ما حدث في الأيام الماضية يعيد التأكيد على أن دول الخليج، رغم ما تمتلكه من ثروات، لا تزال رهينة القواعد الأجنبية والقرارات القادمة من واشنطن، وتظل هذه الدول، في نظر كثير من المراقبين، مجرد بيادق في رقعة الشطرنج الأميركية – الإيرانية – الإسرائيلية، عاجزة عن حماية أراضيها، أو حتى الإعلان عن موقف مستقل مما يجري عليها. في تطور خطير يعيد طرح تساؤلات جوهرية حول "استقلالية" دول الخليج، كشفت الضربات الإيرانية التي استهدفت قواعد أميركية في كل من قطر والعراق عن واقع شديد الحساسية، هذه الدويلات ليست سوى ساحات عمليات عسكرية أميركية، تفتقر إلى القرار السيادي الكامل، وتخضع بشكل شبه تام لإدارة البنتاغون والبيت الأبيض.
ورغم الخطاب الرسمي الذي تتبناه العواصم الخليجية حول سيادتها وقرارها المستقل، فإن ردود الفعل الصامتة على القصف الإيراني الذي طال قاعدة "العديد" الأميركية في قطر، أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، فضحت هشاشة هذا الادعاء، القواعد الأميركية في الخليج من "العديد" في قطر إلى "الظفرة" في الإمارات، و"علي السالم" في الكويت تحوّلت إلى أهداف مباشرة في أي مواجهة كبرى، دون أن يكون لحكوماتها قرار فعلي فيما يجري على أراضيها.
وفيما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب صباح اليوم عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيز التنفيذ بعد 12 يوماً من القصف المتبادل، عبر منصة "تروث سوشال" قائلاً: "الرجاء عدم انتهاكه"، بدا واضحاً أن الحلول تُطبخ في واشنطن وتُطبّق في الخليج، دون مشاورة حقيقية لحكومات المنطقة التي تحوّلت إلى أدوات ضمن حسابات القوى الكبرى.
وأكدت إيران رسمياً، عبر هيئة الإذاعة والتلفزيون، التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، واعتبرت أن "العدو أُجبر على القبول"، في لهجة نصر. لكن ما كان ليتحقق هذا التوافق إلا بعد اتصالات أميركية عاجلة مع أمير قطر، الذي لعب دور الوسيط بطلب مباشر من ترامب ونائبه جي دي فانس، عقب الضربات التي طالت قاعدة "العديد". وذكرت وكالة "رويترز" أن رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أجرى اتصالات مكثفة مع القيادة الإيرانية، كانت حاسمة في صياغة الموقف الإيراني.
وقد لاقى الاتفاق ترحيباً دولياً، فيما أعرب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن شكره للرئيس الأميركي، لكن الانتقادات لم تغب، حيث هاجم أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني، الاتفاق معتبراً أنه يؤجل الحرب فقط، قائلاً: "بدلاً من الاستسلام غير المشروط، دخل العالم في مفاوضات مملة بينما إيران تواصل تخصيب اليورانيوم، وتطوير الصواريخ، وتمويل الإرهاب"، بحسب تعبيره.
خبراء يحذرون: القواعد الأميركية بؤر تفجير في قلب الخليج
وحذّر خبراء إستراتيجيون من أن انتشار القواعد الأميركية في الخليج يمثل تهديداً للأمن القومي العربي أكثر من كونه وسيلة للحماية، يقول المحلل العسكري د. أحمد عبد العاطي: إن "وجود هذه القواعد حولها دول الخليج إلى مصدر فخر، بينما هي في الواقع نقاط استهداف رئيسية في أي نزاع، وتزيد من احتمالية تدمير البنية التحتية لهذه الدول في أي لحظة".
ويضيف: "العديد ليست قاعدة قطرية، بل قاعدة أميركية بالكامل، وتخضع لقيادة القيادة المركزية الأميركية، وبالتالي، حين تُقصف، فإن قطر تدفع الثمن، دون أن تكون طرفاً في القرار أو الدفاع".