تلك العلاقة المفعمة النقية، التي تحمل رسائل ضمنية، وأخرى صريحة، من الطرفين، أو حتى من طرف واحد؛ حيث تبدو الروح في تألق، نرصدها في بهجة، تعلو ملامح الوجوه، والوجدان في قمة نشاطه، نراه في ممارسات معتادة، والأحاسيس، والمشاعر في تعرجات من اللهفة، والاشتياق يأخذ صفة الاستدامة، والحنين يزداد بمضي المدة، والقلب يخفق دومًا عند سماع، أو تسمع، أو رؤية مباشرة، أو غير مباشرة لمن يعشق. الحب علاقة لا تقبل الانكسار، ولا يعتريها التغير، ولا تذوب في متلون تحديات، وصعوبات الحياة المتجددة، بل، علاقة في تزايد، ونمو مضطرد، يشعر من يحوزه بالأمن، والأمان، والاستقرار؛ فالأمزجة في تقلبها من منطلق طبيعة بشرية، لا يستطيع أحد أن ينكر خصائصها؛ لكن الحب خارج تلك الحسابات، وأعلاها بمراحل؛ فهو سبيل للراحة، والارتياح، وطريق للوصول إلى كهف السكينة. الحب يحول الألم إلى نشوة، والصراع إلى هدوء، والارتياب إلى يقين، والضوضاء إلى أنغام من الهدوء، تجعل الفؤاد في الصدر منشرحًا يرى المستقبل يحمل بين جنباته بشائر الخير، ويؤصل للسعادة مكانة، لا ينال من مقدارها نوازل الدهر؛ لكنها متجددة كالنهر الجاري، الذي يحمل أحاديث تنهمر في فيض خواطر، غير منقطعة؛ كي تحول الإنسان من دائرة صراع الحياة، إلى واحة الطمأنينة، التي تسكن فيها الأرواح، وتتآلف مع من تحب، وتعشق. الحب بوابة مرصعة ببريق طموح، وأمل، وأمنيات، وتمنٍ، ينكسر على أعتابها قسوة الأيام، وتذوب في شقوقها مرارة الفراق، وهنا يتهيأ المناخ؛ كي تتعالى ابتسامات، تحمل في طياتها مشاعر دافئة، وأحاسيس نقية، تعملان على تقوية العزيمة، والإدارة للمضي نحو مسيرة حياة تسطع في جوانبها أنوار، تضيء جوانب الطرقات؛ حينها يصل الحبيب إلى غايته، دون أن يتعثر في شوكات، يلقيها من يفتقد نعمة الحب، ولا يدرك قيمته لحياة بني البشر. نبض حياتنا يتناغم مع دقات قلوبنا؛ فنسير بهدوء إلى من نستلهم منهم الرفقة، التي نستقوى بها على عثرات الزمن، ومنزلقات غير متوقعة؛ فنعاود بهم، وبمحبتهم للطريق القويم، ونأخذ على أيديهم دروسًا، وعبر بكلمات رقراقة، تحمل بين ثناياها مشاعر نبيلة، وصدق، يؤكد على حب غائر في القلوب؛ لتصبح لدينا منعة، تقينا مخاطر السقوط، أو الانكسار، أو الانحناء؛ ومن ثم نتشبث ببارقة أمل، تنبثق من عيون، تحمل لنا فيض حب مفعم بالدفء، يكسوه الحنين، الذي تعبر عنه تنهدات، وأنفاس المحبوب. الحب حضور مستدام، لا يفتر، ولا يغيب، ولا تكسوه غمامة الهموم، والأحزان، ولا يقل بضغوطات الحياة المتوالية؛ فرفيق الدرب لا تغيب عن عيون وجدانه، ولا همسات أحاسيسه، ولا نبضات قلبه، ولا مكنون نسيج فؤاده؛ فطريق الحب مرصع بماسات مدون عليها عهود، ومواثيق، خرجت من تعابير خلجات الوجدان في لحظات، لم يكن مخطط لها، ولم توضع على أوراق؛ كي لا تتناساها ذاكرة الحبيب؛ لكنها جاءت هادرة من قلب إلى قلب؛ لتفتح أبوابا، يخرج منها كنوزا، تجعل للحياة معان، يصعب على اللسان وصفها، والكلمات رسمها. ملامح الحب نرصدها في هداية النفس لدروب الخير، ومنعتها ضد كل ما من شأنه ان يصيب الخواطر بالخيبة، ويصنع إحباطات، تتسبب في إيقاف المسيرة، ويقوض مساعي تحقيق الغايات، التي ننشدها، ونضع في مكنونها مستقبل يمتلؤ بطموحات، وتطلعات ساقتها أفكار ملهمة راقية؛ لذا فقد بات الحب نبراسًا، يهدينا إلى طرائق، يكسوها طاقات متجددة، تود أن تصل إلى مراسي الازدهار، وتتنعم في رفاهية، تمخضت عن جهود مضنية من أناس، قد ملئت قلوبهم حبًا لذويهم، بل، لوطنهم، ولا نغالي إذا ما قلنا للبشرية جمعاء. في وطن من نحب لا نشعر بتموجات العزلة، ولا فقدان لمكنون المعنى، ولا نسيان لملامح اللهفة؛ فلدينا ما يملؤ الوجدان سكينة الهدوء، ولدينا فيض مشاعر العطاء، ولدينا أحاسيس كرم السخاء، ولدينا رغبة في التضحية بكل ما تحمله من معان ترد على قلوب تفقه فلسفة الحب، وتدرك ماهيته؛ فهل نستحق أن ننهل من بحر الحب رشفة؟ تعيننا على أن نستكمل طريق حياة نرى في ملامحها مستقبل مشرق.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.