هدوء المشاعر، والاتزان الانفعالي، الناتج عن سكينة تتملك القلب، الذي يتعلق بالأمل، ويقبل التضحية، ويبحر في أعماق الداخل؛ ليظهر ملامح رسمتها الذاكرة، ولم تغير في مكنونها الأيام، ناهيك عن صبر، يتغذى عليه الوجدان؛ ليجدد من نشاطه، ويعيد إلى الإنسان منا نقاء السريرة، أعتقد أن هذا في مجمله يقع تحت فلسفة الحُب الكامن، الذي يجعل الروح في هيام، إذ يمكّنها من السمو، ويكسبها نشاطًا، وحيوية، نلاحظها في عطاء، لا يفتر، وفيض خير، لا يتوقف، ما دامت القلوب نابضة بالحياة. صحّة الأذهان تقوم على حبٍّ، يتربع في الوجدان، ويتعمّق في شرايين الإنسان؛ ليكتسب من خلاله مناعة تصونه، بل، تقيه من شرور الأمراض النفسية، والبدنية؛ فلا يُصاب بأعراض الحقد، أو البغض، ولا يقع في دائرة الهموم المتجددة، التي تضير بالروح، والجسد، ولا ينغمس في شئون تخصُّ الآخرين؛ فيتسلل إلى نفسه بوادر الحسد، ولا يسلك طرائق تؤدي إلى قسوة القلب، ولا يميل إلى سلبية، تتفتت على اعتابها أحلام مشروعة، وتسقط في براثنها سيناريوهات مخططات، تحمل غايات مستقبل مشرق. الحبّ الكامن يختبئ في أعماق القلوب، وبحور الوجدان، وبين آبار الأفئدة، التي تغور فيها أسرار، يصعب حصْرها، وهو بين كل هذا، وذاك، يُعدُّ نبراسا من الضياء، يتوهج عندما تنفتح له أبواب المُحِبُّ؛ لذا تتبدل حالة الإنسان؛ فتشعر بصفاءٍ في قلبه، تترجمه كلمات، تحمل في طيّاتها معاني البشرة، والتفاؤل، ويكسوها حنين القرب، ولهفة الاشتياق؛ ومن ثم تصبح الأرواح سابحة في أنهار، لا يكدر نقاؤها ممارسات، أو وجدانيات، أو أقوال، لا نتقبل دلالتها، ولا تتوافق معها سريرة، تربّت على منعة الحب، وتغذّت على فضائل، ومكارم الخلق. سحائب الفكر، ورحابة سعة الصدر، والاتزان، الذي يمكّن عقولنا من إنتاج طيب الأفكار، مرهونة بتواجد الحب الكامن بين سجايا الوجدان؛ ومن ثم نصف العقول المنتجة بصاحبة الحب، الذي لا ينغلق أبوابه؛ فمن يعبر من باب الفهم لا بد أن يتجرّع من كأس الاشتياق؛ وذلك لمطالعة جديد المعارف، ومن يودُّ دخول بوابة الابتكار، ينبغي أن يغترف بيديه من رحيق الحب الكامن عبر طلاقة العقل المرن، الذي لا تؤثر في آليات عمله أحداث مربكة، أو فشل مؤقت، أو خطأ، جرّاء محاولة مشروعة، ومن ينشد الريادة، والتنافسية، فإن عليه أن يطرق باب الجرأة المسئولة، التي تجعل الفرد يصنع قراره، ويتخذه في خضمّ محبة السير في مسارات النهضة، والتقدم، والازدهار. قراءة الذات، والوصول إلى مستويات من الرضا، التي تكسبنا الصحة في إطارها المتكامل، يُؤسس على امتلاكنا لفلسفة الحب، الذي يكمن فيما تحويه صدورنا؛ فندرك حينئذٍ ماهية الشعور الإيجابي، المحسّن لأمزجتنا، والمُخلّص من كافة الضغوط، والتوترات، التي تنجم عن عمل متواصل، أو جهدٍ مضنٍ، أو ممارساتٍ، ترتبط بأعمال نؤديها بصورة متكررة، أو دورية، أو حتى نمطية؛ ومن ثم نجدد طاقتنا، ويصبح لدينا دأبٌ تجاه مطالعة كل جديد؛ كي نتناغم مع ما يدور حولنا من مجريات أحداث على ساحة داخلية، نوليها اهتمامًا بالغًا، وساحة خارجية، نوقن أننا جزءٌ أصيلٌ منها. مقاطع تنهمر من الحب، الذي يسكن قلوبنا، تجعلنا قادرين على التحدي، بل، تمدّنا بأمل الفكرة، وتهيئ الوجدان للتفكر، ورغم ذلك لا تفصلنا عن غايات رئيسة، نود الوصول إليها، وهنا ندرك أن كمون الحب في تركيبتنا البشرية بمثابة الدم في الشرايين، التي تتوزع، وتتفرع في أجسادنا، التي تستعيد نشاطها بشكل مستدام؛ لتبدر بذور الخير، من خلال عطاء فياض، مكمنه قلب، قد امتلأ بالمحبة، والوجدان، وفقه مغزى المسئولية؛ فصارت نبضات الإنسان منا توجهه إلى طرائق النور في رحلته على ظهر البسيطة. ما أجمل! من أن نغالي في تجرّع ترياق الروح، المتمثل في حب نقي، يداوي جروحًا أصابتنا، جرّاء مسيرة حياة صاخبة، وما أفضل! من أن نرفع من منعة أجهزتنا الداخلية، عبر أكسير الحياة، فلا نُصاب بداء الانحراف عن مسار قويم، ولا نتعرض لأمراض، تصيب الأنفس، والقلوب، وما أفضل! من أن نمتلك أذهانا نعصفها؛ فتخرج لنا أفكارًا، بنّاءة تغير من حياتنا؛ لنصبح كرامًا على أرض استخلفنا الله - تعالى- عليها؛ فنؤدي رسالة سامية، مفعمة بالحب، والعطاء على الدوام.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. ___ أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر