رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    علي معلول يغادر تونس على عكازين    عماد النحاس: نتيجة مباراة الأهلي والترجي «مقلقة»    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    هل تصمد اللقاحات أمام متحور كورونا الصيفي الجديد FLiRT؟    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    «إزاي تختار بطيخة حلوة؟».. نقيب الفلاحين يكشف طريقة اختيار البطيخ الجيد (فيديو)    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    استشهاد 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    حقيقة تعريض حياة المواطنين للخطر في موكب زفاف بالإسماعيلية    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    حزب الله يستهدف عدة مواقع لجيش الاحتلال الإسرائيلي.. ماذا حدث؟    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    رغم تعمق الانقسام فى إسرائيل.. لماذا لم تسقط حكومة نتنياهو حتى الآن؟    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    إعادة محاكمة المتهمين في قضية "أحداث مجلس الوزراء" اليوم    مسلم يطرح أحدث أغاني ألبومه الجديد «اتقابلنا» (تعرف على كلماتها)    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    مصرع شخص في انقلاب سيارته داخل مصرف بالمنوفية    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمس دقائق في مقهي علي بابا
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 12 - 2015

والذكري إن نفعت المؤمنين بها تحصنهم عند المفترق. الذكري كر وفر؛ كوتر الكمنجة ذهاباً وإياباً علي جسد آلة تتجلي في أبجديات الموسيقي ولا تحذر الوجع ولا استدراج القلوب إلي فخه، هنا في طرقات المدينة كنت أمشي وأنا أحاول قدر أحلامي وهواجسي أن أنأي عن زماني وأتوه في تضاريس المكان علي بعد خطوات من ميدان التحرير، خطوات تكفي للقفز في طريق واحد لم يكن له بديل وإن تشابهت الطرق. كان ذلك في بداية التسعينيات وبداية الحكايات الهشة وبداية التحاقي بالجامعة وتورطي في المتاهة حين كنت أخطو خطوتي الأولي في عالم الكتابة بأمل ملتهب وقدم واثبة وأخري مرتجفة، لا الرحلة كانت قد بدأت ولا الطريق انتهي؛ كنت أمشي وحدي وكل شيء من حولي واقعي: الناس والشارع وأنا لا أملك غير إيقاعي وصوت قلبي يدق لنسمة هواء شاردة بنفس حماس الوصول إلي محطة الأتوبيس القديمة في قلب ميدان التحرير، وبالطبع لم يستطع خيالي المشاكس في تلك اللحظة أن يدرك أن أكبر ميادين القاهرة الذي سُمي في بداية إنشائه باسم ميدان الاسماعيلية سيكون ميدان الثورة فيما بعد، كان فقط بالنسبة لي هو الميدان الذي نأتي إليه من كل صوب ثم تتفرق بنا السبل، وكان هو الفضاء الذي يطل عليه في هذه اللحظة الصباحية المبكرة نجيب محفوظ خلف الواجهة الزجاجية العليا لمقهي علي بابا، يرتشف من فنجان قهوته السادة ويتأمل "خلق الله" وأنا منهم ونحن نسير ونسعي كالنحل في مناكبها وفق معادلة تحافظ علي مقاديرها دون زيادة أو نقصان في مساحة يتشابك فيها الخيال بالواقع.
من خلف زجاج مقهي "علي بابا" الذي أسسه الحاج صابر علاّ عام 1968، كان نجيب محفوظ يحملق في المشاة يعبرون الميدان بلا رقيب أو متطفل "يعكنن" عليه مزاجه ويعكر صفوه، وكنت أنا قد وصلت إلي القاهرة، كعادتي حينذاك قبل الثامنة صباحاً؛ وهي مهارة قديمة حسدني عليها الكثير من أصدقائي، وحين هممت ككل أيامي أن أدلف إلي شارع القصر العيني لأتوجه إلي مجلة روزا اليوسف؛ بوابتي الأولي إلي بلاط صاحبة الجلالة، لم أتريث لحظة ولم أقاوم رغبتي المفاجئة في تغيير المسار لأمر علي مقهي علي بابا في هذا الصباح التسعيني الحيادي السابح كفكرة مجهولة في أفق غير معلوم، لم أدرك السبب وراء تغيير وجهتي إلي مقهي علي بابا ولم يعنني أساساً أن أبحث عن سبب أو أشغل بالي هل الأمر له علاقة بأديب نوبل أم لا؟ صحيح أنه كان أول الأسماء الكبيرة و"وسطتي" الرئيسية للإطلالة علي عالم القراءة الذي فتحت نافذته أيضاً علي يحيي حقي وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وقبلهم وقبل محفوظ ذاته كان الأدب الروسي المترجم الذي تعرفت عليه في مكتبة والدي التي احتوت علي العديد من الكتب التي انتمت إلي مرحلة الستينيات العامرة، وصحيح أن وجداني السينمائي محفور بأفلام كتبها أو أُخذت عن رواياته (الثلاثية، بداية ونهاية، زقاق المدق، اللص والكلاب.. وحتي الحرافيش وغيرها) وكانت بالنسبة لي مفاتيح للتوغل في النفس البشرية والغوص في العلاقات الإنسانية بكل هذا العمق في الرؤية لحيوات مختلفة تائهة في قاع المجتمع ومشحونة بعوالم خفية في المدينة المفتوحة علي بؤس ناسها وشقائهم، إضافة إلي تنوع رصيده بين الروايات التاريخية والواقعية والاجتماعية والنفسية، ما جعله شريكاً في الحراك الإبداعي والفني في مرحلة الغليان القومي، إذ في الفترة ذاتها تبلورت تجربة عبد الصبور وعبد المعطي حجازي ولويس عوض وغالي شكري ورجاء النقاش، كما ظهرت الأعمال الفنية المهمة لأم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، لكن كل ذلك لم يشكل دافعاً لي حين باشرت نهاري في ذلك الصباح بالتوجه إلي مقهي علي بابا، فلم أخطط لمقابلة أديب نوبل علي طريقة المطاردات الصحفية التي تقطع عليه سيره المحبب في شوارع القاهرة بمفرده أو جلسته الصباحية المفضلة، ولم أكن يوماً من المستلبين نحو النجوم، ولم يشدني في نجيب محفوظ هذا الجانب الذي يجعلني أسير عمياء في معراجه، ومع رعونة عمري الصغير وقتها لم أره متوافقاً مع مزاجي الريفي وأنا القروية البسيطة التي تحاول أن تدق أبواب المدينة أو مزاجي الثوري المتمرد وهو الذي يتعامل مع الحياة بطريقة الموظف الحاد في تنظيم وقته بالدقيقة والثانية، وربما اعتبرت يوسف إدريس في اللحظة التي أدخل فيها إلي المقهي هو الأقرب إليّ، وكان صدي معارك نوبل لا يزال يتردد في الأرجاء بالرغم من مرور ما يقرب من عامين( المدهش أنه بعد كل هذه السنوات أكتشف أنه بالمقارنة بين ما كتبته عن الاثنين أو عن أفلام مأخوذة عن رواياتهما فإن كفة نجيب محفوظ هي الراجحة، خصوصاً أن أول كتاب لي كان عن الفتوات في السينما ولمحفوظ النصيب الأكبر فيها)، دخلت إلي المقهي وجلست علي طاولة في الطابق الأول وطلبت فنجاناً من الشاي قبل أن أقرر مرة أخري أن أغير مكاني وأصعد إلي الطابق الثاني، فيما حدث تواطؤ ما بيني وبين جرسون المقهي الذي غض البصر وانشغل بزبائن آخرين ولم يمنعني كما فعل مع غيري من الصعود لأن "الأستاذ" في خلوته يستحوذ بحضوره علي المكان، وكأن يداً الهية دبرت لي صدفة لقائي الوحيد به، ارتباكي جعلني لم ألحظ سواه طوال خمس دقائق مضيتها أتابعه ؛ هادئاً يرتدي بذلته "السفاري" ويطالع صحف الصباح، يدخن سيجارته علي مهل فيما أنظر إليه خلسة ويكاد قلبي يتوقف من فرط حرصي ألا أصدر صوتاً، وعقلي فجأة انفجرت فيه عشرات الأسئلة عن ذلك الرجل المرئي أمامي والذي لم يلتفت إلي ليراني، وبدأت أفكر في رد فعله حين ينتبه إلي وأتساءل: هل يشعر بي فعلاً، لكنه يتجاهلني؟ ثم أجدني أهمس: مش مهم. وأروض نفسي بأن الصعب صار ممكناً وأنني الآن أمام نجيب محفوظ "الإشكالية" لجميع الكتاب، هو الأفق الذي تفتحت كل الأعين علي مداه والذي يسعون إلي تجاوزه ب"حساسية جديدة" أو "كتابة جديدة" أو عابرة للنوع، لا يهم؛ فالمهم هو فعل الاجتياز ذاته كمنعطف أساسي يفصل المراحل والمحطات علي طريق الكتابة، ثم أختلس نظرة أخري؛ لكني أري صورة كمال عبدالجواد كما جسدها نور الشريف في الثلاثية علي شاشة السينما وصراعه الوجودي في حياة عابثة، وبمجرد أن وضع الصحيفة علي طاولته ظل علي هدوئه ولم تظهر علي ملامحه أن وجودي فاجأه وإن بدا أكثر تحفظاً مما توقعت، ما جعلني أكثر ارتباكاً وأنا أقترب منه وأكاد أفقد النطق حتي صدرت عني كلمة "صباح الخير يا أستاذ" مبحوحة.. متقطعة كأنها جرحت أحبالي الصوتية، فجاءني صوته واثقاً كما لو كان مرشدي للخروج من حفرة وقعت فيها: "صباح الخير يا بنتي"، فإذا بي أتلقف بساطة ما في صوته، فأسأله بعد ما انتقلت من التهتهة إلي اللهاث: "فيه كتب كتير لحضرتك مش عارفة أجيبها منين.. ياريت حضرتك تدلني؟" السؤال العبثي الذي لم أنج منه ولم أنطق بعده حرفاً، فيما ابتسم نجيب محفوظ وقال: اتصلي بالأهرام واسألي عن واحد اسمه فتحي العشري هو مدير مكتبي واطلبي منه الكتب اللي ناقصاك".
انصرفت مسرعة من المقهي ودون أن ألتقط أنفاسي بعد هذا اللقاء، لكني لم أنس أن أتصل بالأهرام واسأل عن الناقد السينمائي فتحي العشري وأخبرته بما أردته من روايات ودراسات نقدية، ثم ذهبت في اليوم التالي إلي جريدة الأهرام وحصلت عليها ومشيت في ممر طويل أعد خطواتي: واحد، اثنان، ثلاث ... إلي أن اقتربت من المصعد وحين فُتح بابه تسمرت في مكاني حتي أشار لي الرجل المتأنق داخل المصعد، عيناه الزرقاوتان بدتا كأنهما تمتحنان صمتي أو تقيسان عمق دهشتي وهو يقول: "أيوه أنا يوسف إدريس.. ادخلي".
ثلاثة حوارات تكشف:
ماذا يعني سن المعاش لنجيب محفوظ؟
قبل عام من بلوغ محفوظ سن المعاش، أجري معه الصحفي محمد صالح حواراً بجريدة الأهرام نشر في 1970 عن رؤيته للمعاش وهل تهيأ نفسياً لهذه الانتقالة وهل ستؤثر علي عاداته، وقبل يوم واحد من المعاش حاورته جريدة الأخبار في 10 ديسمبر 1971 مؤكداً أنه لن يغير من طريقة حياته ومعلناً عن أن روايته الجديدة ستكون عن "مصر المعاصرة".. وفي الحوار الثالث لمجلة الكواكب ونشر في 26 أكتوبر 1972 يتحدث فيه عن عدد من القضايا المرتبطة بإبداعاته ورؤيته للسينما.
1 سنة قبل الإحالة للمعاش
سنة قبل الإحالة للمعاش
أديبنا الكبير نجيب محفوظ سيحتفل بعيد مولده بعد أيام.. وبعد سنة بالضبط يستريح من دواوين الحكومة.. يتركها ويتفرغ للأدب وحده.. للكتابة.. وستكون بتفاصيل أكثر عن مصر ما بعد الثورة.
- قال نجيب محفوظ.. أملي أن تساعدني الصحة علي حياة التفرغ للأدب، وأن تكون مثمرة وأكثر خصوبة من سنوات مضت.
- سألته، لكن بعض المعارضين للتفرغ يضرب بك المثل في أن التفرغ ليس شرطاً للإنتاج الجيد.
- إن إنتاجي لم يكن بفضل عدم التفرغ، ولكنه كان رغم عدم التفرغ إنني لأؤمن بفوائد التفرغ. إذ أنه أظهر آثاراً قيمة في الفن التشكيلي بالذات.. وقد لا تكون كل الحالات قد أعطت المستوي المطلوب، ولكن ذلك يعود لسوء الاختيار أحياناً، وأن الذي لا أفهمه أن يكون التفرغ مقصوراً علي الأعمال الفنية من أن بعض البحوث تحتاج إلي تفرغ، كما أن بعض الروايات التاريخية تحتاج إليه أيضاً.
- ماذا سنقرأ لك في عام ما قبل المعاش
- رواية لشخصيات اكتملت أدوارها.. شخصيات حقيقية لم أكن أفصح عنها في أعمال سابقة، سأفصح عنها هذه المرة. إنها رواية تحكي تاريخ مصر منذ مطلع القرن حتي عام 1970.
- كيف ستقضي يوم عيد مولدك ال59 يوم الجمعة القادم؟
- سأقضي فترة الظهر في جلستي بقهوة ريش، ثم أحضر الحفل الخاص الذي تقيمه الأسرة (زوجته وابنتاه أم كلثوم- 13 سنة- وفاطمة- 11 سنة).
- ما الفرق بين ندوة نجيب محفوظ في الأربعينيات بمقهي الأوبرا.. وجلسته الأسبوعية في مقهي ريش التي يواظب عليها الآن في السبعينيات.
- ندوة الأوبرا كان يحضرها جيل يعتبر أيامها جديداً، وأصبح أشخاصها الآن من بين مفكري البلد، ومن بينهم: ثروت أباظة، يوسف الشاروني، فتحي غانم، ألفريد فرج، ومحمد عفيفي.. أيامها كانت الندوة بمعني ندوة.. كنا نقرأ كتب الأدب ودواوين الشعر.. أما اليوم وبصراحة فقد أصبحت مقهي ريش مجرد "قعدة" وإن كان هذا الجيل يذكرني بجيل 45 في اعتزازه بقصصه والتطلع إلي خلق الجديد وتحقيق الذات، مع وجود خلاف هو أن جيل اليوم أكثر ثورية.
- آخر فيلم رأيته؟
نادراً ما أذهب إلي السينما.. ولكني في العيد شاهدت في الإسكندرية فيلم "دلال المصرية" باعتبار أني أعددتها للسينما. إنها خطوة متقدمة جداً في فن حسن الإمام.. إنه أبرز عنصر فني في الفيلم.
- وآخر مسرحية؟
كانت من سنين "حلاق بغداد" لألفريد فرج، وأكتفي بالقراءة أو مشاهدتها في التليفزيون، لأن سمعي ثقيل كما تلاحظ حتي لو جلست في أول صف.
- أحسن ممثلة؟
شادية ثم سعاد حسني.
- أحسن ممثل؟
أحمد مظهر.
- أحسن مخرج؟
لست أدري من: يوسف شاهين أو حسن الإمام.
- رأيك في الأصوات الجديدة؟
والله سمعت مطربتين شعبيتين في التليفزيون وعجبتاني.
- طيب وحكاية "الطشت قاللي"؟
والله أنا دهشت للضجة التي حدثت وقتها.. مع أنها أغنية ظريفة خفيفة تمثل الروح الساخرة للشعب المصري.. وأنا مستغرب!
وقال نجيب محفوظ رداً علي سؤال حول الإحالة إلي المعاش في ال60؟
- أنه شيء معقول بصفة عامة، إلا في بعض الحالات مثل الوظائف العامة، فهي يجب ألا تتقيد بسن، وهذا بالطبع مأخوذ به في السياسة، أما الوظائف الإدارية فهذا السن معقول جداً لإحالة شاغليها إلي المعاش، وأنا علي العموم سعيد جداً بقرب إحالتي إلي المعاش.
جريدة الأهرام 7 ديسمبر 1970
محمد صالح
2 رواية عن "مصر المعاصرة" يبدأ بها نجيب محفوظ عامه الستين
غداً يبلغ الكاتب الكبير نجيب محفوظ سن الستين، ويفتح صفحة جديدة من حياته، يتحرر فيها من قيود الوظيفه التي عاش في أسرها 38 عاماً، استطاع في خلالها أن يصدر نحو 30 كتاباً تحول معظمها إلي أعمال سينمائية . كان أصدقاء نجيب يريدون الاحتفال بهذه المناسبة لكنه لم يرحب بهذه الفكرة.
وقال:
إنني لم أتعود علي الاحتفال بأعياد ميلادي، ولكن أولادي هم الذين يحتفلون بهذه المناسبة في كل عام.
لكن كيف استقبل نجيب محفوظ دخوله في سن الستين، والإحالة إلي المعاش؟ إنه يضحك من كل قلبه ويقول:
كنت أنتظر هذا اليوم، منذ التحقت بوظائف الحكومة، لأعيش كفنان فقط، وأتفرغ للأدب والفن.
هل ستغير نظام حياتك عن ذي قبل؟
أبداً، فأنا أستيقظ كعادتي في السادسة صباحاً، وأغادر البيت في السابعة، وأشرب قهوتي كالمعتاد وأحمل معي الكتب والصحف، وعندما أفرغ من القراءة أزاول رياضتي المفضلة وهي المشي، وأخصص فترة ما بعد الظهر للكتابة.
ما هو الأمل الذي حققته والأمل الذي تريد تحقيقه؟
لقد أصبحت أديباً، أيما كان قدر هذا الأديب، والأمل الباقي أن أستمر في هذا السبيل.. أما كأب فأتمني أن أربي أولادي.
ما هي أعز كتبك؟
"الثلاثية" و"ثرثرة فوق النيل".
وفي السينما؟
"ثرثرة فوق النيل".
ما هي مشروعاتك الآن؟
التفرغ للكتابة، بحيث أخصص 75 في المائة من إنتاجي للأدب و25 في المائة للسينما.
ماذا تكتب الآن؟
رواية قصيرة عن مصر المعاصرة، عبارة عن دراسة لثلاث فتيات عصريات.
هل هي رواية سياسية؟
- الخلفية السياسية شيء ضروري جداً في العمل الروائي.
جريدة الأخبار 10 ديسمبر
3 نجيب محفوظ والسينما!
لقاؤنا مع الكاتب الكبير نجيب محفوظ كان قبل صدور التنظيمات الأخيرة للسينما، فكان حديثه عنها نقداً لها باعتبار ما كان.. أما نشر هذا الحديث بعد صدور التنظيمات، فإنه يشبه أن يكون تعليقاً عليها وتطلعاً إلي ما سوف يكون.
قلت لنجيب محفوظ:
قراؤك يتوقعون أن تعطيهم عشرين رواية أخري علي الأقل بعد أن تبدأ مرحلة المعاش أو ما بعد سن الستين!
تبسم الأديب الكبير.
أليس هذا كثيراً!!
الناشرون أيضاً يرحبون بهذا العطاء المنتظر كما يرحب به القراء..
قال وكأنه تذكر شيئاً: لقد نشروا كتبي في لبنان، أعني أنها نُشرت مزورة هناك، ولولا تزوير كتبي لتركت الوظيفة من زمان، فأنا سعيد بمرحلة المعاش، لأنها تجعلني فناناً فقط.
ومعني ذلك أفلام جديدة للسينما من رواياتك..
الحقيقة أنني حين كتبت رواياتي لم أكن أنتظر أن تظهر في السينما.
وهل أعجبتك رواياتك في السينما؟
نعم..
وروايات الأدباء الآخرين؟
أعجبني ما رأيته منها، ولكني منذ سنوات لا أذهب إلي السينما أو المسرح لسبب ضعف السمع الذي جعل المشاهدة لها غير ممتعة ومرض السكر يفسد علي أي متعة بطيبات الحياة!
وهل تتابع مشكلات السينما المصرية بوصفك أحد الذين تولوا مسئولية قطاعها العام في السنوات الأخيرة؟
القطاع العام نشأ بغير تأميم الإدارة قطاع عام، لكنها تتعامل مع فنانين من القطاع الخاص، فانفتحت من أول الأمر ثغرة دخل فيها الاستغلال البشع مما جعل تكاليف الفيلم لا تتفق مع الحقيقة أبداً، وكان من الأفضل أن يتم إنتاج الأفلام بواسطة إداريين وفنيين وفنانين موظفين في نطاق مرتباتهم الشهرية، ولا تأخذ مكافآت إلا في حالتين: نجاح الفيلم من الناحية الفنية ونجاحه من الناحية الجماهيرية.. أي الشباك..
.. ثم دعني أركز لك كلامي في السينما في نقط محددة:
عقلية الموظفين في السينما
لقد تولي إدارة السينما موظفون بعقلية الموظفين.. وعانت السينما من ذلك كما عانت جميع المرافق كالكهرباء والبساتين والصحة.. إلخ.. وتزايد الموظفون لدرجة كبيرة جداً مما جعل خسارة الفيلم مؤكدة في النهاية.. إنشاء دور العرض أو إنشاء الاستديوهات ثم الظروف السياسية والاقتصادية التي ضيقت نطاق التوزيع الخارجي.. لكنني في النهاية أقول إن القطاع العام فشل لأنه نشأ نشأة غير صحيحة.
كان للقطاع العام حسناته..
نعم.. قدم أفلاماً أو عاون في تقديمها وكانت تقدم بدونه "صلاح الدين" و"فجر الإسلام" ثم أفلام تجريبية طليعية كالاختيار والمومياء.. وأفلام مشتركة كالناس والنيل والفيلم الثقافي عن النيل أيضاً.. وفتح القطاع العام الطريق أمام مواهب كثيرة.. اكتشفنا شادي عبدالسلام وسعيد مرزوق.. القطاع العام فتح آفاقاً غير محدودة لمستقبل السينما في مصر.. المعاهد الفنية أعطتنا الأمل في أن يقوم فننا علي العلم.
موقف الجمهور من السينما المصرية؟
الجمهور يقف الموقف الطبيعي والمنتظر منه في نطاق تكوينه الاجتماعي والثقافي.. الأفلام الجيدة لديه تنجح.. والأفلام الرديئة تسقط.. وطبعاً لهذه القاعدة استثناء.. فليس من شك أن بعض الأفلام سقطت ولا تستحق السقوط.. وبعضها نجح ولا يستحق النجاح.. وهذا أمر يحدث في كل زمان ومكان.. والجمهور يشعر بالفن بطريقة لا واعية تسقط عنده أفلام تبشر بلغة وأسلوب سينمائيين جديدين.. ولأن هذا غير مألوف لدي الجمهور فإنها تسقط مؤكدة أن الجمهور علي حق في إسقاطها.. وأن صانعي الفيلم الجديد علي حق في خوض هذه التجربة الشجاعة.. والزمن كفيل بتصحيح كل هذا.
النقد.. أفسد السينما؟
يؤسفني أن أقول إنه ليس للنقد أي وزن في عالم السينما وأنا أتذكر الأفلام التي روج لها النقد حتي بلغ الترويج عنان السماء وكانت هذه الأفلام تغوص في السقوط.. أو هجوم النقاد الوحشي علي أفلام أحبها الجمهور.. ويندر أن يتفق النقاد مع الجمهور.. انفصال تام بين الاثنين.. حتي أن الجمهور يرتاب في الفيلم الذي يثني عليه النقاد أو يشنون هجومهم عليه.. والنقاد لدينا ثلاثة أنواع.. فريق ليس علي مستوي النقد، وفريق لا يترفق بالجمهور في تعبيراته.. وفريق ثالث يسب أفلام الجمهور المفضلة.. وكل هذا جعل النقد في طريق والجمهور في طريق.. وحتي يكون لدينا نقد سليم فنحن في انتظاره كما انتظر بطل بيكت "جودو".
الحرية للقطاع الخاص؟
لا بأس من تصفية المؤسسة.. ولا بأس من تحويل الإنتاج إلي القطاع الخاص.. ولكن الهيئة يجب ألا تتوقف عن الإنتاج.. ويجب أن نبدأ بإنشاء سينما مؤممة بالمعني الحقيقي.. توظف الشبان وتعطيهم الفرصة بتحريرهم من المكسب والخسارة.. نعتبر إنتاجهم خدمات، ونتبع نظام المكافآت وليبق القطاع الخاص حتي يؤدي رسالته ولن يبقي لدينا في النهاية إلا قطاع عام يخدم الدولة الاشتراكية والفن.
سينما الشبان؟
نعم.. هناك اتجاه سينمائي شاب.. في المومياء وزوجتي والكلب نراه لدي مدكور ثابت ويوسف شاهين الشيخ الشاب.. وهناك شبان تقليديون أكثر من الكبار في السن.. الآن نري محاولات في كتابة السيناريو لشبان.. مما يؤكد أن لدينا سيناريست.. وأن ما ينقصنا هو المؤلف السينمائي الذي نسيناه لأن السينما اعتمدت عندنا علي الاقتباس.
25 ألفاً للشرقاوي؟
في هذا الموضوع اختلفت الآراء.. وعموماً فإن القضاء حين يقول كلمته فإنها العدل.. وإذا كان التقدير لي فإن من المعقول أن يقدر أجر الفنان المصري في حدود ما جري به العرف في بلادنا.. وبعد ذلك إذا حقق الفيلم أرباحاً عالمية انطبق عليه القانون العالمي.. وأخذ الفنانون حقهم من هذا الربح.
مجلة الكواكب 26 أكتوبر 1972
حازم هاشم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.