استوعبت القيادة الإثيوبية فيما يبدو الدرس واتخذت خطوات تبدو جادة لإنهاء شكاوى عرقيات كبيرة مثل الأورومو والأمهرا مما وصفوه بالتهميش السياسى والاقتصادى والاجتماعى من خلال تشكيل وزارة جديدة شغل فيها،على سبيل المثال،شخصيتان من الأورومو منصبى وزيرى الخارجية والإعلام وبإفراجها عن معتقلين فى الاحتجاجات الأخيرة لم تكابر بعد أن ثبت لها أن تماديها فى سياسة القمع ضد معارضيها لم يُجدِ نفعاً، وعليها أن تستكمل ما بدأته إذا كانت تريد أن تتوقف الاحتجاجات، وأن تسحب البساط من تحت أقدام حركات التمرد وتعيد الاستقرار للبلاد قبل أن يهرب المستثمرون الأجانب بأموالهم ويتراجع آخرون عن القدوم. للقضاء على الشعور بالغبن والاضطهاد والتهميش عليها أن تعدِّل النظام الانتخابي، كما وعدت،لإتاحة فرصة أكبر لمرشحى المعارضة للفوز بمقاعد فى البرلمان الاتحادى حيث لا يوجد فيه نائب معارض واحد، وأن تعمل بلا تأخير على تحقيق العدالة فى مشروعات التنمية بين أقاليم العرقيات الثمانين التى تتكون منها إثيوبيا، وأن تتوقف عن الاعتقال والاحتجاز لمجرد الاشتباه، وأن تفرج عن بقية المعتقلين من المحتجين ونشطاء المعارضة خاصةً من الأورومو والأمهرا والأوجادين وأن تمتنع عن مصادرة أراضى الأورومو التى فجرت احتجاجات دموية وعن ضم عرقيات صغيرة رغماً عنهم إلى عرقيات لا يرغبونها مثلما فعلت مع أبناء ويلكايت الذين ضمتهم لإقليم تيجراى فاحتجوا مطالبين بإعادتهم إلى إقليم أمهرا، وأن تتراجع عن فرض رجال دين غير مرغوبين على أبناء الأورومو الذين يشكل المسلمون أغلبيتهم الساحقة بدعوى مكافحة التطرف والإرهاب مع تفعيل مواد الدستور التى تعطى إدارات الأقاليم سلطات حقيقية فى إدارة شئونها المحلية بنفسها. فقد استبعد رئيس الحكومة هيلا مريام ديسالين كثيراً من حلفائه بمَن فيهم وزيرا الخارجية والمالية وضم إليها 21 وزيراً جديداً من التكنوقراط والأكاديميين فى مقدمتهم وزير الإعلام الأورومى نجيرو لينشو الذى تعهد بمناخ إعلامى أكثر انفتاحاً مع التزام العاملين فيه بالمسئولية لحماية الوطن،فحالة الطوارئ التى تم فرضها قبل نحو شهر لاحتواء الاحتجاجات المتصاعدة تقيد حرية الصحافة وتحظر حتى مشاهدة قنوات تليفزيونية تبث من الخارج،وصنَّفت منظمة (صحفيون بلا حدود العالمية) إثيوبيا فى المرتبة 142 بين 180 دولة فى مؤشر حرية الصحافة.كما أفرجت السلطات عن نحو ألفى شخص تم اعتقالهم بمقتضى قانون الطوارئ من بين نحو 11 ألفا كانت قد اعترفت باحتجازهم خلال موجة الاحتجاجات الأخيرة معظمهم من عرقية الأورومو التى تشكل 38% من السكان. الخطوات الجديدة لاقت ترحيباً حذراً من أبناء الأورومو وغيرهم معربين عن أملهم فى أن توفر لهم فرص عمل تخفف عنهم وطأة الشعور بالظلم والتهميش، لكن يبدو أن طريق الحكومة مازال طويلاً لكسب ثقة الشاعرين بالغبن والنشطاء السياسيين وقادة المعارضة الذين اشتكوا طويلاً مما وصفوه بالقمع والحرمان من ممارسة العمل السياسى بحرية،فرغم خطوات الإصلاح الأخيرة إلا أنهم طالبوا بإجراء انتخابات عاجلة تحت إشراف مراقبين دوليين وليس من الاتحاد الإفريقى فقط وبتشكيل حكومة انتقالية يشارك فيها الجميع بلا استثناء وفقاً لما صرح به جيرى مريام نائب رئيس منتدى الوحدة الديمقراطية الفيدرالية المعارض، وقال شانى كبيدى رئيس الحزب الديمقراطى المعارض إن إصلاحات الحكومة جاءت متأخرة، وأكد التحالف الشعبى لأجل الحرية والديمقراطية المعارض أن السبيل المنطقى الوحيد أمام الحكومة هو التفاوض مع جميع أطياف المعارضة للتوصل إلى حل سلمى يخدم ما وصفها بالديمقراطية التى تفتقدها إثيوبيا. ورغم أن وزير الخارجية الجديد وركنه جبايهو من الأورومو إلا أن كونه نائب رئيس حزب التنظيم الديمقراطى لشعب الأورومو المتحالف مع حزب الجبهة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية الحاكم منذ 25 عاماً قد لا يعتبره كثيرون من الأورومو ممثلاً حقيقياً لهم قائلين إن الحزب أدار ظهره لشكاواهم وفضل التحالف مع ممثلى أقلية التيجراى المهيمنة على الحكم رغم أنها لا تزيد على 6% من السكان ولم يسع بجدية لتحسين أحوالهم أو الإفراج عن المعتقلين منهم أو التصدى لمحاولات مصادرة أراضيهم لتوسيع العاصمة وإقامة مشروعات استثمارية، ولم تذكر الأنباء شيئاً عن ممثلين لعرقية الأمهرا التى تشكل 27% من السكان وشاركت فى الاحتجاجات الأخيرة،وهو ما يعنى أن كثيراً من أسباب الأزمة مازال قائماً. لقد آن الأوان لأن يتحول النظام من الحالة الثورية إلى حكم ديمقراطى يتسع للجميع، وأن يكافح الفساد ويوفر فرص عمل للعاطلين ويرفع الظلم عن المظلومين ويعدل بين مواطنيه ليحرم حركات التمرد ودعاة الاحتجاج من وقود الغضب الذى يستغلونه لمواصلة القلاقل، وقد كان خبراً جيداً توقيع الحكومة اتفاق سلام مع الجبهة الوطنية المتحدة المعارضة لإنهاء 20 عاماً من التمرد ودمج أفرادها بمؤسسات الدولة وإشراكها فى العمل السياسي، وهو ما يجب أن يتم مع جماعات متمردة أخرى مثل حركة تحرير أورومو وحركة تحرير أوجادين والجبهة الديمقراطية لتحرير تيجراي. لمزيد من مقالات عطية عيسوى