أكشاك عشوائية.. عربات أطعمة.. أحذية.. ملابس متنوعة.. نظارات شمس.. صواريخ وألعاب نارية، تلك هى أركان المشهد الرئيسى الذى أصبح سمة شوارع وميادين القاهرة الرئيسية بعد قيام الباعة الجائلين باستغلال ثورة 25 يناير والانفلات الأمنى باحتلال أرصفة الشوارع ومداخل ومخارج محطات مترو الأنفاق لعرض بضائعهم بشكل عشوائى حتى تحولت الميادين المحورية بالعاصمة إلى أسواق عشوائية. «الشروق» ترصد فى هذا التحقيق العالم السرى للباعة الجائلين والسماسرة، لمعرفة كيف يستطيع هؤلاء الباعة عرض بضائعهم فى الميادين المحورية دون التعرض للمساءلة. لا تكاد تطأ قدمك ميدان رمسيس أحد أشهر ميادين العاصمة حتى ترى الباعة الجائلين من حولك فى كل مكان، الذى طالما انعقدت من أجله الحكومة لعمل مسابقة عالمية لتطوير الميدان بشكل يتماشى مع التنسيق الحضارى، فأسفل مطلع كوبر ى 6 أكتوبر تجد الباعة المتخصصين فى بيع الملابس قد اتخذوا من سقف الكوبرى مظلة لهم للحماية من حرارة الشمس، ويعرضون بضائعهم على حوامل خشبية، ومن أعمدة الكوبرى حوائط لتعليق الملابس، ويقف على كل «فرشة» شخصان على الأقل.. يعملان بالتناوب فى ورديات صباحية ومسائية حتى لا يضطروا إلى ترك المكان والعودة إليه يوميا. وأمام مداخل ومخارج المترو أمام محطة مصر وحتى الكوبرى المؤدى إلى موقف أحمد حلمى وموقف القللى يزداد الباعة من أصحاب الأكشاك العشوائية التى تبيع زجاجات المياه الغازية وغيرها من منتجات غذائية. بالإضافة إلى باعة النظارات الشمسية وحقائب السفر والأحذية. أما الشارع الرئيسى بالميدان المار أسفل كوبرى 6 أكتوبر فيقف الباعة فى مقابلة بعضهم البعض حول أسوار الحدائق بالميدان، مستعينين بشمسيات كبيرة للحماية من أشعة الشمس الحارة. الغريب فى الأمر هو افتراش الباعة على رصيف نقطة قسم الأزبكية بالميدان المليئة بقيادات الشرطة من الضباط والأمناء والأفراد. ويرجع محمد السيد، 29 عاما بكالوريوس خدمة اجتماعية بائع أحذية السبب فى انتشار هذا الكم الهائل من الباعة فى ميدان رمسيس إلى الحرية التى منحتهم إياها ثورة 25 يناير «الثورة حررتنا من الخوف والجرى من البلدية.. وهى دى فرصتنا علشان نعوض الإتاوات التى كنا ندفعها لأمناء الشرطة ونعمل قرشين ينفعونا وبعدين هتلى حد يشغلنى ويدينى 1000 جنيه فى الشهر وأنا أسيب الميدان فورا». سماسرة بيع الرصيف ويتفق معه محمود الطوابى، وهو قادم من أسيوط للعمل فى القاهرة، مرجعا السبب فى انتشار الباعة الجائلين إلى عدم وجود فرص عمل يعيشون منها، خاصة بعد ثورة 25 يناير فمعظمهم يحصلون على بضائعهم من التجار بالقسط، ويسددون ثمن الأقساط من البيع بميدان رمسيس. وأوضح أنه لا يقف فى الميدان دون مقابل.. فهو يدفع أرضية لأحد البلطجية لحمايته من الاستيلاء على موقعه، الذى يبيع منه بضاعته، ولم يفصح لنا الطوابى عن المقابل الذى يدفعه نظير حمايته، ولكنه دلنا على أحد الأشخاص الذين يدفع لهم الباعة الجائلون وسط الميدان أسفل عمارة رمسيس، ويدعى صلاح. ذهبنا إلى صلاح.. وأوهمناه أننا باعة جائلون ونبحث عن مكان لعرض البضاعة فقال: «كل حتة يا صاحبى وليها أرضية.. وعلى حسب أنت هتمشى آخر اليوم ولا هتبات.. وهتفرش فين.. ولما تجيب البضاعة وتيجى هقولك هتدفع كام»، ورفض السمسار الإفصاح عن سعر الأرضية. وخلال جولتنا قال لنا أحد الباعة إن من يجلسون تحت الكوبرى بشكل دائم يدفعون 50 جنيها يوميا نظير عدم تحركهم من مكانهم، أما الباعة السريحة وأغلبهم من بائعى النظارات الشمسية فيدفعون 20 جنيها، فقط لأنهم لا يبيتون بالميدان فى مكان دائم. وفى شارع طلعت حرب بوسط القاهرة يفترش الباعة الأرصفة أمام دور العرض السينمائية وحتى تمثال طلعت حرب، وتمثل الملابس السلعة الرئيسية للباعة فى هذا الميدان الشهير. الأمر الذى يشكو منه أصحاب المحال التجارية بالشارع كما أبدى لنا الحاج على عرفة صاحب أحد المحال التجارية غاضبا من انتشار الباعة بشكل يؤثر على بيع المحال للبضائع الموجودة بها قائلا «هؤلاء الباعة لا يدفعون ضرائب ولا تأمينا ولا كهرباء ولا عمالا مؤمنا عليهم ولا إيجارا ويبيعون السلع للناس بأسعار أقل عن المحال، ناهيك عن اعتصامات ميدان التحرير.. وكل هذا أدى إلى ركود البيع فى المحال». وعلى الرغم من هذا الغضب والاستياء من أصحاب المحال بالشارع فإن بعضهم رفض فكرة الجلوس متفرجا، وقرر أن يخرج بضاعته كالباعة الجائلين فى الشارع حتى يستطيع بيع بضاعته كما أوضح لنا محمود لبيب 35 سنة صاحب محل بشارع متفرع من شارع طلعت حرب مرجعا قيامه بهذا الأمر إلى حاجته إلى ترويج البضاعة والحصول على مكسب خاصة مع قرب موسم عيد الفطر بالإضافة إلى عدم وجود شرطة المرافق فى الشارع حتى تتم مصادرة بضاعته. احتلال محطات المترو ولم تسلم محطات المترو من الباعة الجائلين، فنفس المشهد فى الشوارع والميادين الرئيسية يتكرر أمام مداخل ومخارج محطات المترو، فأمام محطة سعد زغلول يفترش الباعة الجائلون الأرصفة المواجهة للمحطة وحتى مقر وزارتى التعليم العالى والإسكان لنظرا لوجود أعداد كبيرة من الموظفين بهذه المنطقة المعروفة بمربع الوزارات، كما حدثنا أحد الباعة الجائلين للخردوات والأدوات المنزلية ويدعى «إسماعيل» موضحا أن هذه المنطقة يبدأ العمل فيها منذ دخول الموظفين إلى وزاراتهم وحتى عقب صلاة التراويح فى رمضان. موضحا أن أعداد البائعين ينخفض إلى النصف عقب الساعة الخامسة فى الأيام العادية غير شهر رمضان. ومعظم الباعة الجائلين فى هذه المنطقة يبيعون الخضراوات والفاكهة والخردوات والأدوات المنزلية، أما بائعو الملابس فتجدهم على سور متحف سعد زغلول يفترشون القمصان والبنطلونات نظرا للموقع المتميز للمتحف كما يوضح أحد الباعة الجائلين. وعلى الرغم من وجود أسباب لدى الباعة الجائلين للانتشار فى شوارع وميادين القاهرة من عدم وجود فرص عمل للتعويض عما دفعوه من إتاوات لرجال الشرطة دون النظر إلى العوائق المرورية التى يسببها الباعة الجائلون إلا أن انتشار هذه الظاهرة التى تضاعفت فيها أعداد الباعة عقب ثورة 25 يناير دفعنا لحمل ما رصدناه والتوجه إلى المسئولين بمحافظة القاهرة وشرطة المرافق لمعرفة الحلول لهذه الظاهرة. أماكن بديلة قال صبرى طه رئيس لجنة المرافق فى المجلس المحلى لمحافظة القاهرة قبل حله الذى أرجع تضاعف الباعة الجائلين بالشوارع والميادين إلى ضعف سلطة الدولة، وتحويل البلطجية لكل ما هو عام إلى خاص، بالإضافة إلى أن محافظ القاهرة الحالى لا يستطيع أخذ أى قرار فى هذه الفترة بدليل انتشار الباعة الجائلين بشكل مخيف فى ميدان رمسيس وغمرة والموسكى. وأضاف بأن قانون إشغالات الطريق الذى يطبق على الباعة لم يتغير منذ عام 1926 فالحد الأدنى للغرامة فيه 50 قرشا والحد الأقصى 5 جنيهات وذلك دون مصادرة البضاعة، وحتى إذا حررت أكثر من محضر يوميا لكل بائع لن يقع عليه أى ضرر يذكر. وقال صبرى إن المجلس المحلى سبق وأن أعد دراسة لحل أزمة الباعة الجائلين منذ سنوات ولكنها لم تنفذ حتى الآن، وتوضح الدراسة أنه عند إزالة الباعة من الشوارع لابد من توفير أماكن بديلة لهم فى نفس الوقت حتى لا يعودوا إلى الافتراش فى الشوارع مرة أخرى وذلك من خلال إيجاد أسواق لهم فى الأحياء والمناطق الجديدة. انفلات أخلاقى ومن جانبه أرجع اللواء أسامة بدير رئيس إدارة شرطة المرافق بالقاهرة السبب فى انتشار ظاهرة الباعة الجائلين فى شوارع وميادين القاهرة عما كان قبل الثورة إلى حدوث انفلات أخلاقى من هؤلاء الباعة الذين فهموا ثورة 25 يناير بشكل خاطئ وأن ما يفعلونه الآن هو الحرية التى ينادى بها الشعب. وأوضح أن عزوف الجهات المعنية وهى صندوق شباب الخريجين ووزارة التضامن الاجتماعى عن حل مشاكل هؤلاء الباعة بتوفير أماكن لهم هو السبب الرئيسى فى تضاعف أعدادهم عن السنين الماضية، فحسب آخر دراسة منذ عامين كان عدد الباعة الجائلين 2 مليون بائع فى القاهرة ولكن هذا الرقم تضاعف الآن. وأكد بدير أن إدارة شرطة المرافق وضعت خطة بدأ العمل بها من خلال 11 حملة أمنية مكبرة يوميا على محافظة القاهرة قبل وبعد الإفطار لإزالة الإشغالات التى يسببها الباعة. وأكد أن الإدارة وضعت خطة لإزالة الباعة الجائلين بميدان رمسيس لتطهيره قريبا خاصة مع قرب موعد افتتاح محطة مصر بعد الانتهاء من أعمال التجديدات. وأوضح بدير أن أصحاب البضائع من التجار الكبار يجتذبون الباعة الجائلين عن طريق منحهم البضائع بالقسط وعند القبض على الباعة يرفضون الإدلاء عن أسماء هؤلاء التجار. وشدد على ضرورة تغليظ العقوبات فى قانون الإشغالات للحد من انتشار الباعة الجائلين.