-النمر الأسود ينصف منى زكي بعد أزمتها مع دور "أم كلثوم": السر في العينين -زكي: التمثيل ليس تقليدا.. بل كشفا عن روح الإنسان -لا بد أن ينسى الجمهور الممثل ويتعلق بالشخصية -التشخيص فن.. أما التقليد فيهدف للإضحاك والسخرية عاد اسم الفنان الراحل أحمد زكي، من زمن الفن الجميل، ليجسد أبرز من قدم السير الذاتية في تاريخ السينما المصرية؛ ليمنح الجيل الجديد من الممثلين "روشتة" متكاملة لفهم هذه المهمة الشاقة. وكأن كلماته القديمة تستدعى اليوم لإنصاف الفنانة منى زكي بعد موجة الهجوم التي تعرضت لها عقب طرح البرومو التشويقي لفيلم "الست"، الذي تجسد فيه شخصية أم كلثوم، وبعد تصريحاتها أنها اعتمدت على الأحاسيس في أداءها للشخصية وليس التقليد. وكشف عن هذه الروشتة صاحب لقب "النمر الأسود" خلال لقائه مع الإعلامية فريال صالح في برنامج "حق الجماهير"، حين سأله المخرج الراحل عاطف سالم عن سر نجاحه الاستثنائي في تجسيد شخصية جمال عبد الناصر في فيلم "ناصر 56"، وكيف استطاع أن يجعل المتفرج ينسى أنه يشاهد ممثلاً، وأن يندمج تمامًا مع الزعيم الراحل. * الإيمان بالشخصية أولاً وقال "زكي"، بصراحة شديدة: "الممثل يصنع الشخصية أولًا، ثم يؤمن بقضيتها، ويبذل جهده كاملاً، أما الحكم النهائي فهو للجمهور والنقاد". وأكد أنه عاش حالة معاناة حقيقية أثناء الاستعداد لتجسيد شخصية عبد الناصر، بوصفه ابنًا لثورة يوليو، ومن أبناء البسطاء الذين لمسوا إنجازاتها، وهذا ما خلق داخله حيرة: "كيف يجسد رمزا تاريخيًا هو ذاته جزء من تكوينه الشخصي وذكرياته وانحيازاته؟". * ثلاثة أشهر لتجسيد زعيم أوضح أحمد زكي، أنه كان مطالبًا بتجسيد عبد الناصر في فترة قصيرة جدًا، تمتد لثلاثة أشهر فقط، تغطي لحظة مفصلية وحاسمة: قرار تأميم قناة السويس. وشدد على أنه لم يتعامل مع القرار بوصفه حدثًا سياسيًا مجردًا، بل فهم سياقه الإنساني: "زعيم يرغب في بناء بلده، يواجه عراقيل دولية تمنع إقامة السد العالي، يرى أن قناة السويس مورد طبيعي يسيطر عليه الغرب ويعود على مصر ب الفتات". وقال إن الراحل جمال عبد الناصر، درس تفاصيل اللحظة السياسية منذ عام 1953، وقرأ في الوثائق وسأل خبراء وقانونيين، فأدرك بطل الفيلم أن القضية أعمق بكثير من مجرد قرار إداري، وأن هناك مشاعر مختلطة ومتضاربة تستحق أن تظهر على الشاشة. * بين الشكل والإحساس
وأضاف أنه وقع في حيرة شديدة، وسأل نفسه: "هل يعطي الجمهور شكل وصوت عبد الناصر؟ أم يمنحهم إحساسه؟ خاصة أن الزعيم يمتلك حضورًا صوتيًا وجسديًا مميزًا، فقد كان طويل القامة وقوي البنيان، لديه نبرة صوت ساحرة تربى عليها أجيال، كانوا يعشقون خطاباته وظهوره الإعلامي، لكنه، أي زكي، كان يبحث عما هو أبعد: من نظرة العينين في لحظة القرار، والذعر المختلط بالشجاعة، والوعي بثقل هذه اللحظة التاريخية المهمة، وعليه طلب من الماكيير أن يقربه من الشكل الخارجي للشخصية، في حين أنه سيهتم بشكلها الداخلي"؛ لذا رفض مفهوم "تقليد الشخصية". وأكد: "التقليد شيء، والتشخيص شيء آخر تمامًا، فالمقلد هدفه الإضحاك، أما الممثل فهدفه الكشف عن روح الإنسان"، مشيرًا إلى أن أقسى كلمات الإشادة عليه هي أنه "نجح في تقليد عبد الناصر"، فكانت هذه الجملة تسبب له انزعاجًا شديدًا، وكان يرفضها تمامًا، حتى لو قيلت للإطراء على أدائه. * من الطفولة إلى الزعامة وقال أحمد زكي، إنه تقمص دور الطبيب النفسي وهو يدرس شخصية جمال عبد الناصر، فقد عاد سنوات طويلة للوراء في حياة عبد الناصر، وتحديدًا منذ الطفولة، حينما فقد أمه وهو في سن السادسة وذاق طعم اليتم، ثم تزوج والده وأدرك أنها لا تحبه، فذهب للعيش مع خاله ولم يشأ أن يصبح عبئًا على أحد، فتعلم لغة الصمت والمراقبة، وانحاز مبكرًا إلى القضايا الوطنية، وكون شخصية مستقلة واعية سياسيًا ومجتمعيًا، ودرس الحقوق ثم التحق بالكلية الحربية. وأضاف أنه درس الحالة النفسية للشخصية بشكل كبير حتى تملكت من جهازه العصبي وحدث توحد بينهما، متابعًا: "استخدمت لغة العيون في التعبير عن مشاعر الشخصية، وللعلم فالعين لا تُقلد، لهذا أبدأ دائمًا من الداخل من الأحاسيس." * التمثل في الواقع كذب وعلى الشاشة قمة الصدق
وانتقد زكي، انطباع البعض بأن "الممثل يمثل علينا"، مؤكدًا أن التمثيل أمام الكاميرا قائم على الصدق والاتفاق بين الفنان والمشاهد: "المشاهد يعرف أنه يشاهد أحمد زكي، لكنه يشاركه لعبة الخيال، ويصدق القصة، فيولد الإبداع، أما التمثيل خارج الشاشة – للخداع أو الكذب – فلا علاقة له بالفن إطلاقًا".