تعد "ثلاثية جلبيري" بمثابة سيرة ذاتية للكاتبة المصرية جلبيري أفلاطون، التي تكتب بالفرنسية، حيث تسرد في طياتها فترة محورية في تاريخ مصر المعاصر، تمتد من أواسط الأربعينيات مرورا بعهد عبد الناصر، وانتهاء بعصر السادات. يتكون هذا العمل الأدبي من ثلاثة أجزاء "حدائق الزمن الماضي - رحلة للسجون - من موت لآخر". وإذا كانت هناك العديد من الأعمال الأدبية قد تناولت حياة الطبقات المتوسطة والفقيرة، فإن أهم ما يميز هذا العمل أنه يعكس حياة الطبقة الأرستقراطية في مصر بكل مميزاتها وعيوبها، حيث كانت كاتبتنا من أفراد هذه الطبقة، لكنها في الوقت نفسه لم تنفصل عن حياة العامة، بل كانت بمثابة العين التي ترصد كل ما يدور حولها، ويأتي زواجها من المناضل السياسي إسماعيل صبري عبدالله ترجمة لذلك. إن "ثلاثية جلبيري" تعتبر شاهد عيان على العديد من اللحظات الحاسمة في ضمير هذه الأمة، علاوة على التغييرات الجذرية التي اجتاحت المجتمع المصري آنذاك، كتراجع الإقطاع وظهور طبقة الأغنياء الجدد. وإذا كان يبدو للبعض أن هذا العمل هو تجسيد لأزمة الهوية عند الكاتبة أو تعبير عن صراع داخلي ما بين ثقافة عربية وأخرى فرنسية، إلا أننا نؤكد أن هذا العمل يحمل في كل سطر من سطوره قصة عشق لهذا الوطن، فتنوع الثقافات لا يعني بعدها عن الواقع المحيط، بل هو أحد أسباب خلق هوية غنية مليئة بالقيم والمعاني السامية، بل وعقلية متسعة الأفق. ومن ثم، فإننا نشيد بفكرة صدور الطبعة العربية في مؤلف أدبي واحد، على الرغم من أن النسخة الأصلية الفرنسية ظهرت في 3 روايات منفصلة، فظهور هذا العمل الأدبي بهذه الكيفية هو اختيار ذكي حوله من مجرد سيرة ذاتية إلى تجسيد حقيقي لحقبة زمنية مؤثرة في تاريخ المصريين، بل جعله تصويرا حقيقيا للمجتمع، وهو ما يذكرنا بثلاثية الأديب العالمي نجيب محفوظ. وأخيرًا، فإننا ننصح بتحويل هذا العمل الأدبي الرائع إلى عمل فني كمسلسل أو فيلم نتوقع له نجاحا عظيما.