جبار لترجمة تلك السيرة الهامة التى تعطى لنا صورة هامة لمصر اجتماعيا و سياسيا من عهد الملك فاروق و حتى عصر السادات ، و لكنه طبع مذكراتها و على الغلاف صورة أختها " أنجى أفلاطون " ، و كأنما كتب عليها دوما أن تبقى فى الظل ! جلبيرى أفلاطون كاتبة مصرية تكتب بالفرنسية،كما كتبت قصصا ومقالات متنوعة في الصحافة الفرنسية والفرانكفونية. " ثلاثية جلبيرى " نصا أدبيا قبل أن تكون سيرة ذاتية ، استطاعت فيها جلبيرى ببراعة أن تكتب سيرة الوطن و ليس فقط سيرتها ، فتعطينا وصف دقيق للتاريخ الإجتماعى لمصر الحديثة ، والتحولات التى عرفتها بعد ثورة يوليو،من تراجع الارستقراطية القديمة وظهور الأغنياء الجدد، وخوف النظام من الشعب ومن الديمقراطية ، و تحالف البيروقراطية ، و انتشار النزعات الاستهلاكية بجوار تشدد ليس للدين بل لشكلياته. وتدريجيا تحول المجتمع الذى ولد من ثورة يوليو 1952 إلى مجتمع تسوده المصالح وتحكمه" أمن الدولة" .. ليتشكل " مجتمع العقاب " بجميع أدواته . ناقش بالأمس المركز القومى للترجمة " ثلاثية جلبيرى " بحضور د. خيرى دومة ،أستاذ اللغة العربية بجامعة القاهرة والمشرف على سلسلة الإبداع القصصى بالمركز ، و فريق العمل الذى قام بإعداد النسخة العربية :سهير فهمى ،نجاة بلحاتم،وأمينة رشيد التى كتبت مقدمة الكتاب ،وأدارت الندوة الدكتورة رانيا فتحى المشرف على المكتب الفنى وأستاذة اللغة الفرنسية بجامعة القاهرة،وتقام الندوة بقاعة طه حسين. امرأة تائهة تحدثت أمينة رشيد عن علاقتها بجلبيرى أفلاطون و التى ترجع لأكثر من خمسون عاما ، جمعهم حب اللغة الفرنسية و الأدب ، و كما وصفتها رشيد فكانت جلبيرى " امرأة تائهة عن عالمنا " . و أشارت رشيد أن أهمية الكتاب تكمن فى الطبقة التى عرضت لها جلبيرى ، فأغلب الأعمال الأدبية تتناول الطبقات الوسطى و الفقيرة ، بينما لا توجد أعمال مقنعة عن " الطبقة الارستقراطية " التى رسمت ملامحهم بعيوبها و مميزاتها بحرفية شديدة لمعايشتها لهم . و جاء الجزء الأول " حدائق من الزمن الماضى " ليحكى عن ذكريات الطفولة ، فكانت تحكى عن أنجى أفلاطون كما كانت تحكى عن نفسها ، و عن الأم تلك المرأة الشجاعة التى انفصلت عن زوجها ، و ربت أولادها بنفسها ، و رغم تمسكها فى الظاهر بشكليات الطبقة الارستقراطية و لكنها اشتغلت كعاملة خياطة فى مصنع بباريس لحبها للعمل و الأزياء ، و لرغبتها فى فتح أتيليه فى مصر ، أصبح بعد ذلك وجهة الأغنياء جميعا ، و برغم من مكانتهم الاجتماعية وافقت على زواج ابنتيها من مناضلين لا ينتموا للطبقة الارستقراطية ، و يظهر فى الفصل الأول حيرة جلبيرى الأولى بين عالم الفقراء و الأغنياء . و فى الجزء الثانى " رحلة السجون " تصف جلبيرى تجربة السجن القاسية التى مر بها زوجها إسماعيل صبر و أختها أنجى أفلاطون ، و ذلك العذاب الذى يتعرضوا له فى السجون المصرية ، من عهد عبد الناصر و حتى الآن دون أن نعرف متى سينتهى . أما فى الجزء الثالث " من موت لآخر " كتبت جلبيرى عن تجربة الموت ، كما عبرت عن كرهها للقرب من السلطة. النضال فيما تحدثت سهير فهمى مترجمة الجزء الأول " حدائق الزمن الماضى " ، عن بداية معرفتها بجلبيرى من خلال ديوان شعرى لها ، و برغم أنها كانت معروفها بكتابتها فى فرنسا و إن استمرت لأصبحت ذو مكانة مرموقة ، و لكنها فضلت العودة مع زوجها المناضل إسماعيل صبرى الذى كان مقتنعا أن النضال لا يكون من الخارج . و عن السيرة قالت فهمى أنها أتسمت بالبساطة و التلقائية ، و هذا الذى جعل من النص مميزا ، و كانت سيرتها بمثابة رؤية اجتماعية و سياسية لمصر من أيام الملك فاروق الذى حضرت و هى طفلة أحد حفلاته الملكية مع أسرتها ، وشعورها الدائم بالتمرد الداخلى على الأوضاع و مشكلة العدل الاجتماعى . كما أعطت لنا صورة حقيقية عن الطبقة الارستقراطية و التربية المحافظة المليئة بالقيود ، و اهتمامهم بالثقافة و التعليم بشكل كبير ، فكانت اللغة الفرنسية بالنسبة لها هى اللغة الأم ، و ظلت جلبيرى حبيسة عالمها حتى التقت بإسماعيل صبرى ، كما خرجت للعمل بتشجيع من والدتها رغم أن هذا أمر غير مستحب للطبقة الأرستقراطية ، و لكن جلبيرى لم تمنعها طبقتها من الانخراط فى الحياة المصرية و مشاركتها زوجها النضال ضد الأوضاع الظالمة . و قالت فهمى أن جلبيرى رفضت أن تكتب على ثلاثيتها سيرة ذاتية ، فأرادت لمن يطلع عليها أن يراها كنصا أدبيا . من جانبها قالت نجاة بلحاتم أن الثلاثية تظهر لنا بالفعل إن جلبيرى لم تكن سوى امرأة تائهة فى هذا العالم ، و كونها شاعرة فجعل لغتها مميزة تحمل سمة الشاعرية فى بعض اجزائها ، و لغته متعددة المستويات . أزمة هوية و أشار خيرى دومة أن الكتاب يعد سيرة ذاتية ليس فقط لجلبيرى و لكن لمصر، و يظهر فيها جوانب لم تسلط عليه الضوء فى أى من الأعمال التى تناولت تلك الحقبة . و أكد دومة أن " ثلاثية جلبيرى " تعبر فى مجملها عن أزمة هاوية طاحنة بين عالمين و ثقافتين متنازعين ، فالأجزاء الثلاثة تحكى قصة امرأة مصرية تمزقها الصراعات ، و كتابة السيرة الذاتية في جوهرها لون من ألوان استعادة الماضي في محاولة للبحث عن الهوية و الدفاع عنها . ويطرح الكتاب سؤالا ضمنيا يستحق التأمل، من الذي يملك حق صياغة هوية وطن كمصر؟وأيضًا حق التعبير عن هذة الهوية؟هل هم الغالبية الساحقة من أبناء الفقراء المصريين الذين لا يملكون قوت يومهم؟ وربما لا يعرفون القراءة والكتابة ولا يملكون قدرة التعبير عن هذة الهوية، أم هم الأقلية المعزولة من أبناء الأغنياء الذين يعيشون على هامش الهوية المصرية؟ و قال دومة أن الكاتبة عندما سافرت لفرنسا كانت تبدو أكثر قربا للهوية الفرنسية ، ثم رنى الوجه المصرى لجلبيرى فى متابعتها لحياة السجون ، و مناضلتها بجانب زوجها ضد الأوضاع الظالمة ، وتتضح مصريتها فى الجزء الأخير بشكل أكبر فى تصويرها لمشهد تنحى ناصر و مقتله ، فوصفته بالرجل الأكره و الأحب فى تاريخنا المعاصر ،و معه و به استعادت مصر هويتها ، فيما تنتهى سيرتها بمشهد اغتيال السادات الذى وصفته ب " الفرعون " .