لم يكن هناك أساتذة اجتماع أيام آدم وحواء.. ليفسروا لماذا قتل قابيل أخاه هابيل، ومع أن لدينا علماء اجتماع، فإنهم عاجزون عن تفسير ظاهرة انتشار الجريمة العائلية.. التى بلغت ذروتها فى الأشهر الثلاثة الأخيرة بمعدل جريمة كل يوم، وحسب الرصد الأمنى هناك 82 جريمة قتل فى 90 يوما، كان القاتل والقتيل فيها أحد أفراد الأسرة.. أساتذة الاجتماع لديهم أسباب ثابتة.. منها غياب الوازع الدينى، والقدوة والمخدرات والفقر.. لكن هذه التفسيرات لاتصلح مع حالة الشاب الصعيدى الذى قتل والداه ثم أدى صلاة شكر.. الجريمة تمت فى إحدى قرى مركز أرمنت.. قام بها شاب عرف بحسن الخلق والأدب الشديد، بنفس الهدوء قتلهما واعترف لرجال الأمن، أنه ضاق ذرعا بأبويه لرفضهما مساعدته ماليا، وتحمل مصاريف ولادة زوجته الثانية.. وأنهما كانا سببا فى طلاق زوجته الأولى. الشاب انهال على رأس أمه بالفأس، وجلس إلى جوار جثتها.. وانتظرعودة أبيه، وأبلغه القاتل أن أمه فى زيارة لأقاربهما انتظر نوم الأب وحمل نفس الفأس وحطم رأس أبيه.. ثم توضأ وصلى ركعتين شكرا.. وظل يتلو القرآن حتى موعد الفجر.. وذهب إلى المسجد، وصلى جماعة.. وعاش يومين بجوار الجثتين.. ثم ربطهما بحجر وألقاهما فى «بيارة» للصرف الصحى. وواصل حياته يأكل ويشاهد التليفزيون.. وبعد أن أبلغ إخوته الشرطة، ولمحوا لاتهام شقيقهم.. وظهر شاهد قال إنه رآه يلقيهما فى البيارة. تم القبض عليه لم يراوغ، واعترف بالجريمة لحظة بلحظة.. وينتظر المحاكمة. ما تفسير أساتذة الاجتماع ؟.. مصطلح الجريمة البشعه كما وصفتها الصحف - رغم أنه لاتوجد جريمة جميلة -لم يحرك أستاذا واحدا أو دارسا لعلم الاجتماع ليطلب من النيابة إذنا بالجلوس إلى القاتل فى سجن قنا.. لتناول حالته بالبحث.. وهو مأكده مسئول فى نيابة قنا.. زارته زوجته الثانية فقط. قبل عقود كان القتل داخل نطاق الأسرة مزلزلا لأركان المجتمع.. والدليل أن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعيه، تفاعل فى الستينيات من القرن الماضى مع جريمتين فى نطاق الأسرة، وعقد مؤتمرين موسعين عقب كل جريمة.. ورغم تزايد جرائم القتل العائلى، من أربعين عاما لم يقدم المركز سوى دراسات استقصائية مشكوك فى دقتها عن جرائم الأسرة. أغلب الدراسات الاجتماعية تتحدث دائما عن البطالة.. والظروف الاقتصادية القاهرة. لكن فى أحدث جريمة للقتل العائلى فى دمياط، لم يكن مناسبا الحديث عن دافع البطالة.. فالقاتل تاجر أخشاب ثرى بمدينة دمياط، ارتكب جريمته ببندقية آلية محظور امتلاكها.. وقف فى الشارع على مسافه 5 أمتار من منزله يطلق الرصاص على طليقته وابنته وحماته.. وهرب بسيارته.. وبندقيته إلى بورسعيد.. حيث سقط هناك فى قبضه الشرطة.. الفقر لاعلاقة له بالجريمة. والمطلوب من خبراء الاجتماع البحث فى عقل وظروف القاتل الثرى. الذى لم يكتف بالانتقام من زوجته وحماته بل قتل ابنته. جريمة أخرى لا تعرف فيها نوع الضغوط على مراهقة تشترك مع أمها فى دس السم للأب الذى سافر إلى الخارج ليعمل.. ويترك للأم فرصتها مع ابن خالها وعشيقها.. الغريب أن قرارا بإعدام الزوج العائد لتوه فى إجازة قصيرة صدر من الابنة والزوجة.. لم ينتظرا عودته لعمله.. قدمت الابنة إلى أبيها العائد السم الذى أعدته أمها. وبعد موت الأب متألما من فعل السم أمام زوجته وابنته، انضم إليهما العشيق ليشرعوا فى تقطيع جثمانه..ويضعوها فى حقيبة السفر التى عاد بها وداخلها الهدايا. ودفنوها أسفل الخرسانة وغادروا المنزل.. وبعد تسعة أشهر.. قرر المشترى الجديد هدم المنزل وعثر على بقايا الأب المسكين. تفسير علماء الاجتماع هنا، هو التفكك الأسرى.. والظروف التى عاشتها الأسرة تنطبق على آلاف الأسر التى يسافر عائلها للخارج لزيادة دخله.. فهل معنى ذلك أن يشترك أبناء هؤلاء فى قتل آبائهم؟ القتل العائلى ضد الطبعية البشرية.. ويعتبره البعض شذوذا.. لكننا أمام ظاهرة.. تعجز الدراسات الجاهزة عن تفسيرها. لا يفسرها الحديث عن المخدرات كسبب مباشر فى جرائم القتل.. 82 جريمة فى ثلاثة أشهر، لم يكن بين القتلة الأبناء أو الآباء مدمن. وهى نفس النتيجة التى توصلت لها دراسة للدكتور طريف شوقى أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة.. تجزم أن نسبة ضئيلة من مرتكبى جرائم العنف تتعاطى الحشيش بمعدل مكثف، فى المقابل لا أحد ممن لم يرتكبوا جرائم العنف العائلى يتناول المسكرات. هناك أسباب أخرى، غير تلك المتوفرة من نصف قرن. تفسيرات الطب النفسى تبدو أكثر قربا للواقع.. تتحدث عن إصابة القاتل باكتئاب شديد وضلالات وهلاوس.. تجعله يتصور أن القتل سيريحه من أوهامه.. وهو ما ينطبق تماما على جريمة المهندس شريف حافظ. الذى قتل زوجته وابنه وابنته فى النزهة بعدما خسر أمواله فى البورصة.. ورغم أنه فشل فى الانتحار، إلا أنه مات قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه. فهل كل القتلة ال«82» فى الشهور الثلاثة الأخيرة من المصابين بالأكتئاب. لمعلوماتك... 38 حادث عنف من الأسرة ضد الطفل، أدت إلى قتل 33 طفلا فى عام 2008