الاحتجاجات الدموية غير المسبوقة التى شهدتها منطقتا الأورومو والأمهرة الإثيوبيتان وامتدت إلى العاصمة أديس أبابا للمرة الأولى قبل أيام لن تكون الأخيرة إذا بقيت أسبابها دون علاج وواصلت الحكومة التقليل من شأنها ومن عدد ضحاياها.صحيح أنها بوتيرتها الحالية وضعف الإعداد والتنسيق لها لن تُسقط النظام فى المستقبل القريب لكن حدوثها سيسبب حالة من عدم الاستقرار تستنزف بعض مقدَّرات البلد الاقتصادية الشحيحة وتشكل رادعاً للمستثمرين خوفاً على استثماراتهم موجهةً ضربة لجهود التنمية التى فاخر النظام بمعدلها المرتفع. فلأول مرة يتظاهر فى وقت واحد أبناء عرقيتى الأورومو والأمهرة اللتين تشكلان أكثر من 60% من السكان مطالبين بإنهاء ما وصفوه بتهميشهم اقتصادياً وسياسياً من جانب حكومة تهيمن عليها أقلية التيجراي(6.2% من السكان)مستحوذةً على المناصب السياسية والعسكرية الرفيعة وبوقف مصادرة أراضيهم وباحترام هويتهم العرقية والثقافية وبإطلاق سراح المعتقلين الذين دعوا للمظاهرات وشاركوا فيها وأولئك الذين اتهمتهم بالانتماء لجماعات انفصالية. وبدلاً من العمل على احتواء الموقف بالإفراج عن المعتقلين والشروع بسرعة فى بحث شكاوى المحتجين ومعالجتها سارع رئيس الوزراء هيلا-مريام ديسالين بإغلاق وسائل التواصل الاجتماعى وحظر أى مظاهرات ومنح قوات الأمن سلطة استخدام كل الوسائل الممكنة لمنعها، فقامت بفضها بقوة وصفتها منظمات حقوق الإنسان الدولية بأنها مُفرطة وطالبت بتحقيق دولى متهمةً النظام بأنه لم يبذل أى محاولة جادة للتحقيق فى المظاهرات التى قُتل فيها نحو 400 شخص أواخر العام الماضى ومحاسبة المسئولين عن جرائمهم. نجاح الإحتجاجات التى بدأها الأورومو فى 2015 لوقف مشروع حكومى يصادر جزءاً كبيراً من أراضيهم المحيطة بالعاصمة أديس أبابا فى إجبار الحكومة على إلغائه ثم تجددها لعدم الإفراج عن القيادات والمحتجين الذين زجَّت بهم السلطات فى السجون اعتقاداً منها أن سجنهم سيردع الآخرين عن الاحتجاج شجَّع أبناء عرقية الأمهرة فى الغرب الأوسط على القيام بمظاهرات مماثلة لوقف ضم جزء من أراضيهم إلى إقليم تيجراى الصغير المجاور الذى يتحكم سياسيوه وعسكريوه فى الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية للدولة على حساب أبناء العرقيات الأخري،وزادت حدة الاحتجاجات عند محاولة السلطات اعتقال الزعماء المحليين الذين عارضوا دمج منطقتهم مع تيجراى وكأنها لم تعتبر بما حدث مع الأورومو.وبينما قالت منظمة العفو الدولية إن 67 متظاهراً قُتلوا فى مظاهرات الأورومو و30 مثلهم فى احتجاجات الأمهرة أصرَّت الحكومة على أن القتلى سبعة فقط سقطوا فى أعمال عنف بإقليم أمهرة. ومثلما وُصفت بحق بأنها نافورة إفريقيا لكثرة الأنهار المتدفقة منها إلى دول الجوار وصف البعض إثيوبيا بأنها متحف شعوب وسلالات بشرية حيَّة حيث يوجد بها أكثر من 80 مجموعة عرقية أبرزها الأورومو (34%) والأمهرة (27%) والإثيوبيون من أصل صومالى (6.2%) يسود بين أبنائها جميعاً شعور قوى بالإحباط والتهميش والاضطهاد لحساب أبناء أقلية التيجراى الصغيرة التى انتمى إليها رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوى وقاد من أرضها حملة عسكرية ناجحة لإسقاط نظام الرئيس اليسارى منجيستو هيلا ماريام عام 1991،وينتمى إليها أيضاً رئيس الوزراء الحالى ديسالين.كما أنه ليس لأحزاب المعارضة عضو واحد فى البرلمان الاتحادى وهناك أحزاب مشروعة مثل مؤتمر الأورومو الفيدرالى وهو أكبر حزب سياسى بمنطقته لا يمثله أحد رغم أن الأورومو أكبر العرقيات عدداً،وسجنت السلطات بيكيلى جيربا نائب رئيسه عام 2011 لأربع سنوات بتهمة الانتماء لجبهة تحرير أورومو المتمردة واحتجزته مرة أخرى فى ديسمبر الماضي. يواجه حزب الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطى الحاكم وحلفاؤه أكبر تحدِ منذ توليه السلطة قبل ربع قرن بسبب مظاهرات الأورومو والأمهرة التى قد تشجع أبناء عرقيات أخرى مثل ذوى الأصل الصومالى بإقليم أوجادين على أن يحذوا حذوهم خاصةً أنهم يعانون أكثر من غيرهم من القيود الأمنية المشددة بعد محاولاتهم المتكررة للانفصال والانضمام للصومال المجاورة ويتهمون الحكومة بحرمانهم من حقوق سياسية ومدنية مثل الصحة والتعليم ويعانون من البطالة.وتتهم جماعات حقوق الإنسان الحكومة باستخدام قانون مكافحة الإرهاب لإخراس أصوات معارضيها ويرى مراقبون أن سَجن قادة حزب مؤتمر الأورومو وآلاف آخرين من أبناء العرقية يجعل من الصعب التفاوض حول حل دائم.وإذا لم تتخلَّ الدول الكبرى عن صمتها إزاء ما يحدث تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ستزداد المشكلة تعقيداً لأنها بتغاضيها لا تدفع النظام للعمل على إزالة أسباب الاحتجاجات. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى