هل نتعاطف مع الباعة السريحة أم نقف ضدهم؟ سؤال خطر على بالى وأنا أراقب شابا يحاول إقناع مجموعة من الجالسين على القهوة تشرب الشاى وتدخن الشيشة لتشترى منه سلعة يعرضها عليهم، شوف نشاطهم وحركتهم فى الشوارع والميادين والمواصلات العامة وتمسكهم بالعمل للحصول على لقمة عيش شريفة. صحيح إنهم يفترشون الشوارع ببضاعتهم بشكل يعرقل حركة السير على الرصيف وبعضهم يعطل حركة المرور ويشوه الوجه الحضارى للبلد لتتحول المدينة إلى ريف كبير، ما يضر بصناعة السياحة المضروبة أصلا و"طبعا بنعتبرهم مشكلة مع أنهم حل لكثير من الأزمات". السبب أنهم وتجارتهم ساعدوا فى توفير فرص عمل شريفة لشباب يرفض الجلوس على "القهاوى" أو الانحراف أو البلطجة معظمهم من الباحثين عن عمل شريف، ولم يجدوا فاتخذوا هذه الوظيفة، لأنها لا تحتاج إلى أموال كثيرة لمزاولتها فلا يحتاج صاحبها استئجار محل أو دفع ضرائب أو مصاريف أخرى وأغلبهم غير راضين عن هذه المهنة، ولكن الظروف المادية تضطرهم لمزاولتها. "شوف يا صاحبى لما أقولك الظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها هى السبب وراء وجود وانتشار ظاهرة الباعه الجائلين فأكثر من 60% من الشعب يقع تحت خط الفقر، وأغلبهم هم هؤلاء الباعة الجائلون وعددهم أكثر من 5 ملايين نسمة وذووهم بالملايين والمكان الذى يفترشونه مصدر رزقهم منذ زمن طويل، يسعون إلى الكسب الحلال بدلا من التسول الذى يفضله الكثير من الفقراء فى مجتمعنا، دول ناس أبطال مش مستنيين أى حاجة من أى حد بس يقدر المسئولين ظروفهم ويحلمون بحلول عاجلة ومثالية لهم". لعبة القط والفأر بين الحكومة والباعة الجائلين لن تنجح، الدليل أنه عندما تنتهى حملات إزالة الإشغالات فى أى شارع يعودون مرة أخرى، ليغلقوا الطرق طب نعمل إيه؟ نبحث عن حل جذرى وحضارى لهم وتتعاون الحكومة والجمعيات الأهلية والنقابة المزمع إنشاؤها لهم فى إنشاء استندات عرض (برتشنات) بشكل حضارى فى جميع أنحاء البلاد فى الأماكن المناسبة بالتنسيق مع المحافظة والجهة الصحية والبلدية والتعاقد مع الشركات الكبرى الوطنية والعالمية للدعاية على البرتشنات، إنشاء سوق شعبى يتجمع فيه الباعة الذين لم يحصلوا على مكان "برتشن" لبيع سلعهم بدون أخذ ضرائب ولا إيجارات مع فرض الرقابة على مختلف البضائع التى يبعونها. ببساطة إدماجهم فى منظومة الاقتصاد الرسمى، ومساعدة مشروعاتهم على الاستفادة من المزايا التى تقدمها الحكومة للمشروعات الصغيرة، وتقديم شبكة أمان اجتماعى وصحى لهم وأسرهم قبل أن نحولهم إلى طاقة مهدرة ومدمرة تسعى للانتقام من مجتمع تراه ظالما، خاصة أن الخوف زال والاحترام قل.