كتب- صلاح خليل: تترقب القوى السياسية المعارضة فى إثيوبيا بحذر شديد تعيين رئيس وزراء جديد خلفا للمستقيل هايلي مريم ديسالين، خاصة بعد حالة الاستقطاب الحادة التى أعقبت الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق، والتي شملت عدة مدن إثيوبية، مصحوبة بأعمال عنف من قبل المحتجين والشرطة، وذلك نتيجة الاحتقان السياسي الذي تعاني منه القوى السياسية المعارضة، والتفاعلات ذات الطابع الإقصائي، كالاعتقالات التي طالت عددا من السياسيين من أعضاء الأحزاب والائتلافات المعارضة ومؤيديهم، بالإضافة إلى تقييد حرية حركة بعض القيادات السياسية المعارضة. أولا- الطبيعية الإثنية والدينية: إثيوبيا تتميز بأنها دولة تتقاطع فيها المسارات والخرائط التاريخية بطريقة تعبر عن انسجام القوميات، وتصاهرها بعضها مع بعض، وهذا ما جعل إثيوبيا -برغم كثرة الإثنيات- نادرة الصراعات ذات الطابع الإثني والقبلي بشكل يختلف عما نراه في دول جوارها، كما ندرت فيها الاحتقانات والتفاعلات الصراعية المرتكزة على العرق والدين، على الرغم من أنها دولة تزخر بتنوع هائل يحتوي على أكثر من 87 قومية وإثنية. وديموجرافيًّا يبلغ تعداد إثيوبيا السكاني نحو 100 مليون نسمة، وتمثل مجموعة الأورومو أكبر القوميات الإثيوبية بنسبة تفوق 42% من مجموع السكان، تليها الأمهرا التي تدور نسبتها حول 18%، ثم ذوو الأصول الصومالية 6%، ثم قومية التيجراي الحاكمة 7%، فيما يتميز إقليم شعوب جنوب إثيوبيا وحده بأعلى نسبة إثنية نحو 56 قومية، وبرغم كثرة الإثنيات في الجنوب فإنها لا تشكل أغلبية في إثيوبيا، وأشهرها: القراجي، السيداما، الوليتا، الهديا. وقد حملت أسماء الأقاليم التسعة في إثيوبيا الصفة العرقية المعبرة عن الهوية الثقافية والسياسية للقوميات الكبيرة عدا جنوب إثيوبيا، وهي: "أمهرة، تيجراي، العفر، بني شنغول، جامبيلا، أمم وقوميات وشعوب جنوب إثيوبيا، أروميا، هراري وصومالي". أما دينيًّا فإن الخريطة الدينية في إثيوبيا بها العديد من المعلومات المتناقضة، سواء كانت من قبل الحكومة الإثيوبية، أو المصادر غير الحكومية، حيث تشير المصادر الحكومية إلى تفوق المسيحية على الإسلام بنسبة 61.7% للمسيحية مقابل 32.89% للإسلام، و5.41% للأديان الأخرى مثل الديانات الإفريقية التقليدية. بينما تشير المصادر الإسلامية إلى تفوق الأغلبية الإسلامية بنسبة تقترب من 60%، وتمنح النسبة المتبقية للمسيحية والديانات الوثنية، ولكن هذه النسب -من جميع الجهات- ربما تتسم بالمبالغة وعدم الدقة، خوفا من إعطاء أرقام حقيقية حتى لا يتم ترجيح (مِلة) على أخرى. كما عبر الدستور عن الحالة الدينية بمبدأ فصل الدولة عن الدين، وأشار إلى عدم وجود دين للدولة، كما أكد عدم تدخل الدولة فيما يخص الشئون الدينية، وأنه لا تدخل للأديان في شئون الدولة، وهي آلية أرادت بها الجبهةُ الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية تقديم نموذج جديد لتطوير النظام السياسي من خلال تبني مبدأ علمانية الدولة، من أجل دمج جميع القوميات الإثيوبية في كيان موحد تنصهر وتذوب فيه الانتماءات والصراعات الدينية المتعددة والمعقدة. أما على المستوى الثقافي فإن التعدد الواسع في الناحيتين العرقية والإثنية، أسهم بقدر كبير في التعددية الثقافية التي تتركز على تعدد العرق والدين واللغة والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى التنوع في البيئات الطبيعية، وهذا ما ظهر جليًّا في التمازج بين الثقافات الإثيوبية التي أخذت طابع التزاوج والتركيب والانسجام، ويلاحظ أن التعدد العرقي والثقافي في إثيوبيا تمدد برغم الاختلافات الجغرافية للقوميات المختلفة. ثانيا- الهندسة الدستورية: كانت الغاية الرئيسية من الدستور الإثيوبي الذي أقر في عام 1994 معالجة التعددية الإثنية في إطار دولة فيدرالية اندماجية، لها القدرة على الاستمرارية والبقاء، وفي الوقت نفسه تمكين التحالف الحاكم من البقاء في السلطة، باعتباره ممثلا ورمزًا اتحاديًّا للدولة، لهذا جاءت الهندسة الدستورية للنظام السياسي ليكون هيكلا اتحاديا ذا مستويين، مستوى أول إقامة حكومة فيدرالية ذات نظام ديمقراطي برلماني ترتكز فيه العملية الفيدرالية على الأساس العرقي واللغة والإدارة، وآخر ينص من حيث المبدأ على حقوق المجموعات العرقية في تقرير مصيرها. وفي السياق ذاته، يسعى الدستور إلى استنباط بعض الحلول للتعددية الهائلة ولمسألتي الإثنية والدين، لتحقيق الوحدة الوطنية الإثيوبية، وذلك من خلال الاندماج والتعايش السلمي في النسيج الاجتماعي، من أجل الوصول لصيغة مقبولة للتعايش والمساواة بين القوميات، وامتدت هذه المساواة لتشمل الاعتراف باللغات لجميع القوميات، على أن تكون (الأمهرية) هي اللغة الأم في التعاملات الرسمية، في إطار الدولة العلمانية، وهذا ظهر جليًّا في بروز وهيمنة بعض حركات القوميات والإثنيات في شكل تحالفات سياسية واجتماعية، وساعد بشكل كبير في تماسك الدولة الإثيوبية بشكلها القائم. وقد مثلت المادة "39" أخطر مواد الدستور الحالي لإثيوبيا، والتي سعت بشكل واضح إلى معالجة المشكلة العرقية بطريقة حق الاعتراف ضمنا بجميع القوميات، في تقرير مصيرها بنفسها بما في ذلك الانفصال الذي يستوجب عددًا من الإجراءات، من ضمنها تصويت ثلثي أعضاء المجلس التشريعي بعد إجراء استفتاء في مدة أقصاها 3 سنوات. ثالثا- أطراف الصراع السياسي والتحالفات في إثيوبيا: 1- الجبهة الشعبية الثورية: وصل نظام الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا (EPRDF)، إلى السلطة عام 1991، بعد حكم ذي طبيعية عسكرية ماركسية امتد قرابة 17 عامًا، ومنذ وصول ائتلاف الجبهة الشعبية الثورية للشعوب الإثيوبية الحاكم، سعى في تكوين تحالف يضم مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية من مختلف الأقاليم التسعة، (حركة أمهرة الوطنية الديمقراطية" و"منظمة أورومو الشعبية الديمقراطية" و"الجبهة الديمقراطية لأمم جنوب إثيوبيا) وحزب "تحرير شعب تيجراي"، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الصغيرة ك"حزب السلام والديمقراطية" و"حزب الحركة الوطنية لكل الإثيوبيين" و"حركة تحرير سيداما" و"حزب الرؤية الإثيوبي" و"حزب الوحدة الديمقراطية الإثيوبي" و"ائتلاف من أجل الوحدة والديمقراطية" و"الحزب الديمقراطي الإثيوبي". كما تحالفت معهم بعد عام 2015، بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية كالحزب الوطني الديمقراطي للعفر، والرابطة الوطنية لهرار، والحزب الديمقراطي الصومالي الإثيوبي، وحركة الوحدة الديمقراطية الشعبية غامبيلا، والحزب الديمقراطي بنى شنغول- غوموز. وبعد استقالة ديسالين أشار الحزب الحاكم، إلى أن المشكلات الداخلية فى إثيوبيا ترتبط إلى حد ما بعدم كفاءة القيادة داخل التنظيم، وأصبح هدف الحزب البحث عن الكفاءات، ولكن مسألة الديمقراطية الداخلية داخل الائتلاف الحاكم لا تقوم على مبدأ الممارسة السياسية، مما أدى إلى إثارة الفشل فى تعزيز الهوية المزدوجة التى تجمع بين الهوية والعرقية، التى هندسها دستور عام 1994. جاءت توصيات المؤتمر التنظيمي العاشر (اللجنة المركزية) لجبهة تحرير تيجراى، الذي انعقد فى كل من مدينتى (أديس أبابا ومدينة مقلى) عاصمة إقليم تيجراى فى أكتوبر - نوفمبر 2018، بالعمل لاستعادة الشكل المركزى داخل الحزب، حفاظا على سيطرتها على السلطة، بدلا من المعالجة التى تتمثل فى المطالب الشعبية. من ناحية أخرى، فإن البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية لEPRDF، بعد المؤتمر العاشر كان مخيبا لآمال القوى السياسية الإثيوبية، بعدم الاستعداد لتقديم تنازلات فى مواجهة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة، أو حتى إصلاح ملموس داخل الحزب يبدو سابقا لأوانه، إذ كانت تتوقع الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وتعليق قانون المجتمع المدنى، وقانون الإعلام، فضلا عن استقالة اللجنة التنفيذية من جميع السلطات وتقديم جميع من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية إلى العدالة. 2- الأحزاب السياسية المعارضة والمجتمع المدنى: أما القوى السياسية المعارضة والمتمثلة في مجموعة الأحزاب السياسية والمستقلة، فأكبرها حزب الوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة، وحزب الوحدة الإثيوبية، والحزب الأزرق، والولاياتالمتحدة الإثيوبية، والفيدرالي، وحزب مؤتمر الأرومو، "مِدرك"، والحركة الديمقراطية الاتحادية للأورومو، والحزب الديمقراطى الوطنى للعفر، والعصبة الوطنية الهررية، والحركة الوطنية الإثيوبية (تحالف من أربعة أحزاب سياسية)، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني والفاعلين السياسيين المستقلين. وجاءت نتائج الانتخابات السابقة لأعوام (1995،2000،2005،2010،2015)، بفوز الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية (الحزب الحاكم) وحلفائها بأغلبية ساحقة مكنتها من تشكيل البرلمان الفيدرالي والإقليمي. ففي انتخابات عام 1995، قاطعت الأحزاب السياسية المعارضة الانتخابات احتجاجًا على عدم إشراكها في صياغة الدستور الإثيوبي، أما في انتخابات عام 2000، ففاز مرشحو الأحزاب السياسية المعارضة باثني عشر مقعدا فقط، من إجمالي مقاعد البرلمان الفيدرالي البالغ عددها (547) مقعدا، بينما تُعتبر انتخابات عام 2005 أكثر الانتخابات نزاهة وحرية في إثيوبيا، برغم زيادة أعمال العنف والاحتجاجات التي أدت إلى مقتل أكثر من 200 شخص، واعتقال أكثر من مائة من الناشطين السياسيين الذين رفضوا نتائج الانتخابات، بدعوى أنها زورت لصالح الجبهة الشعبية الثورية للشعوب الإثيوبية، حيث شهدت الانتخابات إقبالا كبيرًا من الناخبين بلغت نسبة التصويت فيه ما بين 80% إلى 90%، وقد اشتملت قوائم الانتخابات على العديد من أحزاب المعارضة، وفازت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي بنسبة 67.85% من الأصوات، وحصدت "370" مقعدا في البرلمان الفيدرالي، بينما حصلت أحزاب المعارضة على "177" مقعدًا، وحققت القوى السياسية المعارِضة مكاسب هامة لأول مرة بحصولها على عدد من المقاعد في البرلمان، ولكن ظلت أحزاب المعارضة غير راضية بهذه النتيجة بسبب المخالفات التي صاحبت عملية التصويت، خاصةً عندما رفض الحزب الحكم (الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي) إعادة فرز الأصوات مرة أخرى في بعض الدوائر، فردت المعارضة عليه باحتجاجات شعبية واسعة النطاق على مستوى إثيوبيا. أما الانتخابات التي جرت في عام 2010، فكانت من أكثر الانتخابات إثارة للجدل خلال التاريخ الانتخابي القصير لإثيوبيا، حيث اتهمت بعض أحزاب المعارضة الحزب الحاكم بتزوير الانتخابات، خاصة في المناطق الريفية، حيث إن أحزاب المعارضة قد فازت في معظم المناطق والمدن، وفاز الحزب الحاكم في المقاطعات الريفية. تمكنت أحزاب المعارضة في هذه الانتخابات من الفوز ب"210" مقاعد من إجمالي "547"، وفازت الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا بأغلبية مقاعد البرلمان للمرة الرابعة على التوالي، وقد حصل حزب التحالف من أجل الوحدة والديمقراطية على "121" مقعدًا، وحصل تجمع القوى الإثيوبية الديمقراطية على "55" مقعدا، فيما توزعت بقية المقاعد "34" مقعدا على عشرة أحزاب مختلفة. وفور إعلان نتائج الانتخابات من قبل اللجنة الانتخابية، اتهمت القوى السياسيةُ والأحزاب المعارضة الحزبَ الحاكم ومفوضية الانتخابات بتزوير الانتخابات لصالح الجبهة الشعبية الثورية للشعوب الإثيوبية، مما أدى إلى زيادة وتيرة الاحتجاجات والاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين والشرطة. وجاءت انتخابات عام 2015، في وقت حققت فيه الحكومة الإثيوبية عدة نجاحات خلال الفترة من (1991-2014)، فقد حققت إثيوبيا منذ عام 2011 نموا يقدر بما بين (10% إلى 12%)، ويعتبر من أعلى المعدلات الاقتصادية في القارة الإفريقية. لهذا، جاءت انتخابات 2015 مثيرة، وقد فاز الائتلاف الحاكم بجميع مقاعد البرلمان، وقد اتهمت الأحزاب السياسية المعارضة والمجتمع المدني الائتلاف الحاكم بالتزوير، وعلى أثره قامت احتجاجات شعبية التي تعقب كل انتخابات اعتراضا على نتائج الانتخابات، لا سيما أن انتخابات 2015، شابتها عمليات عنف من قبل السلطات الإثيوبية، مما دفع النشطاء السياسيين إلى القيام بمسيرات مناهضة ضد العملية الانتخابية، جاءت هذه الاحتجاجات فى ظل موجة ثورية عالمية وإقليمية تلعب فيها الأجيال الشابة الجديدة دورا بارزا، وتبقى جملة من القيم في مقدمتها (الديمقراطية) ملهمة لهذه الأجيال الجديدة، ومعبرة عن طموحاتهم. إجمالا جاءت الانتخابات الماضية مخيبة لآمال الجيل الجديد فى إثيوبيا، والقوى السياسية والمجتمع المدنى، تسعى حاليا الأحزاب السياسية المعارضة هذه المرة إلى تشكيل تحالفات واتفاقيات فيما بينها من أجل الضغط على الائتلاف الحاكم من أجل المشاركة الفعالة، وقد رحب التحالف من أجل الوحدة والديمقراطية بما توصلت إليه الأحزاب المختلفة من اتفاقات في شكل تحالفات سياسية من أجل الحد من سيطرة الحزب الحاكم على السلطات التشريعية والتنفيذية فى إثيوبيا، واعتبرها التحالف من أجل الوحدة والديمقراطية بداية مشجعة، وقد تكون مقدمة لمنافسة الائتلاف الحاكم على السلطة وبقوة. خاصة بعد ظهور تنظيمات عسكرية وأصبحت تلوح بالعمل العسكري كحركة "سبات قنبوت" التي يتزعمها "برهان نقا" التي يقع مقرها في إريتريا، و"جبهة تحرير الأورومو" المحظورتين، حيث طالبت كلتاهما بضرورة وجود فترة انتقالية، مع فتح حوار مباشر مع المعارضة في الداخل والخارج لوضع خارطة طريق تضمن استقرار البلاد لتجاوز الأزمة الحالية، والتمكن من إجراء الانتخابات المقبلة في عام 2020. من ناحية أخرى على مدى السنوات الماضية، استخدمت الحكومة في أديس أبابا خطابين الأول (الحرب على الإرهاب) والثاني للتنمية، لإسكات الأصوات المستقلة والحد من عملية التحول الديمقراطي. وتكميم أفواه الصحافة بشكل فعال، وتواجه المنظمات المدنية والسياسية المستقلة مجموعة من التكتيكات الحكومية، كالقمع والعنف الممنهج ضد أى نشاط مدني أو سياسي. مهددات الحزب الحاكم فى خلال الأشهر الستة الماضية تسببت حركة الاحتجاجات المستمرة من المعارضة الشعبية، في ضغوط كبيرة داخل التحالف الحاكم فى البلاد، من أجل تغيير سياسته. فى الوقت نفسه مثلت هذه الاحتجاجات تحديا غير مسبوق لحكمها الذي استمر قرابة العقود الثلاثة. أظهرت الاحتجاجات الأخيرة أن الجبهة الشعبية لتحرير "تيجراى" تستخدم الائتلاف لتأكيد قدرتها على الاحتفاظ والسيطرة على مقاليد الحكم فى إثيوبيا، في حين تشارك الأحزاب العرقية الثلاثة المتبقية (كشبكة رعاية)، تتبادل احتياجات شعوبها من أجل التأثير السياسي. ولكنهم ينسجمون بشكل وثيق مع الأيديولوجية والارتباط السياسى الذى تتبناه جبهة تحرير تيجراى. ومع تنفيذ قوميتي الأورومو والأمهرا، عصيانهما المدنى فى إقليمي أوروميا وأمهرا، فى أول مارس 2018، ظهر بعض القيادات فى التنظيمات الثلاثة المكونة للائتلاف (حركة أمهرة الوطنية الديمقراطية و"منظمة أورومو الشعبية الديمقراطية" و"الجبهة الديمقراطية لأمم جنوب إثيوبيا) وهم مدفوعون باعتبارات السلطة، بدلا من الأيديولوجية، كدعاة للإصلاح السياسي داخل جبهة تحرير تيجراى، بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية التى لم يسبق لها مثيل في أقاليمهم. التحالف بين الأورومو والأمهرا بدأ التحالف بين قوميتي أورومو وأمهرا يظهر فى السطح تحت شعار من أجل ثورة شاملة ضد نظام التيجراى (ويانى)، وأصبحت القوميتان الآن أكثر القوميات داخل إثيوبيا مهمشة ومضطهدة، فالأولى بالرغم من أنهم الأغلبية فإنهم مهمشون سياسيا، أما الثانية باعتبارها النخبة الحاكمة على مدار تاريخ الإمبراطورية الإثيوبية فأصبحت أقل مشاركة فى السلطة مما كانت عليه من قبل، وتحت شعار "الدم في أوروميا وأمهرا هو دمنا"، وهما من أكثر مناطق البلاد اكتظاظا بالسكان، إذ تشكلان معا نحو ثلثي سكان إثيوبيا، أصبح التحالف بين القوميتين أكبر تهديد للنظام الحالى فى إثيوبيا منذ وصول "جبهة تحرير تيجراى" للسلطة منذ عام 1991. وعلى الرغم من الاختلافات التاريخية طويلة الأمد بين "الأورومو - والأمهرا"، فإن المصلحة المشتركة واحدة وهى التخلص من هذا النظام، صحيح أن كلا من "أورومو وأمهرا" تشعران بعدم الاحترام والتهميش والإقصاء والمصلحة المشتركة لهما هي تغيير هذا النظام بكل الوسائل، إلا أن هناك حلما خفيا يراود النخبة الأمهرية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في حال انتهى النظام الحالي، وتراجعت الإصلاحات السياسية عن طريق التلاعب في الفترة الانتقالية واستعادة الوضع السابق. الشاهد أن للأفراد والأمم والمجموعات والأحزاب ذات الأيديولوجيات والتطلعات السياسية المختلفة أن تنشئ تحالفات، حول القاسم المشترك من خلال وضع خلافاتهم جانبا لمواجهة تهديد مشترك. على سبيل المثال أنشأت الديمقراطيات الغربية، الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص، التحالف الكبير مع الاتحاد السوفييتي لهزيمة النازية على الرغم من الهوة الأيديولوجية والسياسية العميقة بين الشيوعية والرأسمالية. لم يكن هذا التحالف طبيعيا وإنما تكتيكي، وساعد في هزيمة النازية. هذا التحالف كمثال ربما يحدث بين "الأورومو والأمهرا"، لإسقاط النظام ومن ثم أن تعود كلتاهما إلى مواقفها السابقة ولكن الفائدة عامة. صحيح أن قومية الأورومو لم يكن لها تأثير يتناسب مع مساهماتها الديمغرافية والجغرافية والاقتصادية، هذه التباينات ساعدت في تغذية العداء التاريخي بين أكبر مجموعتين فى إثيوبيا منذ سبعينيات القرن المنصرم. هذا التحالف يطرح أسئلة جوهرية، هل اهتمامات "أمهرا-الأورومو" تتقارب إلى ما وراء تغيير النظام؟ هل هما متوافقتان؟ هل لديهما فهم للماضي، ورؤية مستقبلية على المديين القصير والطويل؟ في ضوء ما سبق يعتبر التحالف بينهما الآن على الأقل تحالفا تكتيكيا، ولكنه يمثل تهديدا وكابوسا مباشرا لحكم قومية التيجراى، التي تبلغ قاعدتها العرقية نحو 7%، في بلد يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة. هذه مواجهة يمثلها أكثر من 60% من السكان معا، بالإضافة إلى المجموعات الأخرى التي من المحتمل أن تنضم إليهما خاصة التي تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد فى إثيوبيا. وفى الوقت نفسه أثار هذا التقارب قلق الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي ( النظام الحاكم)، واعتبرته سلاحا سياسيا، يهدد نموها وتمددها الذى تبنته طوال السنوات الماضية عن طريق آليتين هما: الاستقطاب والتقسيم بين قوميتي "أمهرة - أورومو"، فضلا عن بث وزراعة الخوف وعدم الثقة بينهما حتى تحقق مبتغاها. وعلى مدار السنوات ال27 عاما الماضية، اعتمد الحزب الحاكم هذه الوسائل، ولكن هذه الأساطير بدأت الآن فى الانهيار، بدأ النظام الذي لا يقهر بالارتجاف من هذا المنظار، حيث عبر كثير من المسئولين عن اشمئزازهم وغضبهم من تحالف القوميتين. وفى الواقع لم تسمح الجبهة الشعبية للقوميتين بالعمل معا للوصول إلى السلطة، وتسعى قومية التيجراى إلى تأمين هدفها المنشود وهو استقلال إقليم تيجراى عن إثيوبيا. من ناحية أخرى تعمل حاليا جبهة تحرير تيجراى (TPLF)، على إعاقة حدوث ثورة شاملة فى إثيوبيا، معللة أن الشعوب والقوميات الإثيوبية ليست متجانسة، وهى تكتيكات تستخدمها للتخويف وإرسال إشارات مهمة للمجتمع الدولي والقوميات الأخرى فى الداخل، بأن تحالف "الأورومو والأمهرا" خرافة وليست حقيقة، وتبرهن بذلك قومية "التيجراى" على أن استخدام الخيار الوحيد الثورة المسلحة ليس ضد قوميتهم بل سوف يطال الدولة الإثيوبية. رابعا- مسارات الصراع المحتملة: يمكن القول إن التشكيل الوزارى القادم فى إثيوبيا، يعطى ويمنح امتيازات أكبر لإقليمى أوروميا وأمهرا المضطربين وإصلاحات هيكلية تمكنهما من المشاركة في السلطة، بطريقة أكثر إيجابية مما كانت عليه فى السابق، وأيضا تفاديا للانزلاق إلى موجة احتجاجات سياسية قد تهدد سيطرة الأقلية الحاكمة على السلطة، لا سيما فى ظل اتساع رقعة التظاهرات والاحتجاجات فى تلك المناطق خوفا من أن تمتد إلى أقاليم أخرى صارت تتخذ موقفا تجاه الأحداث الجارية حتى تتبوأ مشاركة سياسية فى الحكومة القادمة مثل (العفر، بنى شنغول، وأجادين)، وبالتالي يصعب معها أى تسوية سياسية. ومع استمرار عمليات التعبئة وفرض حالة الطوارئ، لجأت الحكومة الإثيوبية إلى التماهى فى عدم اختيار رئيس للوزراء بعد فترة 40 يوما، وهى إشارة من الائتلاف الحاكم إلى تهدئة وتسكين الأزمة الحالية. خلاصة القول تمارس الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضغوطا شديدة على قومية التيجراى بتعيين أبي أحمد وهو مسيحي من أم مسلمة. أحمد حليف قوى للإدارة الأمريكية، لا سيما أن الإدارة الأمريكية تتطلع، فيما يتعلق بمواجهة تزايد النفوذ الصيني فى إثيوبيا، والعمل على استبدال بالاستثمارات الصينية نظيرتها الأمريكية، لأن التحالف الصيني مع قومية "التيجراى" جعلهم يهيمنون على الاقتصاد في إثيوبيا. فى الوقت نفسه يبدو أن "التيجراى" غير راضين عن أحمد خوفا من تطبيقه نموذج التمييز الإيجابي (Affirmative action) فى السياسية الإثيوبية الذى بموجبه سوف يتضاءل حجم مشاركة قومية "التيجراى" فى الحكومة الإثيوبية القادمة، وسوف تكون قوميتا "الأورومو والأمهرا" لديهما النصيب الأكبر فى التشكيل الوزاري القادم إذا تولى أحمد رئاسة الوزراء.