بإعلانها أن احتجاجات الأورومو شأن إثيوبى داخلى وأنها تتطلع لاستمرار استقرار الأوضاع واستكمال برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يعود بالنفع والرخاء على الشعب الإثيوبى الشقيق سجلت مصر موقفاً أخلاقياً حميداً جديداً إزاء إثيوبيا. لم تستغل الاضطرابات أوتحاول تأجيجها كرد على المماطلات الإثيوبية فى إزالة ما يقلق المصريين من سد النهضة بل إنها قطعت الطريق على مطالبات بدعم المعارضة المسلحة الإثيوبية خاصةً فى أوجادين وأوروميا ووقف بناء السد ولو بتفجيره. وبذلك أكدت التزامها بمباديء القانون الدولى وأنها لا تتخذ مواقفها تحت ضغط الانفعال. الاضطرابات،إذا استمرت،لن توقف بناء السد كما يتعشم البعض، لأن الحكومة تعتبره مسألة كرامة وسيادة وطنية، وإنما يمكن أن تعطل تنفيذ خطط التنمية مثل تحويل إثيوبيا إلى خامس أكبر مقصد سياحى فى إفريقيا بحلول عام ،2020 وتشجع جماعات عرقية غير الأورومو على التصدى للمشروعات التى تعتقد أنها تضر بمصالحها، وربما تتحول إلى احتجاجات أوسع للمطالبة بحقوق سياسية واقتصادية مسلوبة. فإثيوبيا تتكون من أكثر من 80 مجموعة عرقية أكبرها الأورومو ومازال معظم سكانها يقيمون فى مناطق ريفية تنقصها خدمات أساسية رغم معدل النمو الاقتصادى العالى فى السنوات الأخيرة. ويعبِّر احتجاج الأورومو ليس فقط عن غضبهم لاعتزام الحكومة مصادرة جزء من أراضيهم لإقامة منطقة استثمارية وصناعية يقولون إنها ستشرد مليونين منهم، وإنما أيضاً عن مظالم قديمة لعدم حصولهم على كثير من حقوقهم السياسية والاقتصادية. ذلك أن 80% منهم يعيشون فى فقر وتتفشى فيهم الأمية وعانوا طويلاً مما وصفوه بالاضطهاد والاعتقال والاغتصاب والتهجير القسرى ومحاربة ثفافتهم، حيث 80% منهم مسلمون.لذلك أسّس بعضهم جبهة تحرير أورومو لتنتزع بالقوة ما فشلوا فى الحصول عليه بالسياسة، مطالبين بحق تقرير المصير ومتهمين أقلية التيجراى بتهميشهم والهيمنة على الحكم،بينما اتهمت الحكومة الجبهة وجماعات معارضة أخرى بالإرهاب، قائلة إن حق تقرير المصير، الوارد بالدستور من حق شعب الإقليم أن يطالب به وليس الجماعات الإرهابية. وبينما قال رئيس الوزراء ديسالين إن قوى معادية للسلام حرَّضت على العنف بنشر معلومات كاذبة عن خطة الحكومة، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان إن وصم الحكومة المحتجين بالإرهابيين محاولة منها لتبرير قمع الاحتجاجات على مصادرة الأراضى بذريعة مكافحة الإرهاب،وطالبت الحكومة باحترام حرية التعبير والتظاهر السلمى، قائلة إن 140 من متظاهرى الأورومو قُتلوا برصاص قوات الأمن، مشيرةً إلى مظاهرات شهدها إقليمهم عام 2014 راح ضحيتها العشرات وتم اعتقال المئات. وفى أكتوبر 2014 اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات الإثيوبية باضطهاد وتعذيب أبناء الأورومو بدعوى دعمهم جبهة تحرير أورومو، مضيفة أن الآلاف منهم تعرضوا للتعذيب والاختفاء القسرى والقتل وهو ما نفته الحكومة، قائلةً إنها محاولة أخرى لتشويه صورة إثيوبيا.وفى عام 2006 انتقدت المفوضية الدولية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو السلطات الإثيوبية لاعتقالها آلافا من الأورومو عقب انتخابات 2005 التى أثارت نتائجها مظاهرات احتجاج. وفيما يتعلق بالمسلمين الذين يمثلون ثلث السكان اتهمت اللجنة الأمريكية الخاصة بالحريات الدينية الحكومة فى نوفمبر 2012 بالتضييق عليهم، مما يزيد العنف وعدم الاستقرار، وأيّدت شكاوى المحتجين من أن الحكومة تحاول منذ 2011 فرض طائفة الأحباش عليهم واعتقلت العشرات واتهمت 29 منهم بالتخطيط لأعمال إرهابية،وقالت إن الاعتقالات والاتهامات بالإرهاب والتضييق على المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تصعيد مثير للقلق، ودليل على تراجع الحريات الدينية.وفى العام نفسه نظَّم مسلمون اعتصاماً بالمساجد متهمين الحكومة بالتدخل فى الشئون الدينية والزج بشيوخهم فى السجون. ولا يقتصر الأمر على الأورومو لأن منظمات حقوق الإنسان اتهمت الحكومة بانتهاك حقوق الأقليات العرقية المناوئة لها، بمن فيهم ذوو الأصل الصومالى فى أوجادين والعفر والأنواق، بالإضافة إلى الأورومو.ففى أبريل2010 مثلا اتهمت بعضها القوات الإثيوبية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين فى أوجادين، وأكدت هيومن رايتس أنه تم إحراق قرى بأكملها وممارسة عمليات ترويع وقتل واغتصاب للمدنيين،وقبل ذلك ذكر تقرير لإحداها أن عدد القتلى والمعتقلين بلغ 27ألفاً. فهذا الإقليم الذى يُعتقد أن تحت أرضه أربعة تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعى ومخزوناً كبيراً من البترول يعانى سكانه الفقر وتكرار المجاعات و95 % منهم أميون. كما اتهمت المنظمات الحقوقية الحكومة بالتعنت ضد المعارضة ووسائل الإعلام بحجة حماية الأمن القومي، وبأنها سجنت صحفيين وقيدت حرية التعبير والنشاط السياسى لدرجة أنه لم يفز مرشح واحد معارض فى انتخابات 2015 البرلمانية!.وسبق أن علَّق الكونجرس الأمريكى المساعدات لإثيوبيا عام 2007 وهدد البرلمان الأوروبى عام 2005 بوقف مساعدات التنمية إذا لم تضع حكومتها حداً لاضطهاد وترويع أحزاب المعارضة. ورغم إعلان السلطات الإثيوبية أنها أحبطت مخططات تفجير عديدة فى السنوات الأخيرة مُلقيةً المسئولية على جماعات متمردة وحركة الشباب الصومالية تعرَّض مسجد كبير بأديس أبابا لهجوم بقنبلة يدوية قبل أسابيع وقُتل طالبان وأصيب ستة بجامعة ديلا بالجنوب فى هجوم مماثل بعد ذلك بشهر مما يشير إلى احتمال تصاعد العنف الانتقامى من الشاعرين بالظلم. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى