عن طبيعة الدور الذي يلعبه "رجال الرئيس" ومدى أهميته وخطورته، وعن المعايير التي يُفضل الالتزام بها في اختيار الرئيس السيسي مستشاريه، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. بداية.. كيف يختار رؤساء مصر الرجال المحيطين بهم..؟ تتوقف طبيعة عملية اختيار رجال الرئيس ومن يحيطه من مستشارين على الرئيس نفسه ومدى إحساسه بالحاجة لمن يساعده في إطار مؤسسة الرئاسة، حيث يستشعر بعض الرؤساء أن الحكومة والوزراء يمكنهم القيام بهذا الدور، وبالتالى لا يحتاج لعدد كبير من المستشارين حوله، كما لا يتبنى بعض الرؤساء فكرة الاعتماد على المستشارين نظرًا لما قد يؤدى إليه الأمر من خلافات مع المؤسسة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الوزراء، بينما يرى بعض الرؤساء أهمية وجود مستشارين لمساعدتهم في اتخاذ القرارات المختلفة، لذا فإن الأمر يتوقف على رؤية كل رئيس في هذا الأمر، أما فيما يتعلق بموضوع الثقة والكفاءة، فلا مفر من وجود عنصر الثقة الذي يعد من المعطيات الأساسية ولا غنى عن توافره في الرجال المحيطين بالرئيس، فلا يوجد أي مسئول يعمل مع شخص لا يثق به، ولكن هذا لا ينفى أهمية عنصر الخبرة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دبلوماسية، ومن اللافت أن معظم الرؤساء خاصة في العقود الأخيرة كانوا يفضلون أصحاب الخبرات الدبلوماسية للعمل معهم، وكان هناك اتجاه للاستعانة بعناصر من وزارة الخارجية في مؤسسات الدولة نظرا لمعرفتهم بالعالم الخارجى، فعلى سبيل المثال كان معظم المسئولين عن مكتب معلومات الرئيس الأسبق مبارك من وزارة الخارجية، على رأسهم مصطفى الفقى وسامح شكري، وزير الخارجية الحالي، بالإضافة إلى أسامة الباز، المستشار السياسي لمبارك، كما أن الرئيس السابق محمد مرسي أيضا استعان بالسفير رفاعة الطهطاوى ليكون أحد مستشاريه وهو أيضا من أبناء وزارة الخارجية. ما هو الدور الحقيقى الذي يجب أن يلعبه الرجال المحيطون بالرؤساء؟ تختلف طبيعة هذا الدور باختلاف طبيعة النظام نفسه، فنظام الولاياتالمتحدةالأمريكية على سبيل المثال، رئاسى مركزه رئيس الجمهورية، وبالتالى فإن النظام ينطوى على مؤسسة رئاسة قوية، بالإضافة إلى مجموعة من المستشارين من ذوى الكفاءة في مختلف المجالات، وذلك في ظل عدم وجود رئيس حكومة واقتصار دور الوزراء على كونهم مجرد "سكرتارية للرئيس"، وهذه هي طبيعة النظام الرئاسي، أما النظام المصرى فيجمع بين خصائص النظام الرئاسى والبرلماني، ونجد في بعض الأحيان رئيسا يميل للاعتماد بصورة أكبر على النظام الرئاسى وعلى مؤسسة رئاسة قوية، والبعض الآخر يقرر الاعتماد بصورة أكبر على النظام البرلمانى وبالتالى يعتمد على مجلس الوزراء بصفته الهيئة الاستشارية للرئيس، وكلما كان النظام رئاسيًا كلما استدعى وجود مجموعة أكبر من المستشارين للرئيس لأنه حينها يكون المسئول الوحيد عن السلطة التنفيذية مثل النظام الرئاسى في الولاياتالمتحدة. وهل يمكن لرجال الرؤساء القيام بأدوار سلبية تضر بالنظام؟ بالطبع هذا أمر ممكن، فقد يتحول هؤلاء إلى مراكز قوى بما يؤدى إلى حدوث صدام بينهم وأقرانهم من المسئولين عن الملفات ذاتها في الحكومة لأن الأمر ليس قائما بصورة دائمة على التعاون مما يؤثر في العمل التتفيذي. وهل من الممكن أن يساعد رجال الرئيس بإخفاء الحقائق عنه ومنع وصولها إليه؟ هذا أمر وارد، خاصة في ظل قلة عدد المحيطين بأى رئيس مما يسهم في تحولهم إلى "فلتر" للأفكار والحقائق يمنع وصول بعض المعلومات إلى الرئيس، لذا فإنه من الأهمية بمكان وجود تعددية في مستشارى الرئيس والحرص على ألا ينفرد شخص واحد أو عدد محدود بهذه المسئولية، وكلما زاد عدد مستشارى الرئيس كلما تنوعت الخلفيات والرؤى السياسية وتعددت الأفكار التي تصل إلى الرئيس وبالتالى يضمن عرض الأمور عليه بصورة متكاملة. وماذا عن الرجال الذين أحاطوا برؤساء مصر.. هل أسهم أحدهم في تشويه نظام الحكم؟ في عهد الرئيس عبد الناصر على سبيل المثال كان مستشارو الرئيس أقوى بكثير من وزراء الحكومة وهذا أدى إلى صراعات بينهم أثرت بالسلب في الأداء التنفيذى للدولة، وكان الأمر بمثابة "مركب له ريسين" الأول يتمثل في مستشارى الرئاسة، والثانى رئيس الحكومة، أما الرئيس السادات فقد كان اعتماده الأساسى على نفسه وعلى وزرائه، أما اعتماده على المستشارين فكان محدودا، ولم يكن مبارك يريد وجود هيئة استشارية قوية لأنها من الممكن أن تتحول إلى مراكز قوى وتدخل في صراع مع الحكومة والوزراء بما يؤثر سلبا في العمل العام، وهى تقريبا وجهة النظر ذاتها التي تبناها الرئيس السادات. وماذا عن رجال الرئيس السيسي؟ لا يزال الرئيس السيسي يعتمد على بعض المجالس الاستشارية، مثل المجلس الاقتصادى ومجلس التعليم، بالإضافة إلى بعض المستشارين مثل فايزة أبو النجا، مستشارة الأمن القومي، ويبرز البعض في هذا الصدد ضرورة وجود مستشارين من أصحاب الخبرة السياسية لإبداء وجهة النظر في العديد من القضايا السياسية المطروحة، وأرى أن هذه وجهة نظر سديدة والكفاءة وإيجابية، فلا يكفى وجود مجالس استشارية تتعامل مع القضايا الفنية مثل قضايا الصحة والاقتصاد، ولكن من المهم أيضًا وجود جهة أو مجلس يقدم المشورة السياسية للرئيس السيسي. أخيرا.. ما الطريقة المناسبة التي ينبغى أن يتبعها الرئيس السيسي لاختيار رجاله من وجهة نظرك؟ الكفاءة أولا وأخيرا، فهى عنصر أساسى ومهم بغض النظر عن توجهات أصحابها، بالإضافة إلى ضرورة امتلاك المحيطين بالرئيس الحس السياسي إلى جانب خبراتهم الفنية، لأن العمل العام ليس عملا فنيا فقط، فالقرارات لا تتعلق فقط بالمضمون ولكنها ترتبط أيضًا بالتوقيت، فمن الممكن إصدار قرار صائب 100٪، ولكن في توقيت خاطئ تنتج عنه آثار سلبية، لذا فإن الخبرة الفنية لابد أن تكون مقترنة بالحس السياسي.