تحرير سيناء انطلاقة للتنمية بعد سلام الانتصار، احتفالية بإعلام الخارجة    الزراعة: البن المصري حلم يتحقق بعد عقود من التجارب وندرس الجدوى الاقتصادية    قرار عاجل من تعليم القاهرة بشأن تطبيق التوقيت الصيفي ومواعيد الامتحانات    عزة مصطفى تكشف موعد نهاية تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    إسرائيل تعلق على استئناف ألمانيا تمويل "الأونروا"    صندوق النقد الدولي يدشن مكتبه الإقليمي في السعودية    إعلام عبري: مجلس الأمن الإسرائيلي بحث سرا سيناريوهات اعتقال نتنياهو وجالانت وهاليفي    الرئيس السيسي يشهد انطلاق البطولة العربية العسكرية للفروسية    رياضة دمياط تستقبل بطولة قطاع الدلتا المفتوحة للكيك بوكسينج برأس البر    اعتادت إثارة الجدل، التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام البلوجر نادين طارق بنشر فيديوهات خادشة للحياء    الذكاء الاصطناعي وإحياء الموتى بشكل افتراضي!    رانيا يوسف لمنتقدي ملابسها: لن أغير ذوقي من أجل أحد    منح دولية وعروض جوائز إضافية بمهرجان بؤرة المسرحي في جامعة دمنهور    غدًا، قافلة طبية مجانية بقرى الفرافرة ضمن مبادرة "حياة كريمة" بالوادي الجديد    "مواجهته كابوس".. علي فرج يعلق على هزيمته لمحمد الشوربجي ببطولة الجونة الدولية للاسكواش (فيديو)    "تدعو لتدمير إسرائيل".. نتنياهو يهاجم المظاهرات الداعمة لفلسطين بالجامعات الأمريكية    موعد إجازة شم النسيم 2024 في مصر.. وتواريخ الإجازات الرسمية 2024    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    بدءا من الجمعة، مواعيد تشغيل جديدة للخط الثالث للمترو تعرف عليها    سبورت: برشلونة أغلق الباب أمام سان جيرمان بشأن لامين جمال    تردد قناة الجزيرة 2024 الجديد.. تابع كل الأحداث العربية والعالمية    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    صراع ماركيز ومحفوظ في الفضاء الأزرق    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    هل تقتحم إسرائيل رفح الفلسطينية ولماذا استقال قادة بجيش الاحتلال.. اللواء سمير فرج يوضح    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    إدخال 215 شاحنة إلى قطاع غزة من معبري رفح البري وكرم أبو سالم    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    أزمة الضمير الرياضى    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    سيناء من التحرير للتعمير    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد ديسالين.. حدود التغيير في إثيوبيا

تعد الظاهرة السياسية في إثيوبيا إقصائية وعنيفة بطبيعتها; إذ تقوم بالأساس علي حكم الأقليات واستبداد الجماعة الحاكمة بالسلطة والثروة واستبعاد مختلف الجماعات الإثنية الأخري, كما تشهد السياسة الإثيوبية معدلات مرتفعة من استخدام العنف, فمختلف الأحزاب الإثيوبية الرئيسية حاليا سبق وأن نشأت في صورة حركات انفصالية مسلحة,
كما أن التطورات السياسية الإثيوبية عادة ما تكون مصحوبة بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا كما حدث في السنوات الأخيرة للحكم الإمبراطوري, ومن بعدها خلال الحكم العسكري, وحتي في عهد ميليس زيناوي خلال الأزمة السياسية التي أعقبت انتخابات.2005
علي هذه الخلفية يتعين قراءة التطورات الأخيرة في إثيوبيا في ضوء خصوصية التجربة الإثيوبية التي ترسم بوضوح حدود التغيير السياسي المتوقع.
منذ1991 تحكم إثيوبيا الجبهة الديموقراطية الثورية, التي تضم أربعة أحزاب, تمثل حصرا جماعات التيجراي والأمهرا والأورومو والجماعات الجنوبية, ومنذ النشأة يتمتع التيجراي بوضع متفوق داخل الائتلاف الحاكم, فقد نجح التيجراي في اختيار حليف مطيع من داخل الأورومو تمثل في المنظمة الديموقراطية لشعب أورومو الأقل شعبية مقارنة بجبهة تحرير أورومو الممثل الأبرز للجماعة والأكثر تشددا في مطالبه الانفصالية, كما حرص التيجراي علي احتواء الأمهرا في التحالف الحاكم لقوتهم السياسية وثقلهم السكاني علي الرغم من أن نضال الجماعات الإثيوبية في العهدين الإمبراطوري والعسكري كان موجها ضد الأمهرا, وخوفا من أي تحالف ثنائي محتمل للأورومو والأمهرا واستبدادهما بالقرار داخل الجبهة, سعت التيجراي لضم حليف رابع تمثل في الجماعات الجنوبية.
وعلي الرغم من التفاوت الحاد في الثقل السكاني لهذه الجماعات, فإن مناصب الجبهة قسمت علي الأحزاب الأربعة بالتساوي, الأمر الذي رفع نصيب التيجراي في التمثيل السياسي من6%( نسبتها لسكان إثيوبيا) إلي25%, وتجنبا لتناقص نصيبها من مناصب التحالف الحاكم أغلقت جبهة تحرير تيجراي الباب أمام انضمام أحزاب أخري تمثل باقي الجماعات الإثيوبية كالصوماليين والعفر علي أن يتم اعتبارهم حلفاء من الخارج, وتجلت قوة جبهة تحرير تيجراي في ترأس ممثلها ميليس زيناوي للائتلاف الحاكم ولمجلس الوزراء الإثيوبي لأكثر من عقدين.
ومنذ وفاة زيناوي المفاجئة عام2012 فضل التيجراي السيطرة غير المباشرة علي الأوضاع في إثيوبيا بتنصيب هايلي ماريام ديسالين المنتمي للجماعات الجنوبية رئيسا للوزراء, والذي رشحه زيناوي قبل وفاته لتجنيب جبهته الانشقاقات الداخلية, وكان لهذا الخيار تبعات عديدة بدأت في خريف2015 حين اشتعلت مدن إقليم أوروميا معقل جماعة أورومو كبري الجماعات الإثيوبية بالمظاهرات التي جاءت في الظاهر احتجاجا علي خطة حكومية لتوسيع العاصمة أديس أبابا علي حساب الإقليم, لكنها في الحقيقة كانت نتاج تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجماعة, والتمثيل غير المتناسب للجماعة في المناصب الفدرالية.
وفي مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة رفعت الحكومة من سقف إجراءات المواجهة لتشمل شن حملات واسعة للاعتقالات وحظر للتظاهر باستخدام القوة المسلحة وقطع الاتصالات, ومع مشاركة جماعة أمهرا في الاحتجاجات وجدت الحكومة الإثيوبية نفسها مضطرة لفرض حالة الطوارئ في أكتوبر من العام2016, وهو الوضع الذي استمر لعشرة أشهر.

إستراتيجية التيجراي الجديدة
في مواجهة تأزم الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية, وسعيا من جبهة تحرير تيجراي لحل الأزمة المشتعلة في إقليمي أوروميا وأمهرا, تبنت الجبهة في أواسط عام2017 إستراتيجية جديدة تهدف لإيجاد حل نهائي للأزمة السياسية عبر اتخاذ خطوات ثلاث.
ففي خطوة أولي هامة, أعلنت الجبهة الديموقراطية الثورية الحاكمة في إثيوبيا, في يوليو من عام2017 عن تأجيل المؤتمر العام للجبهة من سبتمبر2017 إلي مارس2018, وهو المؤتمر الذي يعقد دوريا كل عامين ويشهد إجراء الانتخابات علي مختلف المناصب الرئيسية, وعلي امتداد تاريخ الجبهة الذي يمتد لقرابة العقود الثلاثة لم يسبق تأجيل المؤتمر العام إلا عام2012 في أعقاب وفاة زيناوي.
هذا التأجيل الهادف لحسم الأوضاع داخل الجبهة الحاكمة كان جزءا أساسيا من مخطط جبهة تحرير تيجراي لكسب الوقت لاتخاذ الخطوة الثانية المتعلقة بتنظيم أوضاعها الداخلية, ففي أكتوبر2017 بدأت سلسلة من الاجتماعات علي كافة المستويات داخل جبهة تحرير تيجراي بهدف إحداث إصلاحات جذرية وإنهاء حالة الانقسام التي سادت منذ2012 بين أعضاء اللجنة التنفيذية والتي تعد أعلي مستويات صنع القرار بالجبهة والتي تقتصر عضويتها علي تسعة أعضاء من بينهم رئيس الجبهة ونائبه.
وبحلول نوفمبر من العام ذاته تمكن أعضاء جبهة تحرير تيجراي من إقصاء ثلاثة من أبرز أعضاء اللجنة التنفيذية التي تقود الحزب, علي رأسهم أباي ولدو رئيس الجبهة, وأرملة زيناوي أزب مسفين, وبييني ميكيرو, من عضوية اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير تيجراي ليحسم الصراع لصالح الجناح الذي يضم دبرتسيون جبريميكائيل وزير الاتصالات والمعلومات بالحكومة الفيدرالية المنتخب رئيسا جديدا للجبهة, وفتلوورك جبري-إجزيابهر نائب الرئيس الجديد, وجتاشيو أسيفا مدير جهاز الاستخبارات والأمن الوطني في إثيوبيا.
أما ثالث الخطوات في الإستراتيجية الجديدة فلم تكن مدرجة علي المخطط الأصلي, وإنما فرضها التغير في سلوك رئيس الوزراء هايلي ماريام ديسالين, والذي أدرك أن نجاح جبهة تحرير تيجراي في تنفيذ الخطوتين السابقتين ما هو إلا تمهيد لطرح حل جذري للأزمة السياسية عبر إقالته من رئاسة الائتلاف الحاكم ورئاسة مجلس الوزراء في المؤتمر العام للجبهة الذي اقترب موعد انعقاده, ومن ثم, شهد شهر فبراير من عام2018 تغيرا حادا في سياسات ديسالين, الذي أحل نفسه من الالتزام بالخطوط الأساسية التي حددتها له جبهة تحرير تيجراي منذ خلافته لزيناوي.
وتجلت أبرز التغيرات في تدخل ديسالين المفاجئ في الشأن العسكري, فعلي الرغم من كونه القائد الأعلي للقوات المسلحة الإثيوبية, تظل جماعة تيجراي مهيمنة علي المؤسسة العسكرية عبر رئيس الأركان الجنرال سامورا يونس ونائبه أبراهام ولدماريام جينزيبو, وفي خطوة مفاجئة قام ديسالين بإقالة نائب رئيس الأركان وتعيين ثلاثة نواب جدد يمثلون جماعات التيجراي والأمهرا والأورومو, فضلا عن ترقية40 من كبار ضباط الجيش من خلفيات إثنية متنوعة إلي رتبة جنرال.
أما ثاني مظاهر التغير في سلوك ديسالين فتمثل في إطلاق سراح آلاف المعارضين الذين سجنوا جميعا في عهده, فمنذ عام2015 تبني الجيش وأجهزة الأمن الداخلي نهج القمع الكامل لنشاط المعارضة, وهو النهج الذي سايره ديسالين لسنوات موفرا له الغطاء السياسي الشرعي بحكم منصبه, وقد جاء هذا التغير الحاد والمفاجئ في موقف ديسالين من المعارضة قبل ساعات من استقالته المفاجئة والتي أعقبها إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر.

عوامل الثبات في السياسة الإثيوبية
في محاولة استشراف الأوضاع المستقبلية في إثيوبيا يتعين إدراك المدي الممكن للتغيير السياسي المتوقع, فبغض النظر عن الحل الذي ستتبناه الحكومة الجديدة للأزمة السياسية, وبغض النظر عن الانتماء الإثني والحزبي لرئيس الوزراء الإثيوبي القادم, لا يمكن الحديث عن إمكانية لتخلي جماعة التيجراي عن وضعها المتحكم في كافة الأوضاع الداخلية في إثيوبيا وهو ما يرجع إلي عدد من الأسباب هي:
1- احتكار التيجراي المناصب المهمة في المؤسسات العسكرية والأمنية, فمنذ1991 تعاقب أكثر من وزير للدفاع كان بعضهم من خارج الجماعة مثل الوزير الحالي سيراج فيجيسا المنتمي للجماعات الجنوبية, وسلفه كوما ديميكسا ومن قبله عبد الله جيميدا المنتمين للأورومو.
وعلي الرغم من ذلك, سيطرت التيجراي علي القوات المسلحة عبر رئيس الأركان سامورا يونس الذي يعد القائد الفعلي للقوات المسلحة في ظل كون منصب وزير الدفاع منصبا سياسيا, هذا بجانب انتماء أكثر من نصف ضباط الجيش الإثيوبي لجماعة تيجراي وهي النسبة التي تزداد بارتفاع الرتب, كما يسيطر التيجراي علي جهاز الاستخبارات والأمن القومي والذي رأسه لسنوات جتاشيو أسيفا عضو اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير تيجراي.
2- هيمنة الجماعة علي الاقتصاد الإثيوبي من خلال ذراعها الاقتصادي المتمثل في الصندوق الوقفي لإعادة تأهيل إقليم تيجرايEFFORT وهو تحالف بين12 شركة كبري تعمل في مجالات متعددة كالصناعة والاتصالات والإنشاءات, ويعتبر الصندوق أحد أبرز شركاء الحكومة الإثيوبية في مشروعاتها الإنشائية الكبيرة خاصة في قطاع السدود, إذ شارك الصندوق في بناء سدود جيبا وزاريما وتيكيزي, بالإضافة لاحتكار شركة ميسيبو التابعة للصندوق توريد الإسمنت لمشروع سد النهضة, كما حرصت جماعة تيجراي علي السيطرة علي الشركات الكبيرة المملوكة للدولة, وعلي رأسها شركة الصلب والهندسةMETEC عبر رئيسها كينفي داجنيو وهي شركة الإنشاءات الوطنية الوحيدة المشاركة في بناء سد النهضة, كما يتحكم جبريميكائيل الرئيس الجديد للجبهة في قطاعي الاتصالات والكهرباء.
3- قدرة جماعة تيجراي علي الاستغناء عن المناصب السياسية في الحكومة الفيدرالية وهو ما يرجع إلي تبني الدستور الإثيوبي صيغة متطرفة من الفيدرالية تغل يد الحكومة المركزية وتنتزع منها الكثير من الصلاحيات لصالح حكومات الولايات التسع والتي منحت كل منها حقوقا موسعة تصل لدرجة الحق في تقرير المصير والانفصال.
4- خوف غالبية الجماعات الإثيوبية الصغيرة ومن بينها التيجراي من وصول إحدي الجماعتين الكبيرتين( الأورومو والأمهرا) إلي السلطة ليغلب الطابع الصراعي علي علاقة الجماعتين بمختلف الجماعات الإثيوبية علي النحو الذي تجلي في الصراع الحدودي المتفجر مؤخرا بين ولايتي أوروميا والصومالية والذي أسفر عن سقوط عشرات القتلي وتهجير ما يزيد عن المليون من الأورومو.
5- استمرار الدعم الدولي والأمريكي خصوصا لجبهة تحرير تيجراي باعتبارها الحليف الأول محليا وإقليميا, فالتدخل المباشر لهيرمان ج. كوهن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية مكن قوات الجبهة من دخول العاصمة أديس أبابا دون قتال عام1991, وطوال حكم ميليس زيناوي كانت الحكومة الإثيوبية هي الوكيل الأول للمصالح الأمريكية في القرن الأفريقي حتي خلال الأزمة السياسية الإثيوبية عام2005 وما تلاها من خلاف مع الولايات المتحدة بشأن الحظر المتكرر لنشاط منظمات المجتمع المدني الممولة أمريكيا, وفي الوقت الراهن تعزز التحديات الأمنية في القرن الأفريقي والشرق الأوسط من قوة التحالف بين الولايات المتحدة والحكومة الإثيوبية في الملف الأمني والعسكري الذي يعد مجالا محجوزا للتيجراي.

مستقبل رئاسة الوزراء في إثيوبيا
يعد اختيار رئيس الوزراء الجديد القضية الأبرز علي الساحة الإثيوبية الآن, لا لأن هذا الاختيار قد ينشئ وضعا جديدا للتوازن بين الجماعات الإثيوبية, وإنما لأنه سيكشف عن طبيعة الموقع الذي ستختاره جماعة تيجراي لنفسها للتتحكم من خلاله في مجريات السياسة الإثيوبية, ومن المتوقع أن تشهد الأيام الثلاثة الأولي من شهر مارس2018 عقد اجتماعات المجلس التنفيذي للجبهة الديموقراطية الثورية والذي يضم180 عضوا بواقع45 عضوا لكل حزب من أحزاب الجبهة الأربعة, ويتضمن جدول أعمال المجلس بندا أساسيا هو قبول استقالة هايلي ماريام ديسالين رسميا والذي يعد شرطا متمما لقبول اللجنة التنفيذية للجبهة( تضم46 عضو بواقع تسعة لكل حزب) والذي حصل عليه ديسالين فور الاستقالة, ولأن المؤشرات ترجح قبول المجلس التنفيذي الاستقالة, سيتمثل البند الثاني في اختيار رئيس جديد للجبهة ومن ثم لمجلس الوزراء.
ولأن إثيوبيا لا تعد استثناء أفريقيا, لا من حيث تعقيد تركيبها السكاني, ولا من حيث ارتباط العملية السياسية بالانقسامات الإثنية, ولا حتي من حيث التجربة الممتدة لحكم الأقليات, يمكن اختبار الحلول المختلفة التي قد تتبناها جبهة تحرير تيجراي في اختيار رئيس جديد للوزراء بالاسترشاد بالحلول التي تبنتها عدد من الدول الأفريقية, وذلك كالتالي:
الحل الجنوب أفريقي: فقد أنهت جنوب أفريقيا سياسات الفصل العنصري عبر الفصل الرأسي لمجالات عمل كل من الجماعتين البيضاء والسوداء, لتهيمن الجماعة السوداء وحدها علي مؤسسات الحكم, مقابل استمرار احتكار الجماعة البيضاء للثروة, وبالقياس علي إثيوبيا يمكن أن يطبق هذا الحل من خلال خروج التيجراي طوعا من مؤسسات الحكم الفيدرالية وتعيين رئيس وزراء جديد من الأورومو, علي أن تستمر سيطرة التيجراي علي الاقتصاد, وتظهر إمكانية للأخذ بهذا الحل بعد أن أقصت منظمة شعب أورومو رئيسها الإصلاحي ليما ميجيرسا ليخلفه أبي أحمد الأكثر توافقا مع جبهة تحرير تيجراي.
الحل الغاني: فالمنافسة السياسية في غانا تنحصر بين حزبين يمثل أحدهما الشمال المسلم ويمثل الآخر الجنوب المسيحي, وقد تمكن الأول من الوصول للسلطة عبر الخلط بين معياري التمثيل الإثني والديني بترشيح جون دراماني ماهاما وهو شمالي مسيحي كنائب للرئيس عام2008 ثم كرئيس عام2012 ليتمكن من حصد أصوات الشماليين وبعض الجنوبيين, وفي إثيوبيا قد يطبق هذا الحل بإدخال العنصر الديني كمعيار إضافي للتمثيل عبر اختيار رئيس وزراء مسلم من غير الأورومو بما قد يرضي الأورومو الذين يدين أغلبهم بالإسلام ولا يهدد التيجراي والجماعات الصغيرة, وفي هذا الصدد يبرز وزير الدفاع الحالي سيراج فيجيسا مرشحا أساسيا وهو مسلم من الجماعات الجنوبية.
الحل الكيني: ففي كينيا يتطابق الانقسام الحزبي مع التقسيم الإثني الذي يأخذ شكل منافسة ثلاثية بين جماعات جبل كينيا وجماعات الوادي المتصدع وجماعات الغرب, ويتحدد الطرف الحاكم بتحالف جماعتين ضد الثالثة, وفي إثيوبيا حيث تدور المنافسة الفعلية علي السلطة بين التيجراي والأمهرا والأورومو يمكن للتيجراي التضحية بالائتلاف الحاكم وتأسيس تحالف ثنائي مع الأورومو أو الأمهرا, ويعد هذا الحل الوحيد الذي قد يأتي برئيس وزراء من الأمهرا يخضع لهيمنة التيجراي سيكون غالبا ديميك مكونين رئيس حركة أمهرا الديموقراطية ونائب رئيس الوزراء الحالي.
الحل الأوغندي: فمنذ عام1986 يرأس أوغندا يوري موسيفيني المنتمي لأقلية بانيانكولي محتكرا السلطة والثروة بين أبناء جماعته, ويتشابه هذا الوضع مع وضع التيجراي في إثيوبيا الذين سبق لهم أن احتكروا منصب رئيس الوزراء لأكثر من عقدين, ويحقق هذا الخيار أكبر قدر ممكن من الفاعلية والتوافق بين رئيس الوزراء وبين الطرف الأقوي عسكريا واقتصاديا, إلا أنه قد يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية المضطربة بالأساس في البلاد, كذلك قد لا يفضل ساسة التيجراي أنفسهم تركيز السلطة السياسية في يد أحد بعينه من بينهم والإبقاء علي الصيغة الجماعية لتوزيع المناصب بينهم, ويبقي الرئيس الجديد للجبهة جبريميكائيل من بين المرشحين البارزين في ظل كونه محسوبا علي التكنوقراط, وعلي عكس المتوقع, يتمتع هذا الحل بقدرة كبيرة علي تهدئة الاضطرابات السياسية في ظل قدرة رئيس الوزراء الجديد علي تقديم تنازلات حقيقية للأورومو والأمهرا قد تنحصر غالبا في النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للجماعتين وهو المسبب الأصلي للأزمة.
ترتيبا علي كل ما سبق, تظل حدود التغيير السياسي في إثيوبيا ضيقة للغاية في ظل استمرار احتفاظ التيجراي بمصادر القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية, فبغض النظر عن الخلفية الإثنية والحزبية لرئيس الوزراء الإثيوبي القادم فإنه سيكون ملتزما بتأمين مصالح التيجراي الاقتصادية, كما أنه سيكون قادرا علي ضبط الأوضاع في إقليمي أوروميا وأمهرا سواء بالاحتواء السياسي عبر الاستجابة النسبية لمطالب الجماعتين, أو الاحتواء الأمني بالمواجهة الحاسمة المباشرة, أو حتي معاقبة الإقليمين بتركهما لفوضي لاضطرابات السياسية والاكتفاء بمنع امتدادها خارجهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.