عبر الفيديو كونفرانس.. الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثًا تاريخيًا بمشروع الضبعة النووى اليوم    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    جبران يلتقي مدير «العمل الدولية» بجنيف ويؤكد التزام مصر بالتعاون    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    مع جورجينا وإيلون ماسك.. رونالدو يلتقط سيلفى فى البيت الأبيض    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    طقس مستقر ومشمس في المنيا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد ديسالين.. حدود التغيير في إثيوبيا

تعد الظاهرة السياسية في إثيوبيا إقصائية وعنيفة بطبيعتها; إذ تقوم بالأساس علي حكم الأقليات واستبداد الجماعة الحاكمة بالسلطة والثروة واستبعاد مختلف الجماعات الإثنية الأخري, كما تشهد السياسة الإثيوبية معدلات مرتفعة من استخدام العنف, فمختلف الأحزاب الإثيوبية الرئيسية حاليا سبق وأن نشأت في صورة حركات انفصالية مسلحة,
كما أن التطورات السياسية الإثيوبية عادة ما تكون مصحوبة بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا كما حدث في السنوات الأخيرة للحكم الإمبراطوري, ومن بعدها خلال الحكم العسكري, وحتي في عهد ميليس زيناوي خلال الأزمة السياسية التي أعقبت انتخابات.2005
علي هذه الخلفية يتعين قراءة التطورات الأخيرة في إثيوبيا في ضوء خصوصية التجربة الإثيوبية التي ترسم بوضوح حدود التغيير السياسي المتوقع.
منذ1991 تحكم إثيوبيا الجبهة الديموقراطية الثورية, التي تضم أربعة أحزاب, تمثل حصرا جماعات التيجراي والأمهرا والأورومو والجماعات الجنوبية, ومنذ النشأة يتمتع التيجراي بوضع متفوق داخل الائتلاف الحاكم, فقد نجح التيجراي في اختيار حليف مطيع من داخل الأورومو تمثل في المنظمة الديموقراطية لشعب أورومو الأقل شعبية مقارنة بجبهة تحرير أورومو الممثل الأبرز للجماعة والأكثر تشددا في مطالبه الانفصالية, كما حرص التيجراي علي احتواء الأمهرا في التحالف الحاكم لقوتهم السياسية وثقلهم السكاني علي الرغم من أن نضال الجماعات الإثيوبية في العهدين الإمبراطوري والعسكري كان موجها ضد الأمهرا, وخوفا من أي تحالف ثنائي محتمل للأورومو والأمهرا واستبدادهما بالقرار داخل الجبهة, سعت التيجراي لضم حليف رابع تمثل في الجماعات الجنوبية.
وعلي الرغم من التفاوت الحاد في الثقل السكاني لهذه الجماعات, فإن مناصب الجبهة قسمت علي الأحزاب الأربعة بالتساوي, الأمر الذي رفع نصيب التيجراي في التمثيل السياسي من6%( نسبتها لسكان إثيوبيا) إلي25%, وتجنبا لتناقص نصيبها من مناصب التحالف الحاكم أغلقت جبهة تحرير تيجراي الباب أمام انضمام أحزاب أخري تمثل باقي الجماعات الإثيوبية كالصوماليين والعفر علي أن يتم اعتبارهم حلفاء من الخارج, وتجلت قوة جبهة تحرير تيجراي في ترأس ممثلها ميليس زيناوي للائتلاف الحاكم ولمجلس الوزراء الإثيوبي لأكثر من عقدين.
ومنذ وفاة زيناوي المفاجئة عام2012 فضل التيجراي السيطرة غير المباشرة علي الأوضاع في إثيوبيا بتنصيب هايلي ماريام ديسالين المنتمي للجماعات الجنوبية رئيسا للوزراء, والذي رشحه زيناوي قبل وفاته لتجنيب جبهته الانشقاقات الداخلية, وكان لهذا الخيار تبعات عديدة بدأت في خريف2015 حين اشتعلت مدن إقليم أوروميا معقل جماعة أورومو كبري الجماعات الإثيوبية بالمظاهرات التي جاءت في الظاهر احتجاجا علي خطة حكومية لتوسيع العاصمة أديس أبابا علي حساب الإقليم, لكنها في الحقيقة كانت نتاج تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجماعة, والتمثيل غير المتناسب للجماعة في المناصب الفدرالية.
وفي مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة رفعت الحكومة من سقف إجراءات المواجهة لتشمل شن حملات واسعة للاعتقالات وحظر للتظاهر باستخدام القوة المسلحة وقطع الاتصالات, ومع مشاركة جماعة أمهرا في الاحتجاجات وجدت الحكومة الإثيوبية نفسها مضطرة لفرض حالة الطوارئ في أكتوبر من العام2016, وهو الوضع الذي استمر لعشرة أشهر.

إستراتيجية التيجراي الجديدة
في مواجهة تأزم الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية, وسعيا من جبهة تحرير تيجراي لحل الأزمة المشتعلة في إقليمي أوروميا وأمهرا, تبنت الجبهة في أواسط عام2017 إستراتيجية جديدة تهدف لإيجاد حل نهائي للأزمة السياسية عبر اتخاذ خطوات ثلاث.
ففي خطوة أولي هامة, أعلنت الجبهة الديموقراطية الثورية الحاكمة في إثيوبيا, في يوليو من عام2017 عن تأجيل المؤتمر العام للجبهة من سبتمبر2017 إلي مارس2018, وهو المؤتمر الذي يعقد دوريا كل عامين ويشهد إجراء الانتخابات علي مختلف المناصب الرئيسية, وعلي امتداد تاريخ الجبهة الذي يمتد لقرابة العقود الثلاثة لم يسبق تأجيل المؤتمر العام إلا عام2012 في أعقاب وفاة زيناوي.
هذا التأجيل الهادف لحسم الأوضاع داخل الجبهة الحاكمة كان جزءا أساسيا من مخطط جبهة تحرير تيجراي لكسب الوقت لاتخاذ الخطوة الثانية المتعلقة بتنظيم أوضاعها الداخلية, ففي أكتوبر2017 بدأت سلسلة من الاجتماعات علي كافة المستويات داخل جبهة تحرير تيجراي بهدف إحداث إصلاحات جذرية وإنهاء حالة الانقسام التي سادت منذ2012 بين أعضاء اللجنة التنفيذية والتي تعد أعلي مستويات صنع القرار بالجبهة والتي تقتصر عضويتها علي تسعة أعضاء من بينهم رئيس الجبهة ونائبه.
وبحلول نوفمبر من العام ذاته تمكن أعضاء جبهة تحرير تيجراي من إقصاء ثلاثة من أبرز أعضاء اللجنة التنفيذية التي تقود الحزب, علي رأسهم أباي ولدو رئيس الجبهة, وأرملة زيناوي أزب مسفين, وبييني ميكيرو, من عضوية اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير تيجراي ليحسم الصراع لصالح الجناح الذي يضم دبرتسيون جبريميكائيل وزير الاتصالات والمعلومات بالحكومة الفيدرالية المنتخب رئيسا جديدا للجبهة, وفتلوورك جبري-إجزيابهر نائب الرئيس الجديد, وجتاشيو أسيفا مدير جهاز الاستخبارات والأمن الوطني في إثيوبيا.
أما ثالث الخطوات في الإستراتيجية الجديدة فلم تكن مدرجة علي المخطط الأصلي, وإنما فرضها التغير في سلوك رئيس الوزراء هايلي ماريام ديسالين, والذي أدرك أن نجاح جبهة تحرير تيجراي في تنفيذ الخطوتين السابقتين ما هو إلا تمهيد لطرح حل جذري للأزمة السياسية عبر إقالته من رئاسة الائتلاف الحاكم ورئاسة مجلس الوزراء في المؤتمر العام للجبهة الذي اقترب موعد انعقاده, ومن ثم, شهد شهر فبراير من عام2018 تغيرا حادا في سياسات ديسالين, الذي أحل نفسه من الالتزام بالخطوط الأساسية التي حددتها له جبهة تحرير تيجراي منذ خلافته لزيناوي.
وتجلت أبرز التغيرات في تدخل ديسالين المفاجئ في الشأن العسكري, فعلي الرغم من كونه القائد الأعلي للقوات المسلحة الإثيوبية, تظل جماعة تيجراي مهيمنة علي المؤسسة العسكرية عبر رئيس الأركان الجنرال سامورا يونس ونائبه أبراهام ولدماريام جينزيبو, وفي خطوة مفاجئة قام ديسالين بإقالة نائب رئيس الأركان وتعيين ثلاثة نواب جدد يمثلون جماعات التيجراي والأمهرا والأورومو, فضلا عن ترقية40 من كبار ضباط الجيش من خلفيات إثنية متنوعة إلي رتبة جنرال.
أما ثاني مظاهر التغير في سلوك ديسالين فتمثل في إطلاق سراح آلاف المعارضين الذين سجنوا جميعا في عهده, فمنذ عام2015 تبني الجيش وأجهزة الأمن الداخلي نهج القمع الكامل لنشاط المعارضة, وهو النهج الذي سايره ديسالين لسنوات موفرا له الغطاء السياسي الشرعي بحكم منصبه, وقد جاء هذا التغير الحاد والمفاجئ في موقف ديسالين من المعارضة قبل ساعات من استقالته المفاجئة والتي أعقبها إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر.

عوامل الثبات في السياسة الإثيوبية
في محاولة استشراف الأوضاع المستقبلية في إثيوبيا يتعين إدراك المدي الممكن للتغيير السياسي المتوقع, فبغض النظر عن الحل الذي ستتبناه الحكومة الجديدة للأزمة السياسية, وبغض النظر عن الانتماء الإثني والحزبي لرئيس الوزراء الإثيوبي القادم, لا يمكن الحديث عن إمكانية لتخلي جماعة التيجراي عن وضعها المتحكم في كافة الأوضاع الداخلية في إثيوبيا وهو ما يرجع إلي عدد من الأسباب هي:
1- احتكار التيجراي المناصب المهمة في المؤسسات العسكرية والأمنية, فمنذ1991 تعاقب أكثر من وزير للدفاع كان بعضهم من خارج الجماعة مثل الوزير الحالي سيراج فيجيسا المنتمي للجماعات الجنوبية, وسلفه كوما ديميكسا ومن قبله عبد الله جيميدا المنتمين للأورومو.
وعلي الرغم من ذلك, سيطرت التيجراي علي القوات المسلحة عبر رئيس الأركان سامورا يونس الذي يعد القائد الفعلي للقوات المسلحة في ظل كون منصب وزير الدفاع منصبا سياسيا, هذا بجانب انتماء أكثر من نصف ضباط الجيش الإثيوبي لجماعة تيجراي وهي النسبة التي تزداد بارتفاع الرتب, كما يسيطر التيجراي علي جهاز الاستخبارات والأمن القومي والذي رأسه لسنوات جتاشيو أسيفا عضو اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير تيجراي.
2- هيمنة الجماعة علي الاقتصاد الإثيوبي من خلال ذراعها الاقتصادي المتمثل في الصندوق الوقفي لإعادة تأهيل إقليم تيجرايEFFORT وهو تحالف بين12 شركة كبري تعمل في مجالات متعددة كالصناعة والاتصالات والإنشاءات, ويعتبر الصندوق أحد أبرز شركاء الحكومة الإثيوبية في مشروعاتها الإنشائية الكبيرة خاصة في قطاع السدود, إذ شارك الصندوق في بناء سدود جيبا وزاريما وتيكيزي, بالإضافة لاحتكار شركة ميسيبو التابعة للصندوق توريد الإسمنت لمشروع سد النهضة, كما حرصت جماعة تيجراي علي السيطرة علي الشركات الكبيرة المملوكة للدولة, وعلي رأسها شركة الصلب والهندسةMETEC عبر رئيسها كينفي داجنيو وهي شركة الإنشاءات الوطنية الوحيدة المشاركة في بناء سد النهضة, كما يتحكم جبريميكائيل الرئيس الجديد للجبهة في قطاعي الاتصالات والكهرباء.
3- قدرة جماعة تيجراي علي الاستغناء عن المناصب السياسية في الحكومة الفيدرالية وهو ما يرجع إلي تبني الدستور الإثيوبي صيغة متطرفة من الفيدرالية تغل يد الحكومة المركزية وتنتزع منها الكثير من الصلاحيات لصالح حكومات الولايات التسع والتي منحت كل منها حقوقا موسعة تصل لدرجة الحق في تقرير المصير والانفصال.
4- خوف غالبية الجماعات الإثيوبية الصغيرة ومن بينها التيجراي من وصول إحدي الجماعتين الكبيرتين( الأورومو والأمهرا) إلي السلطة ليغلب الطابع الصراعي علي علاقة الجماعتين بمختلف الجماعات الإثيوبية علي النحو الذي تجلي في الصراع الحدودي المتفجر مؤخرا بين ولايتي أوروميا والصومالية والذي أسفر عن سقوط عشرات القتلي وتهجير ما يزيد عن المليون من الأورومو.
5- استمرار الدعم الدولي والأمريكي خصوصا لجبهة تحرير تيجراي باعتبارها الحليف الأول محليا وإقليميا, فالتدخل المباشر لهيرمان ج. كوهن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية مكن قوات الجبهة من دخول العاصمة أديس أبابا دون قتال عام1991, وطوال حكم ميليس زيناوي كانت الحكومة الإثيوبية هي الوكيل الأول للمصالح الأمريكية في القرن الأفريقي حتي خلال الأزمة السياسية الإثيوبية عام2005 وما تلاها من خلاف مع الولايات المتحدة بشأن الحظر المتكرر لنشاط منظمات المجتمع المدني الممولة أمريكيا, وفي الوقت الراهن تعزز التحديات الأمنية في القرن الأفريقي والشرق الأوسط من قوة التحالف بين الولايات المتحدة والحكومة الإثيوبية في الملف الأمني والعسكري الذي يعد مجالا محجوزا للتيجراي.

مستقبل رئاسة الوزراء في إثيوبيا
يعد اختيار رئيس الوزراء الجديد القضية الأبرز علي الساحة الإثيوبية الآن, لا لأن هذا الاختيار قد ينشئ وضعا جديدا للتوازن بين الجماعات الإثيوبية, وإنما لأنه سيكشف عن طبيعة الموقع الذي ستختاره جماعة تيجراي لنفسها للتتحكم من خلاله في مجريات السياسة الإثيوبية, ومن المتوقع أن تشهد الأيام الثلاثة الأولي من شهر مارس2018 عقد اجتماعات المجلس التنفيذي للجبهة الديموقراطية الثورية والذي يضم180 عضوا بواقع45 عضوا لكل حزب من أحزاب الجبهة الأربعة, ويتضمن جدول أعمال المجلس بندا أساسيا هو قبول استقالة هايلي ماريام ديسالين رسميا والذي يعد شرطا متمما لقبول اللجنة التنفيذية للجبهة( تضم46 عضو بواقع تسعة لكل حزب) والذي حصل عليه ديسالين فور الاستقالة, ولأن المؤشرات ترجح قبول المجلس التنفيذي الاستقالة, سيتمثل البند الثاني في اختيار رئيس جديد للجبهة ومن ثم لمجلس الوزراء.
ولأن إثيوبيا لا تعد استثناء أفريقيا, لا من حيث تعقيد تركيبها السكاني, ولا من حيث ارتباط العملية السياسية بالانقسامات الإثنية, ولا حتي من حيث التجربة الممتدة لحكم الأقليات, يمكن اختبار الحلول المختلفة التي قد تتبناها جبهة تحرير تيجراي في اختيار رئيس جديد للوزراء بالاسترشاد بالحلول التي تبنتها عدد من الدول الأفريقية, وذلك كالتالي:
الحل الجنوب أفريقي: فقد أنهت جنوب أفريقيا سياسات الفصل العنصري عبر الفصل الرأسي لمجالات عمل كل من الجماعتين البيضاء والسوداء, لتهيمن الجماعة السوداء وحدها علي مؤسسات الحكم, مقابل استمرار احتكار الجماعة البيضاء للثروة, وبالقياس علي إثيوبيا يمكن أن يطبق هذا الحل من خلال خروج التيجراي طوعا من مؤسسات الحكم الفيدرالية وتعيين رئيس وزراء جديد من الأورومو, علي أن تستمر سيطرة التيجراي علي الاقتصاد, وتظهر إمكانية للأخذ بهذا الحل بعد أن أقصت منظمة شعب أورومو رئيسها الإصلاحي ليما ميجيرسا ليخلفه أبي أحمد الأكثر توافقا مع جبهة تحرير تيجراي.
الحل الغاني: فالمنافسة السياسية في غانا تنحصر بين حزبين يمثل أحدهما الشمال المسلم ويمثل الآخر الجنوب المسيحي, وقد تمكن الأول من الوصول للسلطة عبر الخلط بين معياري التمثيل الإثني والديني بترشيح جون دراماني ماهاما وهو شمالي مسيحي كنائب للرئيس عام2008 ثم كرئيس عام2012 ليتمكن من حصد أصوات الشماليين وبعض الجنوبيين, وفي إثيوبيا قد يطبق هذا الحل بإدخال العنصر الديني كمعيار إضافي للتمثيل عبر اختيار رئيس وزراء مسلم من غير الأورومو بما قد يرضي الأورومو الذين يدين أغلبهم بالإسلام ولا يهدد التيجراي والجماعات الصغيرة, وفي هذا الصدد يبرز وزير الدفاع الحالي سيراج فيجيسا مرشحا أساسيا وهو مسلم من الجماعات الجنوبية.
الحل الكيني: ففي كينيا يتطابق الانقسام الحزبي مع التقسيم الإثني الذي يأخذ شكل منافسة ثلاثية بين جماعات جبل كينيا وجماعات الوادي المتصدع وجماعات الغرب, ويتحدد الطرف الحاكم بتحالف جماعتين ضد الثالثة, وفي إثيوبيا حيث تدور المنافسة الفعلية علي السلطة بين التيجراي والأمهرا والأورومو يمكن للتيجراي التضحية بالائتلاف الحاكم وتأسيس تحالف ثنائي مع الأورومو أو الأمهرا, ويعد هذا الحل الوحيد الذي قد يأتي برئيس وزراء من الأمهرا يخضع لهيمنة التيجراي سيكون غالبا ديميك مكونين رئيس حركة أمهرا الديموقراطية ونائب رئيس الوزراء الحالي.
الحل الأوغندي: فمنذ عام1986 يرأس أوغندا يوري موسيفيني المنتمي لأقلية بانيانكولي محتكرا السلطة والثروة بين أبناء جماعته, ويتشابه هذا الوضع مع وضع التيجراي في إثيوبيا الذين سبق لهم أن احتكروا منصب رئيس الوزراء لأكثر من عقدين, ويحقق هذا الخيار أكبر قدر ممكن من الفاعلية والتوافق بين رئيس الوزراء وبين الطرف الأقوي عسكريا واقتصاديا, إلا أنه قد يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية المضطربة بالأساس في البلاد, كذلك قد لا يفضل ساسة التيجراي أنفسهم تركيز السلطة السياسية في يد أحد بعينه من بينهم والإبقاء علي الصيغة الجماعية لتوزيع المناصب بينهم, ويبقي الرئيس الجديد للجبهة جبريميكائيل من بين المرشحين البارزين في ظل كونه محسوبا علي التكنوقراط, وعلي عكس المتوقع, يتمتع هذا الحل بقدرة كبيرة علي تهدئة الاضطرابات السياسية في ظل قدرة رئيس الوزراء الجديد علي تقديم تنازلات حقيقية للأورومو والأمهرا قد تنحصر غالبا في النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للجماعتين وهو المسبب الأصلي للأزمة.
ترتيبا علي كل ما سبق, تظل حدود التغيير السياسي في إثيوبيا ضيقة للغاية في ظل استمرار احتفاظ التيجراي بمصادر القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية, فبغض النظر عن الخلفية الإثنية والحزبية لرئيس الوزراء الإثيوبي القادم فإنه سيكون ملتزما بتأمين مصالح التيجراي الاقتصادية, كما أنه سيكون قادرا علي ضبط الأوضاع في إقليمي أوروميا وأمهرا سواء بالاحتواء السياسي عبر الاستجابة النسبية لمطالب الجماعتين, أو الاحتواء الأمني بالمواجهة الحاسمة المباشرة, أو حتي معاقبة الإقليمين بتركهما لفوضي لاضطرابات السياسية والاكتفاء بمنع امتدادها خارجهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.