يجب أن تدعم الحكومة الإذاعة بما يليق برسالتها الأخلاقية والتنويرية كيف نحتفل مع إذاعة «القرآن الكريم»، أولى الإذاعات الدينية والقرآنية في العالم الإسلامي بعيد ميلادها ال 53، هل بتقديم التبريكات والتهانى الوهمية والبروتوكولية، أم بإسداء النصيحة للقائمين عليها، حتى يصوّبوا مسارها، ويصنعوا منها منبرا إعلاميا فاعلا وهادفا في مجتمع يتراجع مؤشر أخلاقه بوتيرة متسارعة، وتتفشى فيه الجريمة، بشتى صورها، وتكاد دور العبادة تخلو من روادها؟ بادئ ذى بدء.. فإن نقد أداء إذاعة القرآن الكريم، ليس خروجا عن اللياقة، أو تجاوزا مرفوضا، فلم يعد خافيا على أحد، من محبيها ومتابعيها، أنها تحولت إلى إذاعة عقيمة، لا تواكب عصرا، ولا تجارى حدثا، ولا تصنع سبقا، ولا تبتكر جديدا، بل تتعايش مع أداء نمطى كلاسيكى، من تلاوات مكررة، وبرامج متشابهة، وأفكار جامدة، في الوقت الذي لا تكفُّ فيه الإذاعات الحكومية والخاصة، عن تطوير مضامينها ومحتواها. ومع تراجع الدور الأخلاقى للمدرسة والجامعة والإعلام المرئى والمقروء والفن، بشكل مهين، وظهور أجيال شابة تتعايش مع حالة معقدة من "البلطجة" والانفلات، انكفأت الشبكة الخمسينية، على نفسها، وبدت كأنها تعيش في "كوكب تانى"، لا تشعر فيه كيف أصبح المصريون يحتلون المواقع الأولى على مستوى العالم، في التدنى الأخلاقى، ومعانقة كل ما هو جديد في عالم الرذيلة والفكر الشاذ! ورغم الحديث المتكرر من الرئيس عبد الفتاح السيسي عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى وتنقيته من كل الشوائب التي تراكمت عليه، وصناعة خطاب دينى عصرى قادر على مجابهة الفكر الإرهابى، كان مذيعو الشبكة وضيوفها يرددون الأحاديث الضعيفة، والموضوعة ويجيبون عن استفسارات مثل: هل يجوز أن تحمل امرأة من شيطان؟! ولا يختلف أداء الشبكة من "رئيس" إلى آخر، ويبقى الاختلاف الوحيد أن الرئيس الأحدث يمنح نفسه أوقاتا مميزة لعرض برامجه التي لا تختلف عن نظيرتها في شىء، في وقت لم يغب فيه التوريث عن الإذاعة الدينية، حيث يرث الابن وظيفة أبيه، مذيعا كان أو فنيا، فضلا عن التلاعب في خريطة قراء قرآن الفجر والفعاليات والأمسيات الدينية، والكلام في هذه القضية كثير ومؤلم جدا! ورغم أن الرئيس الحالى للشبكة "حسن سليمان" صرح فور توليه مقاليد الأمور قبل أقل من عام، بأن الإذاعة في عهده سوف تقدم برامج تتسم بروح العصر، وتواكب الرغبة في تجديد الخطاب الدينى، وفإن شيئا من هذا لم يحدث، فهل فكرت الإذاعة "مثلا" في إذاعة تسجيل ل"عُرس قبطى"، أقيم مؤخرا بمحافظة "قنا"، واستهلّه أصحابه بتلاوة قرآنية مطولة، تلاها قارئ معتمد باتحاد الإذاعة والتليفزيون؟ بالطبع: لا. والسؤال: ألم يأن للقائمين على أمر الإعلام المصري، أن يجتمعوا ويفكروا مليا في سبل إعادة الحياة إلى إذاعة القرآن الكريم مجددا، من خلال إثراء مكتبتها بتلاوات قرآنية جديدة غير التي تبثها منذ سنوات طويلة، وأن تتحول برامجها إلى قلب نابض يواكب الأحداث، وأن تتوقف عن استضافة من يتبنون خطابا دينيا عقيما، يعانق الحفظ والتكرار، ويخاصم التفكير وإعمال العقل، وأن تتوسع في استضافة شيوخ غير مختومين بختم النسر وأن يتخلى مذيعوها عن ترديد "الأكلاشيهات والاسطمبات" التي توارثوها عن الأقدمين، ويستخدموا خطابا إعلاميا يقربهم إلى المستمع العادى؟ وهناك سؤال آخر.. إذا كانت إذاعة القرآن الكريم تعانى من ضعف الإمكانات التقنية، كما يقول المسئولون عنها، فلماذا تبخل عليها الحكومة بأن تمدّها بما تحتاجه، فهى أولى من الفضائية التي رصدت لها ميزانية مفتوحة، لتقديم جرعة ترفيهية لا جدوى منها؟